قراءة في كتاب النقد البيئي الإيكولوجي بين التأصيل التأسيسي والمفاهيمي والطرح التطبيقي

قراءة في كتاب النقد البيئي الإيكولوجي بين التأصيل التأسيسي والمفاهيمي والطرح التطبيقي

رواية القندوس أنموذجًا للأستاذ الدكتور وداد نوفل

أ.د أبو المعاطي الرمادي جامعة الملك سعود

 

في كتابها الصادر عن مؤسسة حورس الدولية بالإسكندرية عام 2022م قدمت د. وداد نوفل أستاذ البلاغة والنقد الأدبي بكلية التربية، جامعة المنصورة رؤيتها عن النقد البيئي، من حيث المفهوم وطرائق التطبيق. جاء الكتاب مقسمًا إلى قسمين: القسم الأول قسم نظري أجابت فيه عن أسئلة كثيرة يطرحها المهتمون بالدراسات النقدية البيئية، مثل: ما النقد البيئي؟ وهل هو نقد بيئي أم نقد إيكولوجي؟ وما العلاقة بين الإيكولوجيا وعلم البيولوجي؟ وما البدايات الحقيقية للدراسات الإيكولوجية؟ وما المقصود بالنقد النسوي الإيكولوجي؟ معتمدة على رؤى شيريل جلوفلتي، ولورانس بول، وجرج جرارد، ومايكل برانش، ولويس ويسلنج، ورؤيتها الخاصة التي جعلت لها حضورًا متميزًا داخل الكتاب، والقسم الثاني دراسة تطبيقية على رواية (القندس) لـمحمد حسن علوان، طبقت فيها معايير(بويل) لدراسة النص الأدبي من منظور بيئي، وختمت الكتاب بترجمة مقدمة كتابLandmarks In Literary Ecology The ecocriticism reader لـ(شيريل جلوفلتي)، وهي مقدمة مهمة لم يهتم بترجمتها الكثير من المترجمين المهتمين بالنقد البيئي، رغم شهرتها بين الباحثين المهتمين بتاريخ النقد البيئي ومفهومه.

رغم أنا كتاب د. وداد نوفل ليس الكتاب الأول في هذا الميدان؛ فقد سبق بعدد من الأبحاث والكتب، لعل أهمها كتاب النقد البيئي مفاهيم وتطبيقات الصادر عن وحدة السرديات بجامعة الملك سعود، إلا أنه تميز بميزات يمكن جمعها في النقاط الآتية:

أولًا_ ترجمة مقدمة كتاب شيريل جلوفلتي. وهي مقدمة مهمة في هذا الميدان لم يلتفت إليها الكثير من المترجمين، والباحثين. فيكفي صاحبتها أنها قدمت تعريفًا جامعًا للنقد البيئي. فهو عندها النقد الذي ” يدرس العلاقة بين الأدب والبيئة الطبيعية، فمثلما يفحص النقد النسوي اللغة والأدب من منظور يراعي الجنس، وكما أن النقد الماركسي يستحضر وعيًا بأنماط الإنتاج والطبقة الاقتصادية لقراءته للنصوص، فإن النقد الإيكولوجي يتخذ نهجًا يركز على الأرض في الدراسات الأدبية” وميزة هذا التعريف _ كما تقول نوفل _: التخصيص والتعميم في الوقت ذاته، فقد خصص الموضوع الذي يبحث أو يدرس تحت مسمى النقد الإيكولوجي، مخصصًا إياه بالبيئة الطبيعية، وترك التعميم ليشمل كل فروع الأدب وأجناسه من ناحية، وكل مظاهر البيئة الطبيعية وأحوالها وموضوعاتها، ومشاكلها وظواهرها، ومفرداتها. وهو تعريف أكثر دقة من تعريف (روكيرت) الذي اعتمده جل الدارسين العرب.

ثانيًا_ نقد التعريفات العربية الشهيرة للنقد البيئي، مثل تعريف محمد أبو الفضل بدران، وتعريف جميل حمداوي، وبيان النقص فيها، وأهم عيوبها.

ثالثًا_ التأريخ للمصطلح: اعتماد نوفل على مقالة (جلوفلتي)، إضافة إلى قراءتها الواسعة في ميدان النقد البيئي ساعدها على التأريخ للمصطلح بشكل دقيق وشامل؛ فهي لم تبدأ حديثها عن المصطلح من سبعينات القرن الماضي، بل بدأت من نهايات القرن التاسع عشر، ووقفت على استخدام (أرنست هيكل) مصطلح الإيكولوجيا الذي يعني عنده “دراسة العلاقات التي تربط داخليًا أعضاء منزلنا الأرض”، مثلما فعل مايكل بريتش في مقالته الصغيرة (النقد الإيكولوجي).

رابعًا_ فض الاشتباك بين مصطلحي النقد البيئي والنقد الإيكولوجي، والتوصل إلى أن دلالة المصطلحين واحدة.

خامسًا_ الوقوف أمام مصطلحات فرعية مهمة، مثل: الإيكولوجيا العميقة، والإيكولوجيا الاجتماعية، والإيكلوجيا الثقافية. وهو وقوف يحدد مسارات واضحة للدراسة الإيكولوجية، يجعلها أكثر دقة، وأشد ترابطًا، ويضفي عليها صفة العلمية.

سادسًا_ وضع حد بين النقد الأدبي والنقد البيئي؛ فهي تقول: “مصطلح النقد البيئي مصطلح أكثر خصوصية من مصطلح النقد الأدبي؛ حيث يقوم على مبادرة انتقائية ومتطورة ومتعددة التخصصات تهدف إلى استكشاف الأبعاد البيئية للأدب… فعلاقة النقد البيئي الأدبي بالنقد الأدبي علاقة اشتمال”

سابعًا_ طرح قضية الخيال البيئي، وأنا أفضّل أن تكون التخييل البيئي، وهي من القضايا المهمة في الكتابات الأدبية البيئية، وفي التناول النقدي لهذه الكتابات. فالبعض يرى أن الحضور البيئي لابد أن يكون حضورًا واقعيًا، لكن في الحقيقة كما يقول (بويل) الكتابة الطبيعية إما أن تكون كتابة جيدة تعرض انعكاسًا مناسبًا لما بعد الحداثة تجاه وضعها الخاص كقطعة أثرية نصية… أو تكون كتابة مقتصرة على النقل والوصف السطحي.

ثامنًا_ تحديد معايير النص الأدبي البيئي. وهي معايير تفض الاشتباك بين الباحثين في هذا الميدان، فجل مشكلات البحوث المقدمة في هذا المجال كامنة في اختيار مدونة لا علاقة لها بالأدب البيئي، وقد دفع ذلك جل الباحثين إلى لي أعناق النصوص لتتوافق مع توجهات أبحاثهم. وهذه المعاير التي تبنتها نوفل معايير بويل الذي حدد أربعة معايير للكتابة الأدبية البيئية، هي:

– البيئة غير الإنسانية موجودة ليس فقط بوصفها جهاز تأطير (مجرد أداة زراعية)، ولكن وجودًا يبدأ بفرضية أن الوجود الإنساني مستوحى في التاريخ الطبيعي.

– ألا يفهم أن المصلحة الإنسانية هي المصلحة الشرعية الوحيدة.

– أن يكون اكتراث البشر بالبيئة جزءًا من التوجه الأخلاقي للنص.

– أن يوحي النص بشيء من فهم البيئة، بوصفها عملية، وليست شيئًا ثابتًا، أو معطى مفترضًا.

وهي معايير لا يشترط أن تجتمع كلها _ كما تقول نوفل _ في نص واحد؛ إذ يتسم كل نص أدبي بتوجهه البيئي على نحو ما من هذه المعايير الأربعة.

تاسعًا _ تطبيق معايير (بويل) على نص سردي هو رواية (القندوس) لمحمد حسن علوان. وهو في الحقيقة تطبيق في غاية الأهمية؛ لأنه حدد المسارات التي يمكن للباحث السير فيها في أثناء تعامله مع النصوص السردية تعاملًا بيئيًا.

عاشرًا_ الإجابة عن أسئلة المهتمين بالنقد، مثل:

– هل الأدب والنقد في حاجة إلى نظرية أدبية بيئية؟

– هل تتقبل الأوساط النقدية والأدبية والاقتصادية الاتجاه البيئي في الأدب، أم تقف منه موقفًا مناهضًا.

إن هذا الكتاب إضافة مهمة في ميدان النقد البيئي العربي، نجحت د. وداد نوفل به في سد فجوات في جهود السابقين عليها، وأضاءت برؤاها مناطق كانت معتمة أمام الباحثين والنقاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: