في رحاب الشطيبي  29

 

ادريس الزياتي – المغرب

 

 

اخترقا الجموع  في زحام شديد، الباعة  على الميمنة والميسرة والزبائن يخوضون في  الممر  كموج في خضم  ، هذا يجر عنزة  صغارها يتضاغون ، وذاك  يحمل  كيسا من شعير على ضهرة متجها نحو الرحبة ، وآخر منشغل في اختيار  النوع الأنسب  من الأقفال ، وهدير السوق  يعلو كلما توغلا   أكثر ،  صخب  وضجيج  لا تستطيع   معه فرز الأصوات، لكن من تعود على الوضع لا  يجد  في ذلك صعوبة ولا حرجا     ، وما  السوق الا تمازح وتداخل في كل شيء ،تتلاشى فيه الحدود ، اختلاط للحابل بالنابل ، كل   يفزع إلى  ما يريد دون رقيب ولا حسيب  ،  فيه تزداد  الرغبة في الفوز والظفر بما  قل وندر،    وتبرز الفرص لمن خبر  دواليبه يعرف كيف يصطاد في الماء العكر   فيصيب مراده  ويحصل بغيته،    فلا تسأل   عن الصدق والامانة في مكان  هذا ديدن كل من يلجه  ، فالمغنم هدف  كل رواده لكن  الحاذق من يخرج   منه  سالما  ، كل  مشدوه  إلى الجموع مفتون بقضاء أغراضه  االآنية الملحة  ، فالأعين  ترى ولا تبصر والعقول  تتوهم  ولا تتدبر  الأبدان حاضرة   والالباب  والقلوب في غيها  غافلة  أو حائرة  ..

متباعدان عن بعضهما البعض،  يمشي مصطفى في الأمام يتبعه ادريس  يكاد لا يراه  تتطاول الرؤوس والأعناق ،كل يبحث عن ضالته،  يتقفى أثره بصعوبة ،    لا يدري  أين يتجه عليه أن لا يفقدة إلى أن يجد الفرصة كي يسأله عن أين يريد؟  وهو الذي يدخل ذلك السوق لأول مرة ،  يرى   تلك الفوضى العارمة التي تبعث على  الشهدوه   احتكاك لا إرادي بين المارة من كثرة الضغط والزحام لا يدري أهو مفتعل أم فرضته الحاجة  . فلكل مآرب  يقضيها في لحظات كهاته .

ما أن وصلا إلى بنا ء  مسقوف  بالوسط    تبين بعيد ذاك أنه مقهى، حتى ازداد الزحام وضاق الممر ،   لا يكاد الواحد من الناس  يخطو خطوة حتى  يجد أمامه وخلفه خلق ينتظر  خلو الطريق ،  ما عاد يدري    هل هو سوق أم  كرنفال  ، حج الناس إليه بكثرة  من كل فج عميق ، لعله المتنفس الوحيد في المنطقة ، فيه تعقد الصفقات   وتوصل الأرحام،  وتعقد الزيجات  ويتم التعارف  بين الشباب والبنات ، لكأنه موسم  التزاوج ،  يشجع على هذا كله  ذلك الجو الربيعي  المغري بشمسه الدافئة و نسيمه العليل .

قطعا أشواطا كطواف   غير انه لا كعبة فيه  ،خال من  التلبية ، مرا بمحطات عدة  اقتربا  من  باعة   الخضار    وتفقد ا  باعة  الملابس الجاهزة والأحذية ، ثم  القصابين   وأصحاب الأسماك الطرية  ثم لفا إلى اليمين  ليجدا  بغيتهما   و هناك  في وسط  ثلة من الحرفيين قد نصب  الحاج  خيمته الصغيرة   وربط في أحد أوتادها    حماره  الأشهب كي يبقى على عينه .  يظهر  هناك منهمكا في شغله   والنار  لا تخبو جذوتها  أمامه،   يحافظ على توقدها  ، فهي تلزمه للتلحيم  بين الفينة والأخرى.  عندما يستدعي الأمر ذلك .

تقدما  صوبه  حتى اذا رفع رأسه سلما  ،    ثم إنكبا على يديه يلثمانها  ، كأنما يريد   إخبار ه  بوصولهما،  سأل  والده إن كان يحتاح شيئا فأجاب بالنفي  ، ذلك أن اليوم  لا يزال في أوله،    فبعد  مرور ثلثيه ا وإنهاء ما في يده  يستطيع  قضاء  أغراضه  كان ذلك  دأبه من سنين عديدة   ، حتى   إذا خلت كفاه   استأذن جاره   في  بعض الوقت ، هكذا  يفعلون  كل في عون جاره  وان كان  يمتهن  صنعته ، فالتعاون مطلوب ،    لا مكان  للحقد والحسد في قلوبهم على مايبدو فالمرء لايرى سوى  الظاهر ، ويعلم الله ما في السرائر.   ، فالأرزاق بيد الله  هكذا يصدح الحاج بصوته الجهوري كلما طرق هذا الموضوع . .

قد يكون ذلك  اتفاقا شفويا  يعقد بينه وبين صديقه الحميم   يذهب الأول  ويبقى الآخر  عينه على  المشغل   فيتبادلا الأدوار  وهكذا دواليك .

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: