في رحاب الشطيبي 32

في رحاب الشطيبي 32

إدريس الزياتي

 

امتلأ السوق عن آخرة ،  ففترة الظهيرة  تعد وقت الذروة،  كل يستبق الزمن ليتخلص  من الواجب الملقى على عاتقه ، يقول أحدهم  أنا الآن  لم يبق لي إلا السردين   اشتريه واتوجه مباشرة  إلى المكان   الذي تصطف فيه السيارات المخصصة لنقل الاغراض والانسان  واستعجله في الطريق كي يصل    بشكله الأول  قبل أن يصير هريسة بين الاقدام  ، تقول امرأة  مسنة يا ربي   لقد  نسيت الخميرة    ، وهي تحدث قرينتها  طيلة  ساعات مضت  كالبرق في غمرة الحديث الذي لا ينتهي،     ما تركتا صغيرة ولا كبيرة إلا  تكلمتا عليها  فتقول الأخيرة مقاطعة لها  الهم لا ينتهي ، ولو قيضنا له كل عمرنا ، فقد ورثناه كابرا عن كابر،  ما عندنا حظ .   !  يقتربا من الوداع ثم يعودان إلى الحديث لساعة أخرى.

وثالت  يبحث عن  الرجل الذي  قطع له وعدا   من أجل كراء أرضه  القريبة من الوادي ، لعله  يزرع  بعض الخضروات الصيفية  من فلفل وطماطم وباذنجان  وبطيخ ، يضرب كفا بكف قائلا،   لعله خير ، فقد يكون منعه مانع ، لا أظن أنه  اكتراها لغيري ، فالرجل مؤتمن ، ونعرف  صدقه ، لكن الشيطان   له احابيل كما يقولون وجنود   تحاوط أطرافه  فيوسوس  له  وينفث في روعه : لا ثقة في بني البشر   ، قد يكون  زرعها غيرك وأنت تنتظر المحال !!!

ورابع  يمسك يد زوجته المريضة  التي  خرجت لتوها من المستوصف ، محملة بحبوب  بيضاء  كحبات عباد الشمس،   يظهر على محياها إعياء شديد ، قد امتقع لونها  واصفر وجهها   لم تذق طعاما منذ أيام  يقول   بعلها  وهو يضع جلبابا بعد أن انتزعها عن بدنه السمين  ورمى بها على كتفه اليسرى   لا تعتقد أنها ستصبح  !    وفي قرارة نفسه  افكار تراوده  وآمال تحدوه ،عينه  على  منانة التي ترملت صغيرة وترك له زوجها   أراض وأشجار ا لاتعد من الزيتون.  لكنه نسى أن  الموت قد يأخذ السليم   ويبقي على العليل .

وذاك  قد ابتاع  خروفا   من  أجل تسمية ابنته  التي   رأت النور  لتوها ،  كلما التقى  فردا من عائلته البعيدة بشره بالمولود ، واستدعاه  للمناسبة السعيدة  في اليوم المحدد  سلفا ،   فيحمد  الله على سلامة الأم وصحة الجنين  ويمطره بدعوات  الصحة وطول العمر  والزيادة في  المسرات . يجر  خروفه  الذي أنهكه  الوقوف في الرحبة  وزاده الجوع والعطش تعبا ، يستنجد بكل الوجوه لكن لا من مجيب   ، كلما  التقى به أحد سأله كم كان داك المبروك ؟، وهو مضطر  للإجابة عن السؤال من باب  الأدب  وحسن المعاملة  وقد  يضطر للوقوف لدقائق  إذا تطلب الأمر    من أجل تفاصيل أكثر.

وآخرين  مجتمعون    عند بائع الكفته  الذي علق  ربع عجل أمامه ، يقطع من كل أطرافه  ونواحيه ويقوم بطحنها على أعينهم،   وروائح المشويات تنبعث من كل الجنبات ، يحتفلون  بشراء  جهاز العروسة   بعد أن ضربوا في الصيف المقبل موعا للزفاف ،  وكل ذلك   على نفقة والد العريس   الذي  يقول مفتخرا  مرحبا  نحن صرنا الآن عائلة  واحدة .

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: