مطلـــوب آنســـــة – د. رضا صالح يبوح بأسرار عالم الأطباء

مطلـــوب آنســـــة - د. رضا صالح يبوح بأسرار عالم الأطباء

ياسر محمود محمد

 

يواصل د. رضا صالح السير في درب من سبقه من الأطباء الأدباء أو الأدباء الأطباء .. يسبر غور تلك المهنة الإنسانية جداً بكل مواقفها و شخوصها و ظروفها الشعورية الخاصة التي تعكس مشهداً بانورامياً للإنسان المصري عبر مجموعته الجديدة التي صدرت مؤخراً عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان جذاب كما يري مؤلف العمل و هو ” مطلوب آنسة ” .

يرصد من خلالها ما حدث من تغير في العلاقات التعارفية في المجتمع و ذلك عبر عدسة بؤرتها ( الراوي العليم ) و هي عدسة تُشرِح الأسباب و العلاقات و النتائج لما حدث في المجتمع من تغير في السنوات الأخيرة .

و البؤرة في نظرنا هي الطبيب ( الراوي العليم ) الغائب الحاضر و البطل الحقيقي بجانب الشخصيات ذات المزية الإنسانية العالية للغاية . من مثل ” مهجة ” الفتاة التي يصيبها المرض الخبيث في أعز ما تملك أنثي ( ثدييها ) لكنها تظل بالأمل تنحو نحو العلاج و لعل القاص رمز بها إلي الوطن المصاب الذي لم يفقد الأمل بعد . فالإسقاط علي ا لبناء العام للمجتمع و الوطن واضح و لا يخفي دلالة الاسم و المغزى العام له ف ( المهجة ) هي القلب .. ” ترفض أن يكون أحد ثدييها مشوهاً هذا حقها ، و واجبها أيضاً أن تخاف و أن يدفعها الخوف إلي البحث عن علاج . و هذا أيضاً شعور مطلوب الإنسان وحدة واحدة لن تسعد المرأة إلا بتساوي النهدين الأيمن و الأيسر ” قصة ( مبروك يا مهجة ) المجموعة صـ 122 .

ثم يواصل الكاتب و يصرح بغرضه ” نعم كلنا سنسعد باعتدال الدفة هل افتقدنا السيميترية و صرنا كالجسد المشوه ؟ مجرد أشلاء متجاورة تحتاج إلي جراح ماهر ” .. قصة مبروك يا مهجة صـ 122 .

و لا ريب أن الجراح الحاضر هنا هو الطبيب بشخصيته كمعالج لجراح و آلام البشر ؛ هو الطبيب التي تدور المجموعة حول شخصيات إنسانية يقابلها من خلال مهنته التي تولاها منذ أقسم قسم أبقراط .. علي أن يداوي و يشفي و يحترم جراح الإنسان و الوطن علي السواء .

و الراوي في قصص المجموعة هو الراوي العليم الذي ينعكس بشكل ما علي الطبيب رضا صالح و الأبطال هم إما مرضاه أو أصدقاؤه أو في محيط المتعاملين معه مثل الممرضة في قصة ( و ضحكت عليك ! ) أو المريض الذي يبوح بأسراره مثل قصة ( خردة ) أو الصديق المضرب عن الزواج و الذي يظن أن الوقت في صالحه حتى و إن تجاوز الخمسين مثل قصة ( علي راحته ) أو الأستاذة جنات و نظام الروتين من الموظفين المختلفين حتى المدير العام الذي يتعارك معه الطبيب قصة ( جهنم جنات ) . أو ما يحكيه صديقه الطبيب الذي رفض أن يكمل علاج أحد أقاربه للمصاريف المبالغ فيها قصة ( وفر كلامك ) أو المساجين في قسم الشرطة    و الضابط المتعجرف الذي يطلب الكشف عليها قصة ( سد خانة ) .

و غيرها من الشخصيات التي يتضح من خلالها  أن بيئة الكاتب و مكان معيشته ( السويس ) ملحوظة بشكل في قصص المجموعة . و الكاتب يمارس فعل الكتابة و كأنه راوٍ محايد و مدافع عن شخصيته إلا أنه في الواقع يدين من طرف خفي كل شيء و من ذلك قصة ( علي راحته ) ، بل إن الراوي العليم الذي يدعي الحياد يغوص في القصة حتى يصبح أحد شخوصها و الراوي العليم يشرك معه القارئ و يجعله أحد المشاركين في تكوين رأيه عندما يقول في قصة (المنقبة) ” و لا يحمل بيت سوى سيدة و بنات منقبات آلا ترون أن هذه النظرة فيها نوع من الافتراء عي الرجال و نظرة دونية لهم ” المجموعة صـ 89 .

و من الملاحظ في قصص المجموعة الغوص في التفاصيل الطبية حتى في أسماء الأدوية         و الأمراض يبدو الكاتب في ذلك مشابهاً لنظيريه د. يوسف إدريس و د. مصطفي محمود . و من أمثلة أسماء الأدوية و العلاج ما كتبه المؤلف في قصة ( خردة ) صـ 95 ”

” كشفت عليه و كتبت له علاجاً و قلت له :-

– مرهم و برشام مرتين في اليوم و استابينا

– استابينا ايه برشام و لا حقن .

– تبسمت :- برشام بس

والحقيقة أن العيب والخطأ في سلوك الشخصيات جميعاً في المجموعة و المرض عرض ثانوي . أما عن النهاية فالنهاية في كثير من الأحيان نهاية للموقف الذي يبدو كوميدياً في بعض القصص و يبرز فيه نبرة السخرية من جانب الكاتب بين ما هو كائن و ما يجيب أن يكون مثل قصة        ( خردة ) و قصة ( و أنت فاكرني ) و غيرها من القصص .

و بعد ف د. رضا صالح من خلال المجموعة الجديدة يواصل دأبه في الكتابة عن عالم الأطباء المليء برهافة و حساسية عالية بعد روايته ( حكايات البالطو الأبيض ) و روايته ( يا من كنت طبيبي ) . و نحسب أنه قد أحسن صنعاً و نتمني ألا يحرمنا من التطلع إلي هذا العالم ذي البعد الإنساني العالي في أعماله القادمة .

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: