صموئيل بيكيت حياته وأدبه

صموئيل بيكيت حياته وأدبه

بقلم: رؤى جوني – سورية

 

ولد صموئيل بيكيت في مدينة دبلن الإيرلندية عام 1906 من أب إيرلندي وأم فرنسية، وقضى دراسته الجامعية بدبلن، وتأثر بدانتي وبفلاسفة هولندا، وبعد التخرج قام بتدريس اللاهوت في باريس، ونشر أول كتبه عام 1930، وبعد إقامة سنتين في فرنسا قضى الأعوام 1930-1938 متنقلا بين دبلن، لندن، وعقد صداقة مع الروائي الكبير جيمس جويس حين عمل سكرتيرا له حينذاك، ثم ما لبث بيكيت الذي اتخذ التدريس بالفرنسية مهنة له في بلده، والتدريس بالإنكليزية مهنة له في فرنسا ان استقر على الهجرة نهائياً للعيش في باريس وذلك عام 1937.

وفي عام1938 هاجمه لص في أحد شوارع باريس وطعنه بسكين في صدره، فساعدته امرأة وقامت بإسعافه، وكانت هذه الحادثة ملهمة لبيكيت، إذ شعر بقرب الموت منه وعبثية الحياة، والطريف أنه تزوج المرأة التي أسعفته سراً في ( فولكستاون) بإنكلترا عام 1961 وظل معها حتى آخر يوم في حياتها في حزيران 1989فدخل مأوى المسنين بعدها ويلحق بها بعد أشهر معدودة.

بقي صموئيل بيكيت في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وانضم إلى صفوف المقاومة ضد الاحتلال النازي، ونشر خلال نصف قرن من حياته في فرنسا والسنوات القليلة التي سبقت ذلك في ايرلندا أكثر من خمسين عملا أدبيا بين مسرحيات وروايات ودواوين شعر ونقد، وقد كان شاعرا قبل أن يكتب للمسرح، وكتب عدة روايات أهمها: مولوي 1951 ومورفي 1953

وقد انتهج بيكيت أسلوب الاستطرادات الذهنية في تلك الروايات، ولم يستخدم في بعضها علامات الترقيم مما جعل قراءتها عسيرة جدا، وقد صرّح بنفسه عام 1948 حين بدأ يكتب مسرحيته (في انتظار غودو) أنه يفعل ذلك (كنوع من التخفيف من النثر الشنيع الذي كنت أكتبه في ذلك الوقت).

كاتب ومسرحي للتاريخ وانوه بانه نال عام 1961 جائزة الناشرين العالمية مناصفة مع الكاتب ( خورخي لويس بورخيس) ونال في عام 1975 الجائزة الوطنية الكبرى في المسرح،

في مسرحية بيكيت الخالدة (في انتظار غودو) تواجه رجلين مشردين مضحكين رثي الثياب هما استراغون وفلاديمير ينتظران على طريق ريفية قاحلة إلا من شجرة جرداء، قدوم شخص قوي يخلصهما من عذاباتهما وضياعهما والشخص يدعى(غودو) وخلال الانتظار المتكرر والممض يلتقيان بسيد يدعى ( بوزو) يجر عبداً ويسوق الذل والهوان، ولا يأتي غودو بل يرسل صبيّا ليعتذر ..ويستمر الانتظار.

في الفصل الثاني لا يحدث تغيير يذكر سوى ظهور أوراق قليلة على الشجرة، ويظهر ( بوزو) وقد أصابه العمى واستسلم للعبد البدائي تماما كي يقوده، يظهر صبي مماثل في آخر الفصل ليخبرهما أن ( غودو) لن يأتي.

جوبهت ( في انتظار غودو) حين ظهرت لأول مرة بوابل من سهام النقد، فهي خرق لجميع قواعد الدراما المألوفة والمعروفة في زمانها، وحتى الجمهور الباريسي وبعده الإنكليزي والأمريكي لم يألف غرائب الوجودية والسريالية على المسرح آنذاك، ولكن المسرحية ما لبثت أن فرضت حضورها بل أصبحت طليقة تيار عالمي بأكمله في المسرح المعاصر، حيث ترجمت لأربعين لغة من بينها العربية، واحتار النقاد والمفسرون بمن هو غودو؟ هل هو الموت؟ هل هو الخلاص؟ هل هو القدر؟ هل هو العدالة؟ ثم اكتشف لاحقا من قبل أصحاب بعد النظر في المسرح أن المهم ليس من هو غودو وإنما فعل الانتظار اللامجدي لقوة لن تأتي ولن تتدخل، وهذه الفكرة بالذات وحّدت بيكيت مع فلاسفة الوجودية من أمثال سارتر وسيمون دوبوفوار، فكان همّ هؤلاء هو التعبير عن خواء الوجود من أي معنى مسبق، وتحمل الإنسان مسؤولية مواجهة الموت بالاختيار الحر الواعي، لإضفاء قيمة ومعنى على الحياة الفردية لكل إنسان، ولكن تعبير معظم الوجودية عن لا معقولية وجودهم كان يتم بواسطة أعمال معقولة بل تقليدية، إلى أن جاء بيكيت وآرثر آداموف وآرابال فطابقوا ما بين المضمون والشكل فجعلوا التعبير عن اللامعقول لا معقولا أيضاً. واستطاع بيكيت الذي أخذ يكتب باللغتين الفرنسية والإنكليزية بنفس الطلاقة ويترجم أعماله بنفسه بينهما ان ينتزع اعترافا عالميا وان يحوذ جائزة ( نوبل) للآداب عام 1969.

رغم النجاح لم يتخلّ بيكيت عن غرابته، فشخصية (وني) بطلة (الأيام السعيدة) تظهر في العمل مدفونة في كومة من الرمل – عدا رأسها-طيلة المسرحية، ولا يظهر من زوجها سوى ظهره.

اما في (لعبة النهاية) نرى (هام) العجوز الأعمى والمقعد في قبو، وخادمه ( غلوف) وكأنهما محكومان بلعبة السيد والعبد في هذا السجن الأبدي، مع دمية على شكل كلب فاقد الساق، وشخصيتيّ أب وأم في برميلي قمامة لا يظهر منهما سوى رأسيهما فقط.

رغم صعوبة فهم أعمال بيكيت ورموزها اللامحدودة لدرجة الإبهام، فإن غموضها غموض فني، فيه متعة شاهقة ونبرات من السخرية، رغم ما يظهر فيها من تشاؤم.

اختم بالقول ما قالت عنه الأكاديمية السويدية حين كرّمته بمنحة جائزة نوبل (إنه كاتب استخلص من بؤس الإنسان المعاصر وحرمانه. رقيه ورفعته)

 

 

 

رؤى جوني

 

ولد صموئيل بيكيت في مدينة دبلن الإيرلندية عام 1906 من أب إيرلندي وأم فرنسية، وقضى دراسته الجامعية بدبلن، وتأثر بدانتي وبفلاسفة هولندا، وبعد التخرج قام بتدريس اللاهوت في باريس، ونشر أول كتبه عام 1930، وبعد إقامة سنتين في فرنسا قضى الأعوام 1930-1938 متنقلا بين دبلن، لندن، وعقد صداقة مع الروائي الكبير جيمس جويس حين عمل سكرتيرا له حينذاك، ثم ما لبث بيكيت الذي اتخذ التدريس بالفرنسية مهنة له في بلده، والتدريس بالإنكليزية مهنة له في فرنسا ان استقر على الهجرة نهائياً للعيش في باريس وذلك عام 1937.

وفي عام1938 هاجمه لص في أحد شوارع باريس وطعنه بسكين في صدره، فساعدته امرأة وقامت بإسعافه، وكانت هذه الحادثة ملهمة لبيكيت، إذ شعر بقرب الموت منه وعبثية الحياة، والطريف أنه تزوج المرأة التي أسعفته سراً في ( فولكستاون) بإنكلترا عام 1961 وظل معها حتى آخر يوم في حياتها في حزيران 1989فدخل مأوى المسنين بعدها ويلحق بها بعد أشهر معدودة.

بقي صموئيل بيكيت في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وانضم إلى صفوف المقاومة ضد الاحتلال النازي، ونشر خلال نصف قرن من حياته في فرنسا والسنوات القليلة التي سبقت ذلك في ايرلندا أكثر من خمسين عملا أدبيا بين مسرحيات وروايات ودواوين شعر ونقد، وقد كان شاعرا قبل أن يكتب للمسرح، وكتب عدة روايات أهمها: مولوي 1951 ومورفي 1953

وقد انتهج بيكيت أسلوب الاستطرادات الذهنية في تلك الروايات، ولم يستخدم في بعضها علامات الترقيم مما جعل قراءتها عسيرة جدا، وقد صرّح بنفسه عام 1948 حين بدأ يكتب مسرحيته (في انتظار غودو) أنه يفعل ذلك (كنوع من التخفيف من النثر الشنيع الذي كنت أكتبه في ذلك الوقت).

كاتب ومسرحي للتاريخ وانوه بانه نال عام 1961 جائزة الناشرين العالمية مناصفة مع الكاتب ( خورخي لويس بورخيس) ونال في عام 1975 الجائزة الوطنية الكبرى في المسرح،

في مسرحية بيكيت الخالدة (في انتظار غودو) تواجه رجلين مشردين مضحكين رثي الثياب هما استراغون وفلاديمير ينتظران على طريق ريفية قاحلة إلا من شجرة جرداء، قدوم شخص قوي يخلصهما من عذاباتهما وضياعهما والشخص يدعى(غودو) وخلال الانتظار المتكرر والممض يلتقيان بسيد يدعى ( بوزو) يجر عبداً ويسوق الذل والهوان، ولا يأتي غودو بل يرسل صبيّا ليعتذر ..ويستمر الانتظار.

في الفصل الثاني لا يحدث تغيير يذكر سوى ظهور أوراق قليلة على الشجرة، ويظهر ( بوزو) وقد أصابه العمى واستسلم للعبد البدائي تماما كي يقوده، يظهر صبي مماثل في آخر الفصل ليخبرهما أن ( غودو) لن يأتي.

جوبهت ( في انتظار غودو) حين ظهرت لأول مرة بوابل من سهام النقد، فهي خرق لجميع قواعد الدراما المألوفة والمعروفة في زمانها، وحتى الجمهور الباريسي وبعده الإنكليزي والأمريكي لم يألف غرائب الوجودية والسريالية على المسرح آنذاك، ولكن المسرحية ما لبثت أن فرضت حضورها بل أصبحت طليقة تيار عالمي بأكمله في المسرح المعاصر، حيث ترجمت لأربعين لغة من بينها العربية، واحتار النقاد والمفسرون بمن هو غودو؟ هل هو الموت؟ هل هو الخلاص؟ هل هو القدر؟ هل هو العدالة؟ ثم اكتشف لاحقا من قبل أصحاب بعد النظر في المسرح أن المهم ليس من هو غودو وإنما فعل الانتظار اللامجدي لقوة لن تأتي ولن تتدخل، وهذه الفكرة بالذات وحّدت بيكيت مع فلاسفة الوجودية من أمثال سارتر وسيمون دوبوفوار، فكان همّ هؤلاء هو التعبير عن خواء الوجود من أي معنى مسبق، وتحمل الإنسان مسؤولية مواجهة الموت بالاختيار الحر الواعي، لإضفاء قيمة ومعنى على الحياة الفردية لكل إنسان، ولكن تعبير معظم الوجودية عن لا معقولية وجودهم كان يتم بواسطة أعمال معقولة بل تقليدية، إلى أن جاء بيكيت وآرثر آداموف وآرابال فطابقوا ما بين المضمون والشكل فجعلوا التعبير عن اللامعقول لا معقولا أيضاً. واستطاع بيكيت الذي أخذ يكتب باللغتين الفرنسية والإنكليزية بنفس الطلاقة ويترجم أعماله بنفسه بينهما ان ينتزع اعترافا عالميا وان يحوذ جائزة ( نوبل) للآداب عام 1969.

رغم النجاح لم يتخلّ بيكيت عن غرابته، فشخصية (وني) بطلة (الأيام السعيدة) تظهر في العمل مدفونة في كومة من الرمل – عدا رأسها-طيلة المسرحية، ولا يظهر من زوجها سوى ظهره.

اما في (لعبة النهاية) نرى (هام) العجوز الأعمى والمقعد في قبو، وخادمه ( غلوف) وكأنهما محكومان بلعبة السيد والعبد في هذا السجن الأبدي، مع دمية على شكل كلب فاقد الساق، وشخصيتيّ أب وأم في برميلي قمامة لا يظهر منهما سوى رأسيهما فقط.

رغم صعوبة فهم أعمال بيكيت ورموزها اللامحدودة لدرجة الإبهام، فإن غموضها غموض فني، فيه متعة شاهقة ونبرات من السخرية، رغم ما يظهر فيها من تشاؤم.

اختم بالقول ما قالت عنه الأكاديمية السويدية حين كرّمته بمنحة جائزة نوبل (إنه كاتب استخلص من بؤس الإنسان المعاصر وحرمانه. رقيه ورفعته)

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: