دورالفن الشعبي فى توثيق التراث المصري

دورالفن الشعبي فى توثيق التراث المصري

دكتور علاء الدين حافظ

رصد الفن الشعبى جذور وأصول التراث المصري وحافظ على الهوية القومية من خلال الأعمال الفنية التي تظهر حضارتنا بقيمها الانسانية وتراثها النابع من أعماق تراثنا القومى وعاداتنا وتقاليدنا الشعبية0

فالبيئة المصرية القديمة وعقائد أجدادنا الفراعنة الدينية لهما عظيم الأثر في إبداع فن مصري أصيل ذي كيان خاص وسمات وملامح مميزة ، فأستطاع أن يُصبح الفن المصرى عملاقاً ورائداً بين سائر الفنون .

فقد عرف المصري القديم بيئته والخامات المتوفرة لديه وتعامل معها لتصوير وتجسيد فنونه وإبداعاته فعرف صناعة الطين، والذي أستخلصه من طمي النيل وأستخدمه لصناعة أوانيه في حياته، وصاحبته أيضاً في مماته حيث وضعت الأواني الفخارية بجواره في مدفنه لحفظ طعامه وسائر أدواته الخاصة، بالإضافة إلى وسيلته الأخرى في تسجيل وتوثيق التاريخ من خلال الجداريات المرسومة والتى تروى تاريخ وبطولات الملك المدفون، وأستخلص من الخامات البيئية أيضاً الألوان والصباغات التي أستخدمها في التلوين للوحات الجدارية.

والفن الشعبي المصري كان على مدار عصور مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية يسير جنباً إلى جنب مع الفن الرسمي ، والفن الشعبي هو إبداع الشعب لتزيين ما تتطلبه حياتهم اليومية من أدوات، وما تتطلبه عقائدهم الفطرية أو أفراحهم أو مناسبتهم على اختلاف غاياتها ومظاهرها.

والتراث المصري غنى بالفنون الشعبية في الأدب والغناء والموسيقى والفنون التشكيلية، وهذه الفنون تكشف عن قدرات ومهارات الفنان الشعبي الذي كان ينفذها في يسر وبساطة، والفن الشعبي هو الوسيلة الذي يعبر بها جماهير الشعب عن مشاعرهم ومكنوناتهم بسياق فنى وحس جمالي، وخاصة عندما تضعف الدولة وتنحسر عنها قدراتها الإبداعية.

وتاريخ مصر يرصد أكثر من مرة حيث اختفت رصانة الفن الرسمي للدولة المصرية القديمة بعد الأسرة السادسة، وفى الدولة الوسطي بعد الأسرة الثالثة عشر، وفى العصر المتأخر للدولة المصرية القديمة، وفى أغلب فترات الفن القبطي وأيام الحكم الروماني، وبعد غزو الأتراك لمصر، وفى هذه الفترات قلت سطوة التقاليد الفنية الرسمية القاسية، وازدادت طلاقة الرسوم والتماثيل التي تقترب من الفنون الشعبية.

إن الفن الشعبي يتجه إلى الاعتزاز بالبطولة ويمجدها، وإعتبار أبطال القصص الشعبية هم المثل العليا لكل شاب، وكانت قصص أبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد، والفارس يمتطى جواده وقد أستل سيفه البتار، تجدها رسماً على جدران المقاهي ووشماً على أذرع الشباب.

أما التصوير الحائطي وبخاصة ما كان منه معبراً عن سفر المحمل أو عودته راصداً الفرحة والاحتفال بالمناسبات الدينية كالحج وهو من المناسبات التي صورها الفن الشعبي بأشكال مختلفة، وتنوعت أيضاً الإبداعات اليدوية الشعبية وظهر ذلك في أعمال الكليم والحصير والسلال وأواني الفخار من أزيار وأباريق وقلل مزخرفة ومزينة بالأشكال الهندسية المحفورة أو بالطين الملون، وأعمال التطريز على الملابس، والحُلي وعرائس المولد والحصان الذي يمتطية الفارس، والقلعة يعلوها الأعلام0

كل ذلك من الفنون المتوارثة المنحدر إلينا من آلاف السنين تعكس أشكالاً ومواضيع مستمدة من التراث الشعبي أو من الأسطورة أو الحدوتة أو من ذكريات غامضة تسللت عبر سنوات طويلة من جيل إلى جيل، نتوارثها ونعمقها وتأصل لدينا القيم التراثية الخاصة بمجتمعاتنا المصرية وبيئاتها المتنوعة في جميع أنحاء الوطن، فكان الفن لها بالمرصاد يوثقها ويدونها ويحفظها من الاندثار عن طريق فنونه وإبدعاتة المتنوعة0

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: