محمد في حياته الخاصة

محمد في حياته الخاصة

عرض وتقديم: حاتم السيد مصيلحي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينبه المؤلف في البداية إلى أنه مسيحي المولد والمعتقد، وما جاء هذا التنبيه إلا لأن نفرا من الناس ذهب ظنهم إلى أن إنصاف عقيدة من العقائد لا يمكن أن يصدر إلا عن شخص يدين بالعقيدة التي يدفع عنها الافتراء، وبالتالي لا يدافع بالضرورة عن الإسلام أو ينصفه إلا مسلم، وهذا على حد قوله ظن باطل!

وحجته في ذلك أن التفكير الإنساني أشبه بما يدور في معمل التحاليل الكيماوي، لا تتأثر نتيجة تحليل الدم إلا بالعناصر التي يتكون منها هذا الدم فعلا، ولا دخل في هذه النتيجة لأن تكون قطرات الدم لذي قربى أو لأبعد الغرباء.. هذه النزاهة الموضوعية أسمى منهج عقلي متاح للبشر، وهي أشق ما يكون حين يتصل الموضوع بالعواطف الشخصية، ولاسيما المعتقدات؛ لأن التجرد من هذه المؤثرات الذاتية جد عسير.. إلا إن الإنصاف النزيه أثمن فضائل الإنسان.

الأمية والجهل:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة : 2]

يرجح المؤلف أن المقصود بالأميين أهل الأمم من غير بني إسرائيل، الذين كانوا يسمون أنفسهم الشعب المختار، الذي اختص بالهداية والنبوة، وأن غيرهم من أبناء سائر الأمم “أمميون” أو “أميون”. لانبوة فيهم ولا هداية لهم، فجاءت هذه الآية لتقرر ما شمل الله به ” الأميين‟ من الرحمة إذ أرسل فيهم رسولا منهم.

على أن المستشرقين وسائر المغرضين آثروا الأمية بمعنى عدم القراءة والكتابة، وهي صفة غير منكورة للرسول العربي الأمي، وقد آثرنا أن نسايرهم تعقبا لحجتهم وتوسلا إلى إفحامهم.. فليس كل أمي جاهلا، وليس كل جاهلا أميا، الأمي من لا يقرأ ولا يكتب، والجاهل من لا يعلم ما ينبغي أن يعلم. وليس العلم كله منوطا بقراءة وكتابة.

فليس هناك إذن أدنى ارتباط بين جهل وأمية، وبين علم وقراءة وكتابة.

ويرى أنه من الحمق أن يتوهم الجهل في رجل دانت له الرجال الأمي وغير الأمي، أقنعهم بدعوته، وأفحمهم بحجته، وتبعوه فازدادوا به إيمانا، حتى لقد فدوه ودعوته بأرواحهم راضين.

جموح الشهوة، وتعدد الزوجات:

محمد ﷺ تزوج عددا من النساء..

واقع مشهود به لا ينكره ولا يفكر في إنكاره أحد، يتناولونه في براءة مصطنعة وخبث مبيت، ليقولوا بعدها:” وليس زوج الواحدة سواء وزوج العدة من النساء.. زوج واحدة ملجم الشهوة، وزوج العدة من النساء جامح الشهوة مطلق العنان، لا يطيق منع نفسه من طلب النساء، أو هو لا يريد أن يمنع نفسه من طلبهن مادامت الفرصة متاحة لما يشتهيه من الإباحة.. ”

ويرد على هذه الفرية قائلا: صاحب الزوجات الكثيرات يجمع بينهن قد لا يكون شهوانا؛ لأن المعول على مايكون في نفسه من نوع الصلة والارتباط بهن، فإن كان ذلك الارتباط ارتباطا تعلق بلذة المضاجعة قبل كل شئ، فالرجل شهوان بسبب تعلقه بتلك اللذة، لا بسبب كثرة عدد من في عصمته من النساء.

أما إن كان صاحب الزوجات الكثيرات مرتبط بهن برباط لا يقوم على طلب اللذة قبل كل اعتبار، بل يقوم ارتباطه بهن على الأواصر الإنسانية السامية من مودة ورحمة وبر ورعاية وحدب وتكريم للشخصية الآدمية في المرأة، فالرجل ليس بشهوان لعدم ابتناء صلته بالمرأة على اللذة البهيمية، بصرف النظر عن عدد من في عصمته من النساء.

فالرجل الشهوان هو الذي يكون ارتباطه بالمرأة وطلبه لها؛ لأنها أنثى، لأنها “أداة” غفل لقضاء تلك الرغبة الغريزية، وقيمتها عنده رهن بما تتيحه من درجات تلك اللذة.

أما من كانت المرأة عنده “ذاتا” وكانت صلته بها صلة الإعزاز الشامل والمودة السابغة، فطلبه لها ليس طلبا بهيميا أعمى، بل هو تكميل للمودة وتتويج للإعزاز في مظهره الحسي الأقصى.

هكذا يكون الترابط بين جنسي الإنسان، ترابطا لا ينحط بهما إلى درك الحيوان.. وشتان رغبة نملكها ونستخدمها، ورغبة تملكنا وتستخدمنا.

وما كان محمد ﷺ رجلا هزيل الحيوية واهن الوظائف، ولكنه كان يملك حيويته ولا تملكه حيويته، ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه.. فهي قوة له تحسب في مزاياه، وليست ضعفا يعد من نقائصه.

لم يكن أبو القاسم معطل النوازع، ولكنها لم تكن نوازع تعصف به، لأنه يسخرها في كيانه في المستوى الذي يكرم به الإنسان حين يطلب ما هو جميل وجليل في الصورة الجميلة الجليلة، التي لا تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره.

المصانعة والوفــــــــــــــاء:

تسع زوجات جمع بينهن محمد ﷺ ـ عدد ليس بالقليل ـ ولكن العبرة ليست بالعدد ولكن بالظروف التي أفضت به إلى الجمع بينهن، منها ظروف اجتماعية ترجع إلى الأحداث التي كان هو محورها،ولا يمكن أن يعفي نفسه من المسئولية والالتزام ببعض آثارها، ومنها ظروف تفسية مرجعها إلى عواطفه ومراميه.

وقد قضى مرحلة طويلة من عمره، مداها ربع قرن من الزمن، هي فترة الشباب العارم، والرجولة الفتية، ولم يكن فيها زوجا للعدد العديد من الحريم؛ بل كان بعل امرأة واحدة هي خديجة بنت خويلد.

ربع قرن لم تكن فيه الزوجة الواحدة فرضا مفروضا عليه، والبيئة لا تعرف إلا التعدد الذي لا حصر له، وليس التوحد في الزواج قيمة متفقا عليها هناك في ذلك الزمن.

وبعد موت خديجة ـ رضي الله عنها ـ يحزن عليها حزنا شديدا، فمن الذي تزوجها ﷺ بعدها؟

سودة بنت زمعة: امرأة متقدمة في السن ليس لها جمال خديجة، ولا مال لها على الإطلاق، ولا جاه، وإنما هي أرملة بدينة طيبة القلب، وكانت فيها دعابة وليس فيها للرجال مأرب، فلماذا تزوجها إذن؟

لأن زوجها كان من أصحابه القلائل الأولين، وهاجر بها إلى الحبشة فيمن هاجر، وقيل مات هناك، وقيل عاد من المهجر معها فمات، وبقيت سودة أرملة منقطعة، وقد بت إسلامها ما بينها وبين أهلها، ويخشى أن يردوها عن الإسلام وقد عادت إلى بيت أبيها، وليس لها ما تعيش منه، ولا صنعة بيدها، وما كان أحرى ذلك ” الوارث” أن يعوض ما فات عليه في ربع قرن من اللذات، لو أنه الرجل الذي يزعمون.

حفصة بنت عمر:  لم يذكر التاريخ أنها كانت ذات حسن باهر أو جمال آسر، كانت زوجة لخنيس بن حذافة، أحد المسلمين القلة الذين شهدوا غزوة بدر، وبعد قليل من تلك الموقعة مات وترك بعده الأرملة الشابة، وسنها لم يتجاوز الثامنة عشرة.

وقد عرضها أبوها على صديقه أبي بكر الصديق ليتزوجها، ولم يجبه، فتركه ساخطا غاضبا.. ثم ذهب إلى عثمان بن عفان بعد وفاة زوجه رقية بنت محمد ﷺ، فكان رده، ما أريد الزواج اليوم!

ثم ذهب إلى الرسول والغضب يكاد يذهب بلبه، فتلقاه وهو أعلم الناس بحدة طبعه واستوضحه ما يعانيه من الكرب، فذكر له ما فعل صاحباه.

فقال له مواسيا: يتزوج حفصة من هوخير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة!

وفطن عمر إلى المعنى الوحيد الذي يستفاد من أن حفصة سيتزوجها من هو خير من عثمان، إذن سيكون هو الزوج.

لا بد من المواساة:

أم سلمة هند بنت زاد الركب: مجاهدة من المجاهدات الأوليات في الإسلام، امتحنت فب دينها أشق امتحان تبلى به امرأة، فصمدت وانتصرت، وصار لها حق عظيم في رقاب المسلمين.

ترملت، مات عنها زوجها شهيدا بعد بلاء حسن في نشر الدين الجديد والذود عنه، وبعد انتصار كبير كان له أثر واضح في تثبيت سمعة الإسلام في نفوس قبائل العرب جميعا، وحفظ هيبة الدولة الناشئة بالمدينة من الانهيار، هذا الزوج هو أبو سلمة، عبد الله بم عبد الأسد بن المغيرة، ابن عمة الرسول ﷺ، وأخوه في الرضاعة.

مات على صدر ابن خاله الرسول ﷺ، سجاه بيديه، وقد نال منه الحزن على فقده، فظل يكبر عليه حتى بلغ عدد التكبيرات تسعا لشدة مايجده لفراقه والأسى عليه.

وقد رأى الرسول أن يمد يده إلى أرملة أخيه في الرضاع، وابن عمته مواسيا بنفسه، يطلب إليها يدها، وخجلت الأرملة المجاهدة الشجاعة، وبعثت تعتذر بكبر سنها، وكثرة عيالها.

وفي لهجة الإصرار على المواساة والبر بعث يقول لها: أما أنك مسنة، فأنا أكبر منك، وأما العيال فإلى الله ورسوله!

ويتساءل المؤلف: أفي مثل هذا الزواج الذي أملته دوافع الأسى والنخوة يجترئ الأفاكون على جلال ذلك الحزن النبيل فيذكرون لفظ الشهوة؟

جويرية بنت الحارث، سيدة بني المصطلق:

وقعت سبية بعد انتصار المسلمين على بني المصطلق، ومثلها لا تصبح أمة تعامل معاملة الرقيق، أوتباع بيع الإماء، أو تمتهن بالخدمة أو التسري، فعرض عليها أن تفتدي نفسها، فيطلق سراحها وتعود إلى أهلها.

فخرجت إلى شوارع المدينة لا تدري كيف تحصل على فديتها من الرق، وخطر لها أن تستثير نخوة القائد المنتصر، فوقفت ببابه وهو يومئذ في حجرة عائشة بنت أبي بكر، واستأذنت عليه، ودخلت في كبرياء متداعية وإباء مترنح تعرض عليه أساها وكربها: يارسول الله!  أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه! وقد أصابني من البلاء ما تعلم فوقعت في السهم لثابت بن قيس، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على أمري.

وأمام هذا الموقف المؤثر، قال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ فسألته متعجبة لهفانة: وما هو يا رسول الله؟ فقال لها في ترفق واضح:

اقضي عنك كتابتك وأتزوجك!

أي يدفع فديتها إلى قيس بن ثابت، فتصير حرة، ويتزوجها. وبذلك لا يكون قد رفع عنها ذل الرق والأسر فحسب، بل ويرد إليها عزتها أعز مما قبل السبي، ويجعل بينه وبين أهلها المهزومين نسبا وصهرا، ويحول الهزيمة والعداء إلى ألفة وولاء.

وهكذا اعتق بزواجها أهل مئة بيت فيما يقال من بيوت قومها، واهتز أبوها ـ سيد قومه ــ لذلك النبل الذي أسر به محمد قلبه وقلب سائر بني المصطلق، فأسلم وأسلموا، وفعل هذا الزواج ما لم يفعله السيف في سلسلة من المعارك!

الخاطر الڪسير:

عقيلة بني النضير، صفية بنت حيي بن أخطب:

بنت ملك وزوجة ملك، ينتهي نسبها العريق إلى هارون أخي موسى، وقعت سبية بعد هزيمة قومها، وفني آلها أجمعون، وانتهت في ساعة من الزمن إلى ذل الأسر المهين.. ولم يترك القائد عزيزة القوم تقع في نصيب أحد أتباعه ليبيعها أو يضطرها إلى استجداء ما تستعين به على فك أسرها ورفع رقها، ليحسم الأمر من بدايته، وليجعلها في سهمه هو، وكان بيده أن يجعلها أمة من إمائه لو أنه كان ينظر إلى متعة، ولكنه حررها، وتزوجها لتكون لها عزة بعد ذلة، وهو طالما أكرم عزيز قوم ذل، ولكي يعلم من لم يعلم بعد أن محمدا يجبر القلوب الكسيرة، ويعفو عند المقدرة، ويأسو ما جرحه مضطرا.

لا يجدع له أنف:

أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان:

إنها ابنة قائد معسڪر الكفر كله، ابنة أبي سفيان بن حرب بن أمية، لم تقف ببابه أسيرة، ولم تعرض عليه بين السبايا، ولكنها كانت في موقف أشد من هذا وأنكد!

كانت متزوجة من عبيد الله بن جحش الأسدي، ابن عمة الرسول ﷺ، وآمن عبيد الله بما أنزل على ابن خاله، فأعلن إسلامه، وأعلنت رملة إسلامها، ولم يمنعها من ذلك أن أباها زعيم قريش المشركة المنافحة عن الكفر المجاهدة للرسول وأصحابه.

هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ولكن زوجها تخلى عنها، وتخلى عن عقيدته، ولم تجسر على العودة إلى مكة، وجاءت الأخبار إلى محمدﷺ، فبعث يخطبها لنفسه، ووكل النجاشي في تزويجها منه، وفي أرض المهجر التي شهدت خذلانها الموجع، أصبحت زوجة للرسول عن طريق ذلك التوكيل، وتطوع النجاشي النصراني، فدفع إليها أربعائة دينار مهرا هدية خالصة منه، وغمرها بمظاهر التكريم هي وسائر المسلمين اللاجئين إليه.

وبقيت هناك حينا من الدهر، إلى أن ثبتت أقدام الدولة الإسلامية في المدينة حتى أرسل النبي يطلب بقية أتباعه المهاجرين، وعلى رأسهم أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان.

لقد انقلب الموقف بهذا الزواج إلى النقيض: فهذه بنت زعيم قريش، وقائد معسكر الكفر كله تغدو زوجة لمحمد  ﷺ!

وانقلبت السخرية بين أحياء العرب جميعا لتركب ظهر أبي سفيان.

هبــــــــــة في طيها حرج:

ميمونة بنت الحارث:

كان العام عام عمرة القضاء، وقد دخل المسلمون مكة مسالمين بعد صلح الحديبية؛ ليؤدوا فريضة الحج لأول مرة منذ الهجرة إلى المدينة، واهتزت شعاب مكة وبيوتها بهتاف المسلمين وتلبيتهم كالرعد القاصف، وإذا بشقيقة زوجة العباس عم محمدﷺ، وشقيقة زوجة حمزة ابن عم محمد ﷺ ترى ذلك المنظر الباهر فتهزها الحماسة والأريحية، وتصبح وهي تشهد ذلك اليوم على بعيرها:

البعير وما عليه لله ورسوله!

وأفضت بذلك إلى العباس زوج أختها، فرفع الأمر إلى ابن أخيه، فلم يرد هبتها وتزوجها وهي يومئذ أرملة دون الثلاثين.

وما كان له أن يردها، فيكون ذلك خذلانا لمن جادت له بنفسها تحت وطأة الحماسة لدخوله معقل الشرك، وطوافه بالبيت!

هؤلاء زوجاته اللواتي بنى بهن وجمع بينهن، لم تكن واحدة منهن هدف اشتهاء كما يزعمون، وما من واحدة منهن إلا كان زواجه بها أدخل في باب الرحمة، وإقالة العثار والمواساة الكريمة، أو لكسب مودة القبائل وتأليف قلوبها بالمصاهرة وهي بعد حديثة عهد بالدين الجديد.

زواج المحارم:

تزوج محمد ابنة عمته زينب بنت جحش  حقيقة تاريخية ثابتة ليست موضع جدل، وكانت زوجة زيد بن حارثة قبل ذلك ثم طلقها بعد خلاف بينهما وجفوة، وكان زيد بن حارثة ابنا بالتبني لمحمد منذ الجاهلية، وهو الذي زوجه ابنة عمته هذه!

وقد كان عزيزا عليه أن ينتهي هذا الزواج الذي سعى فيه وأمر به إلى تصدع وانهيار.. وكان عزيزا عليه أن تتقوض القاعدة التي أراد بذلك الزواج تقريرها، وهي محو الفوارق بين المسلمين وإلغاء الطبقات في صميم الأسرة العربية، وتقاليد المصاهرة فيها، كما محا الفوارق في الدين والعبادة والجهاد والإمارة.

ثم  نزل القرآن بإنهاء عادة التبني بقوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب : 37]

فقضى على سلطانه، وما يترتب عليه من حرمة لا أساس لها.

وما أخفى محمد في نفسه إلا الرغبة في جبر خاطر كسير، لا سبيل إلى علاجه حق العلاج إلا بيده، وما الأمر بالزواج هنا إلا منطوق حكم سبقته حيثياته الملزمة للعقل، وألحقت به القاعدة العامة التي يلتزم بها سائر الناس من بعد.

انتهــــــــــاڪ الطفولة:

عائشة بنت أبي بڪر: لغط المحدثون من المفترين بأمر زواج الرسول منها وهي دون العاشرة، وتصايحوا منددين بانتهاك محمد ﷺ لحرمة الطفولة، ونسبوه إلى الوحشية الجنسية. وليس أبعد عن خلائق محمد من مثل هذه الفرية.

فخطبة الرسول ﷺ للسيدة عائشة لم تكن مبادأة منه، بل كانت باقتراح من خولة بنت حكيم، رشحتها للزواج منه وقد رأت حزنه واستيحاشه لوفاة السيدة خديجة، وما كانت أسنان الناس يومئذ لتعرف من ” شهادات الميلاد“ وأعمار النساء لم تزل ـ على عهد شهادات الميلاد ـ موضع تنقص واضح شائع بين جميع الطبقات.. لا عن كذب متعمد، بل عن سليقة في المرأة متصلة بفطرتها الأنثوية.

ومما لاشك فيه أن أعمار البنات كانت تعرف في تلك البيئة، مثلما تعرف في بيئات الريف والصعيد بعلاقات غير علامات التقويم، تعرف بأطوار النمو البدني.

وينتهي المؤلف إلى أن التاريخ حوى رجالا أصحاب رسالات كان لهم الزوجات الكثيرات، بالعشرات والمئات، وكانت لهم السراري بغير عدد، ولم يقدح ذلك فيما لهم من فضل ظاهر، ولا فيما لدعواتهم من أثر في العقول والسرائر.

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: