لمَاذَا قَالُوا: كُلُّ ذِي عَاهَةٍ جَبَّارٍ؟

د: أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمُ مَرْعُوه
مَنْ مِنّا لَمْ يَسْمَعْ بَمَقُولَةِ: كُلُّ ذِي عَاهَةٍ جَبَّارٍ، وَمَنْ مِنّا أمْعَنَ فِيهَا وَأَوْلَاهَا اهْتِمَامَهُ حَتَّى شَغَلَتْ حَيِّزًا مِنْ تَفْكِيرِه، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ مَرَّةً: أَهِي اسْتِهْزَاءٌ بِخَلْقِ اللهِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ دَخْلٌ فِيهَا، وَهَذَا لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ؛ أَمْ أَنَّهَا دَسِيسَةٌ وَوَقِيعَةٌ أَرَادَ قَائِلُوهَا سُوءَ النِّيَّةِ وَالْمَقْصِدَ مِنْ وَرَائِهَا لِتَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التَّشْوِيهِ الْمُتَعَمِّدِ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ هَكَذَا ، وَهَلْ قَالُوهَا عَنْ تَجْرِبَةٍ حَقِيقِيَّةٍ رَأَوْهَا تَحْتَاجُ لِلْعِلاجِ!
وَمَنْ هُمْ يَا تُرَى حَتَّى يَقُولُوهَا جُزَافًا، وَهَلْ قَالُوهَا مِنْ قَبِيلِ الْحِقْد عَلَيْهِمْ خَاصَّةً وَأَنَّ مُعْظَمَهُم مِنَ الْأَذْكِيَاءِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مَا يَقُولُونَ، وَهُمْ أَسْرَعُ النَّاسِ فِي الرُّدُودِ الْحَكِيمَةِ لِمَا رَأَيْنَاهُ وَشَاهَدْنَاهُ وَلَامَسْنَاهُ فِي غَالِبِيَّتِهِم، وَزِدْ عَلَى ذَلِكَ سُرْعَةَ وَعْيِهِمْ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَتَفَوُّقِهِم فِيهِ عَنْ أَقْرَانِهِم مِنْ الْأَصِحَّاءِ!
فَهَلْ كَانُوا يَقْصِدُونَ أَنَّ كُلَّ شَيْخٍ مِنْ ذَوِي الإِعاقَةِ الَّتِي لَا دَخْلَ لَهُ فِيهَا جَبَّارٌ بِطَبْعِهِ، وَهَلْ كُلُّ المُعَاقِينَ كَذَلِكَ، وَهَلْ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْ يُولَدُ لَهُمْ ابْنًا مُعَاقًا فِي مِصْرَ، أَوْ فِي دُوَلِ حَوْضِ البَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ، وَدُوَلِ حَوْضِ البَحْرِ الْأَحْمَرِ، ودُوَلِ حَوْضِ البَحْرِ الْأَسْوَدِ فِي تُرْكِيَا، وَالبِيئَاتِ الْمُحِيطَةِ بِهَا، وَمُعْظَمِ دُوَلِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ، كَانُوا يَعُدُّونَهُ عَلَى الْفَوْرِ مِنَ الشُّيُوخِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي سَتَدْخُلُ دُورَ تَحْفِيظِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَسَيَكُونُ لَهُمْ مُسْتَقْبَلًا عَظِيمًا.
وَهَلْ لِأَنَّ الشَّيْخَ المُعَاقَ فِي جِسْمِهِ، دُونَ عَقْلِه وَقَلْبِهِ، سَيَكُونُ سَيِّدَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي عَالَمِ الدَّعْوَةِ إلَى اللهِ، وَهَلْ هَذَا الشَّيْخُ هُوَ مِنْ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي حَقِّهِ: (رَبُّنَا يَضَعُ سِرَّهُ فِي أَضْعَفِ خَلْقِهِ)، وَهَلْ هُوَ الَّذِي يُدْخِلُونَهُ (دَارَ تَحْفِيظِ القُرْآنِ الكَرِيمِ) عَلَى أَنَّهُ الابْنُ المُبَارَكُ فِي العَائِلَةِ المُبَارَكَةِ، وَاَلَّتِي لَهَا جّدٌّ مَدْفُونٌ فِي المَقَامِ العَالِي (فِي مُعْظَمِ القُرَى)، وَهَلْ هُوَ الشَّيْخُ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الحَاقِدُونَ، أَنَّهُ سَيَكُونُ شَيْخُ عَصْرِهِ وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ دُخُولَ قَصْرِهِ! وَهَلْ لِتُذَكِّرَهُمْ بِسَيِّدِنَا وَسَيِّدِهِمْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ كَانَ حَبْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَهَلْ يَخَافُونَ وُصُولَ الشَّيْخِ المُعَاقِ إلَى دَرَجَةِ (الدُّكْتُورَاه)، وَهُوَ مُعَاقٌ نَفْسِيًّا، بِجَانِبِ إِعَاقَتِهِ البَدَنِيَّةِ لِأَنَّهُ عَاشَ مُدَلّلًا عَلَى حِسَابِ بَقِيَّةِ إخْوَتِهِ، فَكَانَ دَائمًا مُمَيَّزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ لِظُرُوفِهِ الصِّحِّيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى العَطْفِ وَالشَّفَقَةِ، وَقَبُولِ العَطْفِ المَادِّيِّ قَبْلَ العَاطِفِيِّ، فَكَانَ الاهْتِمَامُ الزَّائِدُ عَنْ الحَدِّ المَسْمُوحِ مِنْ نَصِيبِهِ، وَاَلَّذِي كَانَ يَظْهَرُ فِي المَالِ المُقَدِّمِ لَهُ وَكَثْرَتِهِ، وَنَوْعِيَّةِ الطَّعَامِ وَكَمِّيَّتِهِ، وَفِي كُلِّ مَا لَذّ وَطَابَ (بِاخْتِصَارٍ دَلُّوعَةَ البَيْتِ عَلَى حِسَابِ الآخَرِينَ)، المُهِمُّ أَنْ يَكْبَرَ وَيَقْوَى عَوْدُهُ وَيَشْتَدَّ، لِأَنَّهُ غَدًا سَيَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَخْدُمُهُ، وَيُعِدُّ لَهُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مُسْتَقْبَلًا (وَنَسُوا أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُ) وَكُلُّ هَذَا يَحْدُثُ لِلشَّيْخِ المُعَاقِ جِسْمَانِيًّا إلَّا عَقْلَهُ وَقَلْبَهُ!
لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ فِي المُقَابِلِ تَذَمُّرًا يَرَاهُ مِنْ إخْوَتِهِ، وَاَلَّذِي يُمَثِّلُ لَهُمْ اقْتِطَاعَ الأَخِ المُعَاقِ لـِجُزْءٍ كَبِيرٍ مِنَ العَطْفِ وَالرِّعَايَةِ، بَلْ قَبُولُهُ لِلْحَنَانِ المُقْتَطَعِ مِنْ حُقُوقِهِمْ، فَقَدْ كَانُوا يَرَوْنَهُ يُعْرِضُ عَنِ الآيَاتِ الَّتِي تَرْفُضُ ذَلِكَ التَّسَوُّلَ ـ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي صَالَحَهِ!
وَيَمُرُّ الزَّمَانُ وَيَحْمِلُ الشَّيْخُ المَرِيضُ الهُمُومَ كُلَّهَا بِجَانِبِ شَهَادَةِ (الدُّكْتُورَاه)، لِأَنَّ المُجْتَمَعَ عَوَّدَهُ عَلَى التَّسَوُّلِ وَالاسْتِعْطَافِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ المُبَالَغِ فِيهِ أَحْيَانًا، وَنَسِيَ أَنَّ اللهَ لَا يَنْسَى الأَصِحَّاءَ، فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَنْسَى العَجَزَةَ مِنْ أَمْثَالِهِ، فَقَدْ رَأَى الأُخْوَةُ فِي أَخِيهِمْ «الشَّيْخُ المُعَاقُ» رَغْمَ تَخَرُّجِهِ وَحُصُولِهِ عَلَى أَعْلَى الشَّهَادَاتِ، أَنَّ أَطْمَاعَهُ لَمْ وَلَنْ تَنْتَهِي، وَلَمْ يَنْتَهِي تَسَوُّلُهُ وَلَا اسْتِعْطَافُهُ لِلنَّاسِ، فَلَمْ يَرْحَمِ الأُخْوَةَ الَّذِينَ لَحِقَ بِهِمُ الأَذَى زَمَنًا طَوِيلًا، بِسَبَبِ تَمْيِيزِهِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي العَاطِفَةِ، فَيُعْطِيهِمْ بَعْضًا مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ رَدًّا وَعِرْفَانًا لِمَا أَغْمَضُوا أَعْيُنَهُمْ عَنْهُ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، حِينَمَا كَانَ أَبَوَاهُ يُعْطِيَانِهِ إِيَّاهُ، وَهَذَا بِالطَّبْعِ يَحْدُثُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الحَالَاتِ، لِأَنَّ الشَّيْخَ المُسْتَعْطَفَ دَائمًا مَا يَكُونُ قَدْ تَعَوَّدَ عَلَى الأَخْذِ فَقَطْ، وَمِنَ الصَّعْبِ عِلَاجُهُ فِي الكِبَرِ لِأَنَّهَا أَصْبَحَتْ مِنْ مُكَوِّنَاتِ دَمِهِ!

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: