السُّنة النبوية وعلاقتها بالكتاب (2/5) 

أ.د. محمد فتحي العتربي (جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية UniSHAMS)
إن القرآن الكريم هو الهداية الأولي للناس ، الهداية التي صدرت عن الله مُحصية قواعد الحق وضمانات النجاة ، فآيات هذا القرآن تحتوي علي معالم الصراط المستقيم مثلما تحتوي آفاق الكون علي أسرار العلم وقواه المذخورة للخلق ، والمؤمن بالقرآن الكريم يستحيل أن يرجح علي دلالته دلاله ، أو أن يشرك في توجيهه هدياً ، ذلك أن القرآن يعلو ولا يُعلي عليه ، وأنه يحكم علي سائر الأدلة الأخرى ، ولا يحكم شيء منها عليه ، ويستحيل – بداهة – أن يكون في مصادر التشريع الأخرى ما يعارضه أو يسير في مجري يغاير اتجاهه ، ولو وجد شيء من ذلك فهو دخيل علي دين الله ، وطبيعة السُنَّة إنما هي التطبيق العملي لتعاليم القرآن الكريم ، كما أن القرآن الكريم هو الجانب العلمي من هذه الرسالة الشاملة.
فكما أن القرآن حق فالسنة حق ، وإذا صح أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أمر بشيء أو نهي عن شيء فإن طاعته فيه واجبة، وهي من طاعة الله تعالي وما يجوز لمؤمن أن يستبيح لنفسه التجاوز عن أمر للرسول (صلى الله عليه وسلم) فيه حكم : ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾ (النساء :80 ) ، وقال (جل وعز) : ﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ﴾(الأحزاب:36).
إن القرآن الكريم يعتبر كل من لم يرض بحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد رد أمر التنازع إليه كافراً مُخلداً في جهنم ،وقد جاء هذا التحذير في سياق آيات خُوطب بها المسلمون كافة إلي قيام الساعة من الآية (13- 14 ) من سورة النساء مروراً بالآية (42) من السورة .
وقوله (جل وعز): ﴿ ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾(النساء:59).وفي هذه الآية الأخيرة-والتي يستند إليها كل من يُؤكد حجية السنة-بَيَّن الحق نوعين من الطاعة ؛ طاعة الله عز وجل ” وأطيعوا الله” المُشَرَّع مُنَزَّل الكتاب ، وطاعة رسوله وأُولي الأمر:﴿وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ﴾القائمين علي تطبيق هذا الكتاب وعند التنازع يكون الرد:﴿فردوه إلى الله ﴾ أي إلي شريعة الله [مستوي الطاعة الإلهية التشريعية] وقوله تعالي:﴿والرسول﴾أي القائم علي تنفيذها [مستوي الطاعة التنفيذية] والتي قد تفصل في مسائل النزاع،والعطف هنا عطف بدهي من حيث مرجعية التحاكم إلي الشريعة ابتداءً والقائم علي تنفيذها بين الناس انتهاءً، فمرجعية الرد والتحاكم في عصر الرسالة واحدة ؛النص الإلهي المُنزل، والرسول المُبَلغ لهذا النص القائم علي تنفيذه بين الناس،فمسألة طاعة الرسول أو معصيته-في ضوء المفهوم من آيات سورة النساء-من المسائل الإيمانية التي يتوقف عليها إسلام المرء أو كفره، أي أنها من الأصول الإيمانية التي يجب ألا تخضع لاجتهادات البشر ومداركهم العقلية.
لكن الإشكال الحقيقي بالنسبة لسُنَّة النبي (صلى الله عليه وسلم) الخلط بين المرويات التحديثية والسُنَّة النبوية ، كيف ذاك ؟!نقرر ابتداء أن دواوين السنة وثائق تاريخية من أحكم ما عرفت الدنيا ، وأن الطعن في السُنَّة- خبط عشواء-من خلال الحديث في الأسانيد والمتون،كما يصنع البعض،ليس القصد منه إهدار حديث بعينه ، بل إهدار السُنَّة كلها،ووضع الأحكام التي جاءت عن طريقها في محل الريبة والازدراء،وهذا مالا يرضاه مسلم مُخلص. (انظر: الشيخ محمد الغزالي ، ليس من الإسلام السابق نفسه ص 35 – 38 ). كما ينبغي أن نقرر أن ظُلماً بيناً وقع علي السُنَّة بسبب فهوم بعض القاصرين ممن أطلقوا لعقولهم العنان فأعملوا أحاديث معينة في نطاقات معينة بالتعميم والإطلاق .و لله در الغزالي-رحمه الله- عندما قال:( والغباء في فهم السُنَّة من أخطر ما تواجهه السُنَّة).( راجع : الغزالي ، ليس من الإسلام السابق نفسه) . بل زادت الإشكالية تعقيداً عندما اختزلت السُنَّة في مجال التأسي برسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في شكليات وفروع ليست من جوهر الرسالة الخاتمة ولا من مقاصدها العليا ! كيف ذلك ؟ هذا ما نتناولة في المقالة القادمة ..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: