كتاب تحت العدسة بقلم القيثارة شريفة السيد

(درة الكتب ومفخرة الأدب)

 

(قال الهُدهد)..عودة مُفاجئة لزمن فلاسفة التصوف الإسلامي
وصيغة جديدة للصلاة على سيدنا محمد ﷺ
 
 توقير مستحق :
 إذا جاء العلم من أهل العلم فلابد أن نصدقهم ونُصدِّق على ما يقولون. خاصة إذا طرَحوه صدقةٌ جارية ونوَوا به نيَّةَ الخير للبشرية جمعاء.
فأمامنا عالم من علماء مصر الأجلاء أ.د. حمدي الجمال في ثاني كتابٍ له، لكنه مؤثِّرعلى مستوى الكتابة وعلى المستوى الإنساني والنفسي. قال تعالى:
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ..الآية9 الزمر)) صدق الله العظيم.
أثق أن كل من سيقرأ الـكتاب لابد أن يهتز قلبه وتتطهر نفسه، وتصفو سريرته، ويتمايل طربًا وحبًا لسيدنا محمد ﷺ..؟ وهل تصدقون أنني أصبحت أنادي الهدهد بـ (يا أبي).؟ لأنه استطاع أن يقربَني من الحبيب.
(تقول صديقتي أ/فاطمة حسين: (وهل بعد القرب من الحبيب طلب.؟ تلك هي الجنة التي ولطالما حلمنا بها).
وتقول صديقتي أ/راندا طه: (مؤلف هذا الكتاب ربنا راضي عنه عقبالنا يا رب).
ويقول الشاعرعبد العظيم الأحول: يا بختك يا شريفة بالدكتورحمدي ويا بخته بيكي).
إبحار وإبهارعكس التيار :
 
يُبحر كتابُ (قال الهُدهد) بمجاديف عدة؛ الفلسفة،علم اللغة، علم النفس، الشعرالصوفي، التاريخ، الطرق الصوفية والورع والوله ومدح خير البرية.. وغيرها.
وعلى غير تنافس مع أحد؛ مجالاً وفكرًا وتناولا، في أمواج غير صِحيِّة بالمرة يشوبها الزيف والنفاق والتناحر الغير شريف، للظهور على منصات ثقافية خاوية من المعرفة، ودون محتوى يستحق، مع تدنِّي الذوق العام، وتراجع القراءة. لهذا أتمنى أن أجدَ مقالات كثيرة عن هذه النوعية من الكتب الثمينة. ويسعدني أن أكون ممن نالوا شرف الكتابة عنه.
يعودُ بنا (الهُدهد) إلى أزهى عصور الرَّصانة، قرأتُهُ فكأنني أُسقِطَ في يدي كتابِ للإمام ابن قيّم الجوزيّة في التصوّف كأشرف عِلم بعد علم التوحيد، ودوره في تحضير النّفس لرحلة الآخرة، وإرشاد السالكين. أو أنني أمام كتاب الإمام القشيري في حديثه عن التوبة والمجاهدة والعزلة والزُّهد. أو كُتب ابن عطاء الله السكندري في التوحيد والأخلاق وسلوكيات النفس.
فأي كتاب هذا الذي يسافرُ بنا على متن (المسافرون إلى الله بلا متاع) لـ د.جمال بدوي.؟ ويُجلسُـنا على مائدة (منازل السائرين) لـ عبد الله بن محمد بن علي الهروي. ويطعمُنا من زاد (أحمد زروق الفاسي البرنسي) ويُذيُقنا حلاوة العمل الصالح بدايةً من خشية الله تعالى.
أكاد أجزم أن (قال الهدهد) في التصوف الإسلامي كتابٌ هاربٌ من زمن الجمال والأناقة. يفرض نفسه كعملة جيدة تطرد العملة الرديئة، واجدًا له أرضًا صلبة ومنصة أقوى لا تهوِي به بين فوضَى كتب هذه الأيام. والأحرى أن يكون من مطبوعات المكتبة التوفيقية أو المطابع الأميرية، التي أنشئت في عهد محمد علي باشا 1821م. فكيف غفلت عنه عيون باشجاويش الكتب وأميرلاي الثقافة في مصر.؟
منحَى المُريدين :
 
وصلتني نسخة إليكترونية ومع ذلك شممتُ فيها عبق التجليات الصوفية منذ مقدمة تميزهُ ، يحلو لي أن أسميها (المقدمة الياقوتية) بداية من بسم الله الرحمن الرحيم المكتوبة بالخط الديواني، واسم دار النشر(الوابل الصَّيِّب) المكتوب بالخط الكوفي غير المنقوط، وانتهـاءً بتذييل صفحاته بنقوش وزخارف إسلامية، مع اهتمام شديد بالهوامش السفلية.
وبين هذا وذاك؛ تلك (الافتتاحية النورانية)، الحمد لله رب العالمين بمعظم صفاته العلية، والصلاة والسلام على خير البرية، وإهد اء رصين للشيوخ وآل العلم وأنفاسهم الزكية، ثم وصف مبدئي لمضمونه، وأن به نفحات مباركات، وخيرٌ وبشارات، ويحتوي على إشارات، وعطرٍ من عند رسول الله ﷺ آت. مما يندُر أن نجدَه الآن.
هذا الشكل والأسلوب الـ يتطابق مع المضمون، يدعوك للتأمل والاندهاش، فتشعرُ بالمتعة والانتعاش، وتشتم رائحة البخور، والمسك المنثور، فتحرصُ على اقتنائه؛ وتفتخر بمؤلفه كما يفتخر هو بحبه لرسول الله ﷺ وتتباهى كما يتباهى بأنَّ اللهَ يُمسكُ قلبَهُ بين أصـابعه ويُقلبُه، مناجيًا إياه قائلا: (كُلي ثقةٌ أنك لن تُقلبه إلا تجاه حُبك)(ص6) ويستنكر أن يكون هناك قلب لم يتمزق من عشق الحق.!
هنا مَنحَى (المُريدين) للقرب من نَبِيٍّ كُتبَ عليه تحويل النفس البشرية إلى معدن نفيس. فينادي د. حمدي بالتفاني في حبه والذوبان في شخصه الكريم. ويدعو إلى تزكيةُ النّفوس وتَهذيبها. ويستعرض رحلته الفكريّة إثر رؤيتِهِ للنبي ﷺ في المنام أكثر من 80 مرة وتلقينه شيئا من الذِّكر، كما يهيبُ بنا أن نهَبَه لكل مُريد(ص10). كما يدعونا إلى فعل الطاعات وترك المعاصي وتجريد الأعمال من الرّياء. موجهًا خطابه إليك (أنت) كي تمحوَ نفسَك في حُب الرسول ﷺ؛ وأن تحل أزمة الاغتراب بينك وبينه، لأن الرسول ﷺ هو الوسيلة الأولى للوصول إلى الله، ويا حظ من اكتحلت عيناه برؤية الرسول (ص36).
الهدهد شخصية محورية :
 ويتخذ المؤلف من (الهدهد) شخصية خيالية تيمُنًا بهُدهد سيدنا سليمان، ويجعلُهُ ينطق عنه بمـا يريد؛ من تفسير أو شرح أو إبداء رأي. فيستخدم جُمَلاً مثل: (ويرى الهدهد) أو( قال الهدهد) أو( يقول الهدهد).
ويتسيَّد الموقف كله فعلان هما الماضي والمضارع (قال ويقول) يساعدهما الفعل (يرى) للتمييز بين ما يقوله الكاتب وما يقوله آخرون من رواد الصوفية أوعلماء التاريخ الإسلامي أوالفلاسفة أوالصحابة. بينما يُعبر بالفعل (يرى) عن رؤيته هو وقت الاختلاف أو التوضيح أو الدفاع عن فكرة أو رأي، أو التأمين على كلام الله تعالى، أو باعتباره متصوفا؛ فمثلا:
“ويقول الهُدْهُد”: أيها العبد إذا لم تتعرف إليه في دار الفناء فأين تتعرف؟ فكن في الله فانيًا في دار فنائه، يكن لك باقيًا في دار بقائه، ولن نتعرف عليه إلا بالوسائل. ثم يشرح معنى (الوسيلة) ( ص10).
لكنه في موضع آخر يستخدم الفعل (يرى) فيقول :
“ويرى الهدهد”: أن الإيمان بالغيب يوضّحُ أهم صفة للمؤمن وهي”الرضا والتسليم”
(ص14).
إذن هناك رؤية من الفرق بين استعمال (يقول الهُدْهُد ويرى الهُدْهُد) (وبينهما وبين قال فلان)، حيث تم توظيفُها جميعًا بذكاءٍ شديدٍ ووعي وحكمة وموضوعية. فلم تأت هذه الأفعال بعشوائية ما؛ وإنما هندسَتْها يدُ مهندس الكِتاب بشكل دقيق.
رؤيته للحبيب المصطفى :
 
ويستمر المؤلف في سرد تجربته؛ لـيثبتَ أن حُبَ الرسول ﷺ هو الوسيلةُ الأولى للوصول إلى الله، بداية من رؤية الرسول ﷺ في المنام، وهو يُلقنُهُ صيغة جديدة للصلاة عليه، غير الصلاة الإبراهيمية (ص9).
وما أراد كتمان رؤيته للحبيب المصطفى (ص36) كما فعل من رأوه ﷺ ؛ لكنه بمنطق (وأما بنعمة ربك فحدِّث) يُبررُعرضَ تجربته الخاصة، لتفعيل علاقتِنا مع النبي مُستندًا إلى الحديث الشريف: “مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَقَّ”. فبداية طريق الحَقَّ حب رسول الحَقَّ. ومؤكدًا غير مرّة : (يا حظ مَن اكتحلت عيناه برؤيتهﷺ) وأن ذلك لا يُسأل عنه غير الله، فهو خيرٌ عظيم أتاه، وليس له يدٌ فيه. ثم يذكر أسماء من رأوا النبي في أحلامهم. وبعض الأوراد، وسبع صيغ للصلاة على النبيمن اختياره وكيفية ترتيلها للوصول إلى ألف مرة في اليوم الواحد، كنوع من الجهاد، وأساليب قيام الليل وتسابيحه على شكل نصائح، وعددها 12 نَفل/غُنم تبدأ من (ص86).
أساليب التشويق :
 
بفلسفة الصوفيين يُحلق المؤلف مؤكدًا فكرة أهمية الفرار من عيوبك، وضرورة أن تكون لله بكلك لا بجزء منك، مُستحضرًا هَيبة المتجلِّي، مُستشهدًا بجبل سيدنا موسى وترجمة بن الفارض للحدث في قوله : صارت جبالي دكَّا.. من هيبة المتجلّي.
وهنا حشد الكاتب حوالي 20 أسلوبًا من أساليب التشويق لتنبيه القارئ والضرب على الحديد ساخنا؛ باستخدام أُدلة عقلية وأخرى نقلية بأسلوب أدبي يكشف عن مصداقيته وسعة اطلاعه، وموسوعية ثقافته، وقدرته على الصياغة المُحكمة.. مثل:
(1) استخدام مُسمَّى (الهدهد) نيابة عن المؤلف.
(2) الاستشهاد بآيات الكتاب الحكيم، استدلالاً منطقيا دون انقطاع.
_و بالأُحاديث النبوية وإثبات مصادرها وإسنادها جميعًا لرواتها.
_وبقصص الصحابة والتابعين والمتصوفة وحكايات حدثت بعصر الصحابة كـ(نافع) قارئ القرآن الكريم، وبعصور تالية كالشيخ الشاذلي أبو الحسن، والعباس المُرسي.. وغيرهم.
_وبأُبيات من شعر ابن الفارض والحلاج ورابعة العدوية وجلال الدين الرومي وغيرهم.
(3) استخدام أُسلوب الالتفات؛ لإحداث صدمة وفجأة وقتية للقارئ للتنبيه، أو لتأُكيد معلومة، أو إزالة شك.
(4) أسلوب النداء في مخاطبة القارئ مثل: اعلم (يا هذا) أو( أيها العبد) أو(أيها المريد) أو (أيها الإنسان) أو (أيها الكائن السماوي)
(5) تفسير وتحقيق وإثبات كل شيء، حتى أنه يفسر معنى كلمة نَفل وجمعها أنفال (ص14) ونِصاب الزكاة(ص40)، ومعنى النقشبندي(ص50) ومعنى الحق(ص64) كما يفسر معنى إنسان والعروة الوثقى…إلخ
(6) ظهور مصطلح (صوت العقل) لمرة واحدة (ص37)، بينما تنتشر كلمة العقل في جُمل كثيرة مثل: (خلوص العقل عن الشك/ انتصار خطاب العقل/ ليُنِير هذه الدنيا بنور العقل/ ينتصر فيها خطاب العقل ومنطق المعقول/ صراط العقل/ برزخ فيه قبرُ العَقْلِ/عندما وصل القلم إلى هنا تاه العقل) وغيرها؛ للتعبيرعن الصراع الأذلي بين العَقْلِ والنفس.
(7) عناوين الفصول والمباحث وعناوين الفقرات المثيرة للدهشة الخاطفة للنظر والجاذبة للروح وقد تنوعت بين:
_عناوين رمزية براقة/ وأخرى شاعرية/ وثالثة مباشرة جادة صارمة/ كلٌ في موضعه تماما، بحسب الموضوعات وما يناسبها، في تنوع وتناسق مقبول. اخترت بعضَها بنفس ترتيبها مثل:
(اللهُ في قِبْلَة المُصلي/ فلسفة كائن حي/المرائي العشرالحسان/ذكرالحق كيمياء سعادة المؤمن)،(ترانيم صوفية/ضوءٌ يهمس)،(نصيحةُ نَفْلٍ/الإنسان خليفة/قواعد مُستقاة من القرآن الكريم/ما بين الشيخ والوِرد )..إلخ
_أوعناوين شاعرية لفقرات بدت وكأنها عناوين قصائد شعر مثل: بصرٌ مُتحيِّر (ص27) انتباهة راقد(ص49) حبيب جاء على شوق/يقصد سيدنا الحسين رضي الله عنه(ص50) مِنحةٌ في قلب مِحنة(ص53) بَردُ الرَّحمة يُطفئُ نارَ البُعد(ص60) يا لسعد الهُدهد رأيتُ الله حقا(58) فوضَى الخيال(ص103) آهاتُ فانٍ(ص108) الدّمُ قربان(110)….إلخ، نتيجة لأسلوبه الأدبي المتميز وشاعريته المفرطة.
(8) كثرة التساؤلات ؛ لإثارة انتباهنا واستدعاء دهشتنا وإبعادنا عن الملل.
(9) إثبات جميع المصادر بشكل توثيقي: القرآن الكريم وكُتب السُنة والتفاسير والمعاجم والإنجيل والزبور، وكتب المتصوفة والفقه والتاريخ الإسلامي، والشعراء والصحابة وأئمة الطوائف الدينية وتلاميذهم…إلخ، لتصبح الهوامش كتابًا آخر يتوازَى مع المتن.
(10) إدراج نصوص أدبية من تأليفه هو، في المبحث السادس، تحمل من ملامح الشعر الكثير، وتنم عن شفافية وعمق، ما سنفرد له وقتا خاصا لأهميته.
(11) انتشار فعل الأُمر(افهم) وبالأكثرية(اعلم) والأداة الملازمة له (أن) مصحوبًا بواو أُو بدونها كـ(واعلم أن) أُكثر من 45 مرة.
وفي البلاغة العربية يُستخدم فعل الأُمرعلى غير ظاهره لأُغراض كثيرة..
وقد استخدم المؤلف معظمَها؛ كالنصح والإرشاد والترغيب والترهيب بكثرة ثم التمني والالتماس والرجاء، لأن الأمر يهتم بمنفعة القارئ، وإفادة المخاطب، في تهذيب النفس وإزالة الشوائب العالقة بها. ثم لأغراض التفسير والشرح والتفصيل للتأُكيد على بيديهيات إنسانية للتذكير بها؛ واعتمادها كشريعة من شرائع التعامل مع الله ورسوله ﷺ مثل:
واعلم أن اليومَ قريب/ واعلم أن يوم القيامة هو يوم الحصاد/ واعلم أن العُجبَ بالنفس قد يتطور بها إلى شدة الاستكبار، الذي يَطرُد الإنسان من حضرة الحق/ اعلم أن الفكرة ليست في العدد، فهناك من يقول الآلاف من الأذكار اليومية، ولكنها بلا فائدة/ اعلم أن الروح المحمدية هي روح الأرواح… إلخ.
وقد استطاع الكاتب تسخير كل هذه الأدوات لخدمة موضوعاته، وأن يجعلها ناطقة بلسان الحق، بهدف الوصول إلى منطق وجمال الحق سبحانه وتعالى.
ومثله فعل الأمر (افهم) الذي يبدأ من (ص54 في السطر رقم11) بمضارعِهِ في جُملة: (فوجب أن تفهم أن الدنيا دار اختبار وابتلاء)، لأن مرحلة (افهم) تأتي بعد مرحلة (اعلم) كترتيب منطقي حين تخاطب العقل. وقليلا ما يأتي مرادفُها في مضارعه (تَعرِف) مثل (وجب عليك أن تَعرِف)(93) السطر الأخير وقت الحديث عن النفس.
درامية مبهرة ولكن..
 ويُدرج د.حمدي نصوصًا أدبية قد يراها شعرًا. وللحق فهي نصوص لا تخرج إلا من يد شاعر متمكن؛ ولكن الناقد المعاصروغير المعاصروضع شروطا للشعر لا مجال لسردها الآن..!
إذ يُفتتح الكتاب (ص6) بعنوان:(قصيدة من القلب للدكتور حمدي الجمَّال) وأراها حوارية مُبهرة بين الهدهد والشيخ. حين قال الهدهد القلب ملك. فيرد الشيخ على المريد، ويُقسِّم القلوب على ثلاث: قلبٌ بالله/ وقلبٌ بك/ وقلبٌ بالشيطان.
فيهمس الهدهد: (قال الحبيب إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يُقلبُها).
وهنا يتهلل الهُدهد فرحًا وفخرًا؛ لأن قلبَه بين أصابع خالقه، فيردِّد مطمئنا: (كُلي ثقة أنك لن تُقلِّبَهُ إلا تجاه حبك، وحتى لو قلبته تجاه الضد سأكون سعيدًا. يكفيني أن خطر لك قلبي) والمنادى المفهوم ضمنيا (يا رب).
فالتناول مُحكم والأسلوب الأدبي متوفر، وبكارة الفكرة ترفع بنانَها وتصيح ها أنا ذا، وكذلك الدراما المهذبة، وتضمين بيتين لجلال الدين الرومي، كل ذلك من شأنه أن يضع النص في مصاف نصوص ملائكية عذبة؛ لكن قاضي قضاة الشعر سيكون له رأي آخر في التسمية.
وأخيرًا.. لماذا هو كتاب ثمين.؟
 
كتاب ثمين لأن فيه من الصدق والشجاعة والرؤية الواضحة والتمكن ما جعل المؤلف يأخذ من بساتين الكلام أحلاها، ومن قِنان العطور أزكاها؛ فينشرح صدرُك وتميل روحُك ميلاً نحو الله ورسوله ﷺ؛ فتزداد رغبتُك في فعل كل ما يُقربك منهما وصولا إلى الجنة.
كتاب ثمين لأن به رِقَّة وشفافية جعلتا الهدهد هو القائم بالأعمال. وزيادة في الرِّقة جعلته يُصنِّف البشرَعلى أنهم أهل الجنة وغير أهل الجنة، مع علمنا بوجود النار؛ لكن عفة لسانه منعته من ذكر لفظة النار.
لاعتزاز المؤلف بكتابه يُسميه (السِّفر) (ص13) لأنه ليس كتابا عاديا؛ بل لا يُقارن بغيره من كتب العصر، مادة وفكرًا وتناولا، ثم لمجهودٍ ضخم بُذلت فيه سنوات عديدة، لجعلِه قيمة توثيقية تفوَّق الكاتب فيها فنيًا؛ أسميها أمانة علمية نجح في تأديتها، وتجعلنا نمنحه ثقتنا في إصداراته القادمة.
كتاب ثمين لأنه بحلاوة منطقه وبلاغته؛ جعل رؤيته الثانية لسيّدنا محمد ﷺ بعنوان: (الهدهد ما بين شجرة الإيمان وفرعها الرئيس) يقصد بين سيدنا محمد ﷺ وسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وإن كانت (ما) فصَلَتْ بما لا داعي له من الوقت بين الشجرة والفرع وصنعتْ حاجزًا وبُعدًا غير مُبرر(ص40). ومن هذه البلاغة الكثير على اختلاف الموقف، سأترككم تندهشون به بين ثنيات الكتاب.
كتاب ثمين لأنك ستجد به متعةً حقيقية وشجنًا وعذوبةً وخصوبة، وكثيرًا من الحب وفنون القرب، ومادةً علمية، وبحوثا أكاديمية بها من الحِلم مـا يُلامس شغـاف القلب، ويأتي على هوى النفس، ويفك متاريسها، ويرفع غشاوتها، ويُعلمها الصبرَ والجلد والاستقامة والجهاد الجميل، ويعلمُك نعمة الصمت (الترنيمة الثالثة ص74).
كتاب ثمين لأن به أسس التعظيم والإجلال والإكبار للذات العلية، ثم لأذن الخير ﷺ إضافة لبشارات مكتوبة بذكاء المُحب وفطنة العاشق. تلك الإجلالات التي أثق أنها سوف تتغلغل في نفس القارئ؛ لأنه سيُمر برحلة روحانية عقلية عظيمة، وسيتعلم منه، ويتغير من الداخل.
كتاب ثمين لأن به حكايات ورؤى تدفع من يقرأها للذوبان في حُب سيدنا محمد. ومن لم يتذوق خمرتها الحلال فقلبه مُهدَّد، فهذا الحب لابد أن يتجدد، كي نشعر بلذة هذا الحب الوحيد الأمجد وروعة الغرام الأخلد.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: