شَهْر اليُمن والْبركات
شَهْر اليُمن والْبركات
بقلم: نرجس عمران – سورية
شَهْر رَمَضان المُبارك هُو شَهْر الرَّحْمة والْخَيْر والْغفْران ، وَهُو خَيْر الشُّهور عِنْد اَللَّه تَعالَى . يُعتَبَر شَهْر رَمَضان اَلكرِيم مِن شُهُور اَلسّنَة الهجْريَّة المميَّزة . فِي هذَا الشَّهْر ، تَجتمَّع الصَّلَاة والْعبادة ، وَتصبِح طُقُوس التَّقَرُّب مِن اَللَّه فِي أَروَع حالاتهَا ، يُعَد الصَّوْم فِي رَمَضان رُكْنًا مِن أَركَان الإسْلام الخمْسة ، وَهُو فَرْض على المسْلمين . يُسمَّى شَهْر رَمَضان أيْضًا بِشَهر اَلقُرآن ، حَيْث أَنزَل فِيه اَلقُرآن اَلكرِيم على رَسولِنا اَلكرِيم مُحمَّد صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم . يُطلَق عليْه أيْضًا شَهْر القيَام ، لِأنَّ هَذِه العبادة تَكثُر فِيه .
يُوجَد حِرْص كبير مِن المسْلمين على الحفَاظ على قِيَام كُلِّ لَيلَة فِي رَمَضان ؛ وَذلِك رَجَاء كَسْب الأجْر اَلعظِيم ، ويتسابقون على الإكْثار مِن الطَّاعات ، والْإقْبال على اَللَّه بِقلوب مَخْبَتة ؛ لِيكرَّمهم اَللَّه بِالْعِتْق مِن النِّيران ، وَذلِك فِي كُلِّ لَيلَة مِن لَيالِيه . أهمَّ العبادات فِي شَهْر رَمَضان تَشمَل :
١ – الصَّلَاة على وقْتهَا وَالحِرص على أَدائِها جَماعَة فِي اَلمسْجِد .
٢ – الإكْثار مِن قِراءة اَلقُرآن اَلكرِيم وتدْبيره .
٣ – تَفطِير الصَّائمين وَتقدِيم الصَّدقات لِلْفقراء والْمساكين .
٤- قِيَام اللَّيْل والاعْتكاف فِي العشْر الأواخر مِن الشَّهْر .
٥- ذكر اَللَّه سُبْحانه وَتَعالَى والدُّعاء فِي كُلِّ وَقْت وحين
شَهْر رَمَضان لَه اَلكثِير مِن الفضائل ، مِنهَا :
١- مَغفِرة الذُّنوب ؛ حَيْث يَغفِر لِلصَّائم مَا تَقدَّم مِن ذَنبِه .
٢ – الاهْتداء لِتقْوى اَلقُلوب ؛ فالصَّوْم يَبعُد الإنْسان عن المعاصي ويجْعَله مُواظِبًا على الطَّاعات .
٣- اِسْتشْعار مُرَاقبَة اَللَّه ؛ الصَّوْم عِبادة لَا يَعلَم صِدْق العبْد فِيهَا إِلَّا اَللَّه .
٤- دُخُول الجنَّة مِن باب الرَّيَّان ؛ حَيْث يَدخُل مِنْه الصَّائمون فِي يَوْم القيامة .
٥- الفوْز بِالْجزاء اَلعظِيم ؛ تَكفَّل اَللَّه بِهَذا الجزَاء . وَهنَا أحبَّ أنَّ أَورَد بَعْض الأقْوال والْحكْم اَلتِي قالهَا رِجَال الدِّين والتَّاريخ عن شَهْر رَمَضان المبارك وفوائد صِيامه :
١- قال رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : (من قام رَمَضان إِيمانًا واحْتسابًا غفر لَه مَا تَقدَّم مِن ذَنبِه ). هذَا يُظْهِر أَهَميَّة قِيَام اللَّيْل والصِّيام فِي هذَا الشَّهْر .
٢- قال الإمَام الشَّافعي : ” الصِّيَام أَعلَى تَعبِير عن الإرادة ” ، مُشيرًا إِلى أنَّ الصَّوْم يُعبِّر عن قُوَّة الإرادة والتَّحكُّم فِي النَّفْس .
٣ – قال الإمَام الحسن اَلبصْرِي : ” الصَّوْم لِي وَأنَا أَجزِي بِه ” ، مُشيرًا إِلى أنَّ الصَّوْم يُكَافِئ بِشَكل خاصٍّ مِن قِبل اَللَّه .
٤- قال الإمَام مَالِك : ” إِذَا صَامِت فليصمّ سمْعك وبصرك ولسانك ” ، مُشيرًا إِلى أَهَميَّة الحفَاظ على اللِّسَان والْأعْضاء اَلأُخرى أَثنَاء الصِّيَام .
٥- قال الإمَام الغزالي : ” الصَّوْم عِبادة تَوسُّع الصَّدْر ، وتقوِّي الإرادة ، وتزيل اَلهَم مِن دَاخِل النُّفوس ”
ومِن الضَّروريِّ ذكر بَعْض فَوائِد الصِّيَام بِالنِّسْبة لِلْفرْد والْمجْتمع :
فَوائِد الصِّيَام لِلْفرْد
أ- تَطهِير النَّفْس : يُسَاعِد الصِّيَام على تَطهِير النَّفْس مِن الشَّهوات والْمعاصي ، ويعزِّز الإرادة والتَّحكُّم الذَّاتيَّ .
ب- تَقوِية العلاقة مع اَللَّه : يَعتَبِر الصِّيَام عِبادة قَويَّة تَقرَّب الإنْسان مِن اَللَّه وتزيد مِن تَقْواه .
ج- تَحسِين الصِّحَّة : الصِّيَام يُعطِّل الجهَاز اَلهضْمِي ويساهم فِي تَحسِين صِحَّة الجسْم وَتنظِيم الوزْن .
د- تَعزِيز الصَّبْر والتَّحمُّل : يَعلَم الصِّيَام الصَّبْر والتَّحمُّل ، حَيْث يُجْبِر الشَّخْص على تَحمُّل اَلجُوع والْعَطش .
هـ – تَوجِيه النَّفْس نَحْو الخيْر : يُشجِّع الصِّيَام على العمل الصَّالح والتَّعاون مع الآخرين .
فَوائِد الصِّيَام لِلْمجْتمع
أ- التَّعاطف والتَّواصل : يَجعَل الصِّيَام النَّاس أَكثَر تعاطفًا مع الفقراء والْمحْتاجين ، ويعزِّز التَّواصل بَيْن أَفرَاد المجْتمع .
ب- التَّضامن والْوحْدة : يَجمَع الصِّيَام النَّاس فِي نَفْس الهدف ، ويعزِّز الرُّوحانيَّة والْوحْدة بَيْن المسْلمين .
ج- التَّقْليل مِن الإسْراف والتَّبْذير
د- يَحُث الصِّيَام على تَقدِير قِيمة الطَّعَام وتجنُّب الإسْراف فِي الأكْل والشُّرْب .
هـ – التَّحْسين الاقْتصاديُّ
و- يُحفِّز الصِّيَام على زِيادة العمل والْإنْتاجيَّة ، مِمَّا يُؤدِّي إِلى تَحسِين الاقْتصاد المجْتمعيِّ .
أُمُّاالأحْداث اَلتِي شَهِدهَا شَهْر رَمَضان المبارك
1- نُزُول الوحْي : بدأ نُزُول الوحْي على الرَّسول صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم فِي رَمَضان مِن اَلسنَة اَلأُولى لِلْبعْثة ( 610 م ) .
٢- تَشرِيع الأذَان : تمَّ تَشرِيع الأذَان لِلصَّلَاة فِي المساجد وَبدَأ العمل بِه فِي رَمَضان مِن اَلسنَة اَلأُولى لِلْهجْرة ( ٦٢٣ م ) .
3- غَزوَة بَدْر اَلكُبرى : وَقعَت فِي رَمَضان وكانتْ مَعْرَكة مَصيرِية فِي تَارِيخ الإسْلام .
4- فَتْح مَكَّة : وقع فِي رَمَضان وكانتْ لَحظَة تاريخيَّة عَظِيمَة عِنْدمَا دخل المسْلمون مَكَّة بِفَتح مُبيَّن .
5- فَتْح الأنْدلس : وقع فِي رَمَضان وكانتْ بِداية اِنتِشار الإسْلام فِي جَنُوب إِسْبانْيَا .
6- بِنَاء جَامِع الأزْهر : تمَّ بِنَاء جَامِع الأزْهر فِي القاهرة فِي رَمَضان .
7- مَعْرَكة حِطِّين : اِنتصَر فِيهَا صَلَاح الدِّين الأيُّوبيّ على الصَّليبيِّين وفتْح بَيْت اَلمقْدِس فِي رَمَضان . هَذِه بَعْض القصص والْأحْداث اَلتِي أَثرَت فِي تَارِيخ المسْلمين خِلَال شَهْر رَمَضان . يُعتَبَر هذَا الشَّهْر فُرصَة لِلتَّأَمُّل والْعبادة والتَّقرُّب إِلى اَللَّه .
مِن الؤكْد أنَّ شَهْر رَمَضان المبارك يَحمِل اَلعدِيد مِن الفضائل والْخصائص اَلتِي تُمَيزه عن غَيرِه مِن الشُّهور ، وَتَجعلَه فُرصَة لِلْمسْلمين لِلتَّقَرُّب مِن اَللَّه وَتحقِيق الخيْر .
إِلَيك بَعْض مُميزَات الصَّائم فِي شَهْر رَمَضان :
١- التَّقَرُّب مِن اَللَّه : يَعتَبِر الصِّيَام شُعبَة عَظِيمَة مِن شَعْب الإيمان ، وَوَسيلَة لِطهارة النَّفْس وعفافهَا . يَحُث المسْلمون على الصِّيَام فِي رَمَضان لِلتَّقَرُّب مِن اَللَّه وزيادة الإيمان .
٢- مَغفِرة الذُّنوب : يُقَال إِنَّ اَللَّه يَغفِر لِلصَّائمين مَا تَقدَّم مِن ذَنبهِم . لِذَا يَعتَبِر الصِّيَام فُرصَة لِلتَّوْبة والْغفْران .
٣- تُفتَح أَبوَاب الجنَّة : فِي رَمَضان ، يَفتَح فِيه أَبوَاب الجنَّة وَيغلِق فِيه أَبوَاب النَّار . هذَا يَجعَل المسْلمين يتطلَّعون لِلْأجْر اَلعظِيم والْمغْفرة .
٤- تُغْلِق أَبوَاب النَّار وتصفَّد الشَّياطين : يُقَال إِنَّ الشَّياطين تُصفِّد فِي رَمَضان ، مِمَّا يَجعَل الصَّائمين أَكثَر حِماية مِن الإغْواء وَالإِثم .
٥- ثَوَاب اَلعُمرة فِي رَمَضان : يَعتَبِر أَدَاء اَلعُمرة فِي رَمَضان مُكَافأَة مُضَاعفَة ، حَيْث يُعدِّل ثَوَابهَا لِلْحجَّة .
٦- نُزُول اَلقُرآن اَلكرِيم : يَعتَبِر شَهْر رَمَضان شَهْر اَلقُرآن ، حَيْث نزل فِيه اَلقُرآن على اَلنبِي مُحمَّد صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم . لِذَا يُشجِّع المسْلمون على تِلاوة اَلقُرآن والتَّفكُّر فِي آياته .
وفِيمَا يَلِي نَظرَة عَامَّة على كَيفِية تَطوُّر تَقالِيد الإفْطار والسُّحور فِي رَمَضان مِن الماضي إِلى الحاضر :
أولأ: الإفْطار والسُّحور فِي الماضي :
١- الرَّسول صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم والصَّحابة : كَانُوا يَنوُون الصِّيَام كُلُّ يَوْم ويتسحَّرون مع أزْواجهم . السُّحور كان يَتَكوَّن مِن قليل مِن الطَّعَام ، مِثْل التَّمْر أو شَيْء بسيط ، مع شُرْب اَلْماء . ثُمَّ يقومون بِأداء صَلَاة الفجْر .
٢- الدُّعَاء وتحرِّي الهلَال : كان الصَّحابة يَدعُون اَللَّه لِتقْدِيم شَهْر رَمَضان وَتَقبَّل صِيامهم . كمَا كَانُوا يِتْراءون هِلَال رَمَضان لِلتَّأَكُّد مِن بِداية الشَّهْر .
ثانيا : الإفْطار والسُّحور الآن
: ١- أَهَميَّة السُّحور : يَعتَبِر السُّحور أَهَميَّة كَبِيرَة لِتهْيِئة الصَّائم وتزْويده بِالطَّاقة لِتحمُّل ساعات الصِّيَام . يَجِب تَناوُل وَجبَة سُحُور صِحِّية لِلْحفَاظ على الصِّحَّة والنَّشاط .
٢- التَّغْذية الصِّحِّيَّة : يَجِب اِختِيار مُكونَات وَجبَة السُّحور بِعناية ، مع الاهْتمام بِكمِّيَّة الطَّعَام . يُفضِّل تَناوُل السَّوائل والْأطْعمة اَلغنِية بِالْبروتين والْألْياف .
٣- الدُّعَاء وتحرِّي الهلَال : يُمْكِن أن يَكُون السُّحور فُرصَة لِلدُّعَاء والتَّضرُّع إِلى اَللَّه . كمَا يُمْكِن تحرِّي هِلَال رَمَضان لِلتَّأَكُّد مِن بِداية الشَّهْر . فِي النِّهاية ، يَجِب أن نَحرِص على الالْتزام بِالتَّقاليد الدِّينيَّة والاسْتفادة مِن الفوائد الصِّحِّيَّة لِلْإفْطار والسُّحور فِي رَمَضان .
وَمِن فَوائِد هذَا الشَّهْر اَلعظِيم على المجْتمع عُمومًا .
١- التَّواضع والتَّعاون : يُشجِّع فِي شَهْر رَمَضان على التَّواضع والتَّعاون مع الآخرين . يَجِب أن يَكُون الصَّائم مُتعاونًا ومحبًّا لِلْخيْر لِلْجمِيع .
٢- التَّبَرُّع والصَّدقة : يَعتَبِر شَهْر رَمَضان وقْتًا مُناسِبًا لِلتَّبَرُّع وإعْطَاء الصَّدقات . يَجِب أن يَكُون الصَّائم سخيًّا ومسْتعدًّا لِمساعدة الفقراء والْمحْتاجين .
٣- التَّفْكير فِي اَلجُوع والْعَطش
: يُذكَر الصِّيَام بِالْأشْخاص الَّذين يُعانون مِن اَلجُوع والْعَطش حَوْل العالم . يَجِب أن يَكُون الصَّائم مُتعاطفًا وَمدرِكا لِلنِّعْمة اَلتِي يَتَمتَّع بِهَا .
٤_ التَّأَمُّل والتَّفْكير الرُّوحيُّ : يُشجِّع فِي رَمَضان على التَّأَمُّل والتَّفْكير الرُّوحيِّ . يَجِب أن يَكُون الصَّائم مَرْكَزا على العبادة والتَّقرُّب مِن اَللَّه .
٥- التَّحَلِّي بِالْأخْلاق الحميدة : يَجِب أن يَكُون الصَّائم مُتحلِّيًا بِالْأخْلاق الحميدة ، مِثْل الصِّدْق والصَّبْر والْعَفْو .
وقد ورد فِي اَلقُرآن اَلكرِيم والسُّنَّة النَّبويَّة ، اَلعدِيد مِن الآيَات والْأحاديث اَلتِي تُظْهِر أَهَميَّة شَهْر رَمَضان وَضَرورَة صِيامه . إِلَيك بعْضهَا :
١- آية الصِّيَام : قال تَعالَى فِي كِتابه اَلعزِيز : ” شَهْر رَمَضان اَلذِي أَنزَل فِيه اَلقُرآن هُدًى لِلنَّاس وبيِّنَات مِن اَلهُدى ? والْفرْقان ? فَمِن شَهِد مِنْكم الشَّهْر فليصمّه ” ( البقَرة : 185 ) . هَذِه اَلآيَة تُظْهِر أَهَميَّة شَهْر رَمَضان وَفضلِه ، وَتأكِيد على وُجُوب صِيامه .
٢- حديث اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : قال اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : ” مِن صام رَمَضان إِيمانًا واحْتسابًا غفر لَه مَا تَقدَّم مِن ذَنبِه ” ( رَوَاه البخاري وَمسلِم ) . هذَا اَلحدِيث يُظْهِر أَهَميَّة الصِّيَام فِي رَمَضان وَفضلِه .
٣- حديث أَبُو هُريْرَة : قال اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : ” إِذَا جاء رَمَضان فَتحَت أَبوَاب الجنَّة وغلَّقتْ أَبوَاب النَّار وصفَّدتِ الشَّياطين ” ( رَوَاه مُسْلِم ) . هذَا اَلحدِيث يُظْهِر أَهَميَّة شَهْر رَمَضان وَفضلِه .
٤- حديث اِبْن عُمَر : قال اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : ” بُنِي الإسْلام على خَمْس : شَهادَة أنَّ لََا إِله إِلَّا اَللَّه ، وأنَّ مُحَمدا رَسُول اَللَّه ، وإقامة الصَّلَاة ، وإيتَاء الزَّكَاة ، وصوْم رَمَضان ” ( رَوَاه البخاري وَمسلِم ) . هذَا اَلحدِيث يُظْهِر أَهَميَّة الصِّيَام فِي أَركَان الإسْلام فِي شَهْر رَمَضان ، دعوْنَا نَستثْمِر أوْقاتنَا فِي العبادة والتَّقرُّب مِن اَللَّه ، ونسْأَله أن يَتَقبَّل مِنَّا صِيامنَا وقيامنَا ويجْعلنَا مِن المقْبولين ..