عرض كتاب: سيد درويش 75 عامًا من الخلود.

عرض كتاب: سيد درويش 75 عامًا من الخلود.

عرض: أشرف خيري يوسف.

يُعد سيد درويش (1893- 1923م) بلا جدال هو الموسيقار الذي أوجد التعبير في الموسيقى العربية، فكانت الموسيقى قبله سلطنة وتطريب، وانتقلت على يديه إلى التعبير والارتباط بقضايا المجتمع والوطن، لذا أُطلق عليه فنان الشعب، وأصبحت موسيقاه هي المعين الذي ينهل منه كل من أتي بعده.

ومنذ أيام قليلة أطلت علينا الذكرى المئة لوفاة سيد درويش، فرأيت أن أتعرض للكتاب الذي أعده حفيده الدكتور مهندس/ حسن محمد البحر سيد درويش، منذ ربع قرن تقريبًا، وهو بعنوان: سيد درويش 75 عامًا من الخلود، صادر عن دار الصديقان للنشر والإعلان، في 249 صفحة من القطع المتوسط، واليوم تمر علينا مئوية رحيل المسيقار سيد درويش، المتوفى في ( 15 سبتمبر 1923م) – ( 15 سبتمبر 2023م) فهل طرأ جديد منذ ربع قرن على صدور كتاب الدكتور حسن البحر؟ على أية حال سنرجىء الإجابة عن هذ التساؤل لنستعرض سويًا أهم ما جاء في الكتاب من عناوين وموضوعات تتعلق  بسيد درويش.

في مقدمة  الكتاب يشرح لنا د/ حسن، الدافع وراء تصديه لإعداد الكتاب الذي يعتبر بعيدًا عن مجال تخصصه الدقيق، فيقول: أنه نتيجة للمحاولات المستمرة الخفية في آونة والمعلنة في آونة أخرى، إما لمحاولة طمس معالم موسيقى سيد درويش أو للتصدي بقصد أو غير قصد لإظهارها للأجيال الحالية والجديدة بشكل مخالف لما وضعها مبدعها سيد درويش وتفريغها من مضمونها بالإضافة إلى التجاهل المتعمد عن قصد من بعض المسئولين عن الموسيقى في بلادنا، حتى أن مجىء الذكرى الماسية هذا العام –يقصد وقت إصدار الكتاب الذي صدر بدون تاريخ- وهي مرور 75 عامًا على وفاة سيد درويش، تجاهل المسؤولون عن مؤتمرات الموسيقى في استغلال تلك الفرصة لإقامة مسابقات بين الدول العربية المشتركة في المهرجان في الجوانب المختلفة لإبداعات سيد درويش، وتجاهل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في وضع ألحان سيد درويش التي لازال بعضها أكثر تعبيرًا وتصويرًا لحال المجتمع وبالذات للحفاظ على الوحدة الوطنية وتحرير المرأة والدعوة إلى الوحدة والتكاتف من الأغاني الحالية على خرائطها. كل هذا دفعه كما يقول لإعادة إلقاء الضوء على ما أبدعه سيد درويش في الموسيقى المصرية والعربية، لا للوقوف عند ما أبدعه سيد درويش بل إلى استيعاب جذورنا الموسيقية الحديثة التي وضع أساسها سيد درويش..ولكن العمر لم يمهله لتحقيقها وذلك لتتطور الموسيقى المصرية/العربية، لا لتعود مرة أخرى إلى الوراء.

قسم الدكتور حسن الكتاب على سبعة أبواب، بخلاف الإهداء والشكر والمقدمة،  فجعل الباب الأول بعنوان: (السيرة) عرض فيه ما سطره والده محمد البحر-أكبر أنجال سيد درويش- عن تاريخ وحياة سيد درويش، والتي بدأها ببيانات طبق الأصل من شهادة ميلاد سيد درويش، وتحدث عن نشأته وتعليمه ومراحل حياته الفنية، دون التعرض لفترة وجوده بالقاهرة من 1917-1923م، ثم أنهى الحديث بوفاته بمسقط رأسه بالإسكندرية.وذيل الكلمة ببعض الوثائق النادرة الخاصة بسيد درويش ومنها؛ صورة خطاب بخطه لحضرة شيخ علماء الإسكندرية، مؤرخ في 27 مارس 1905م، وصورة من مستند يختص بالتعهد بطلب العلم الشريف، عام 1905 أيضًا. أما القسم الثاني من هذا الباب فكتبه الدكتور/حسن بنفسه بعنوان: “كلمة حق نضال محمد البحر”، تحدث فيها عن مولد والده وحياته ودفاعه عن تراث سيد درويش والمعارك التي خاضها من أجل هذا. والباب الثاني جاء تحت عنوان: (ذكريات وتاريخ) وضع فيه ذكريات بديع خيري عن سيد درويش، وكذلك كلمات كلًا من: عبد الفتاح غبن، وزكي طليمات، وفيكتور سحاب، وأحمد عبد الفتاح، عن سيد درويش، ومعظمها معلومات هامة ومشوقة. والباب الثالث كان بعنوان: (التأصيل عند سيد درويش) ضمّن في هذا الباب ما سطره وقاله كبار الكتاب والمفكرين والمسئولين عن سيد درويش، من أمثال: فتحي رضوان، وزير الثقافة والإرشاد القومي السابق، ومقاله “جوهر سيد درويش” وعباس محمود العقاد، ومقاله “إمام الملحنين ونابغة الموسيقى”، وتوفيق الحكيم، في مقاله “كان سيد درويش يرى من أسرار الفن أكثر مما نرى”، وكذلك عرض ما كتبه عبد الرحمن الشرقاوي بعنوان”سالمة ياسلامة/ ياولد عمي (أو) سر الخلود”، ومقال الناقد الفني، عبد الفتاح البارودي “مسرح سيد درويش”، ومقال “الثورة الموسيقية في تراث سيد درويش” ليوسف حلمي المحامي. وخُصص الباب الرابع ل (تحليل موسيقى سيد درويش) من خلال الدكتور/حسين فوزي، منشىء البرنامج الموسيقي بالإذاعة،  في مقالة بعنوان: “سيد درويش والتصوير”، أما الدكتورة/ سمحة الخولي، فكان مقالها بعنوان: “وقفة تأمل في ذكرى سيد درويش”، ويكتب سليمان جميل “ضمير الشعب في موسيقى سيد درويش”، وكتب المايسترو سليم سحاب مقال عن بعض ما أبدع سيد درويش في الموسيقى العربية تحت عنوان: “التعبير في التصوير الموسيقي”، ويشارك د/حسن في هذا الباب بمقال بعنوان: “الدراما.. التصوير في موسيقى سيد درويش”. وجاء الباب الخامس مختصًا بعنوان: (كلمات لأهل الفن) من أمثال؛ محمد حسن الشجاعي، أبو بكر خيرت، رياض السنباطي، محمود درويش، يوسف وهبي، كامل الشناوي، أحمد رامي، نجيب محفوظ، مأمون الشناوي، وأورد على ظهر غلاف الكتاب كلمات لعدد من هؤلاء، منها ما قاله الشاعر أحمد رامي: “كان من سوء حظي أن أغنياتي لم تحظى بتلحين سيد درويش”.وأنهى الباب بثلاث قصائد عن سيد درويش، لكلًا من؛ صلاح جاهين، بعنوان: “أبو عرب”، ولشاعر الشباب أحمد رامي قصيدة بعنوان: “فقيد الغناء”، وأخرهم قصيدة أمير الشعراء، أحمد شوقي، بعنوان: “الشعاع النابغ”.

. أما عنوان: (الحرب الخفية) فكان من نصيب الباب السادس، تناول فيه صور ومواقف هذه الحرب الخفية كما أسماها، أثناء حياة سيد درويش وبعد مماته. والباب السابع والأخير انفرد بنماذج من تراث سيد درويش، فألحق به الكلمات والنوت الموسيقية للأغنيات الآتية: “أهو دا اللي صار”، والله تستاهل يا قلبي ، موشح يا بهجة الروح، سالمة يا سلامة، مليحة جوي، زوروني كل سنة مرة، الحلوة دي قامت تعجن في البدرية، دنجي دنجي دنجي، نشيد العروبة، نشيد بلادي بلادي.

وبمناسبة نشيد بلادي بلادي ونحن نمر بالذكرى المئوية لوفاة سيد درويش، فقد ظهرت معلومات جديدية  تشير إلي أن سيد درويش ليس صاحب لحن هذا النشيد فقط، بل هو صاحب هذه الكلمات أيضًا، وليست الكلمات من تأليف محمد يونس القاضي، فقد أثبت ذلك الأستاذ/ خيري حسن، الصحفي والباحث الدوؤب، مستندًا في ذلك على عدد من الأدلة والأسانيد التي تدعم ما توصل إليه، ليس لهذا النشيد فحسب بل للعديد من الأغنيات الأخرى.

وأخيرًا أضم لصوتي لما نادى به الفنان/عصمت داوستاشي، وغيره مرارًا، وكان أخر مناداته في مقاله المعنون ب “بيت سيد درويش .. لحن حزين في كوم الدكة”  المنشور بالملحق الصادر مع مجلة الثقافة الجديدة عدد سبتمبر 2023م، بمناسبة مئة عام على رحيل سيد درويش، يطالب فيه بتحويل بيت سيد درويش إلى متحف، وذكر أن هذا الحلم مطروحًا منذ أكثر من خمسين عامًا، وأشار للجنة التي شكلها الفنان فاروق حسني، حينما تولى كرسي وزارة الثقافة في منتصف الثمانينيات تقريبًا، بغرض دراسة تحويل بيت سيد درويش إلى متحف له وأكاديمية للموسيقى، وكانت اللجنة برئاسة الأستاذ/محمد غنيم –رحمه الله- مدير الثقافة بالإسكندرية وقتها، وتضم د.أحمد نوار، رئيس قطاع الفنون التشكلية وقتها، مع الفنان داوستاشي، وأتمت اللجنة مهمتها المكلفة، بها وصاغتها في ملف كبير باسم (مشروع متحف الموسيقارخالد الذكر سيد درويش)، وتم تسليم الملف للسيد فاروق حسني، الذي–وكما يقول داوستاش – :”وضعه في أحد الأدراج بمكتبه وأغلق عليه للأبد، لظروف سياسية يمر بها البلد والوطن، ومن وقتها لم نسمع عن متحف لسيد درويش مرة أخرى أبدًا”.

ويضيف  داوستاشي ويقترح: “أن المتاحف في الإسكندرية محدودة جدًا ينقصها بالفعل متحف للمسيقار العبقري سيد درويش سواء في كوم الدكة أو في أي مكان آخر..كان من الممكن أن يكون ضمن مجموعة متاحف مكتبة الإسكندرية، والتي تعتمد على إهداء المقتنيات المتحفية للمكتبة، ومقتنيات سيد درويش تحتفظ بها الأسرة ولن تسلمها إلا إلى مشروع متحفي متكامل، كما كان يمكن تخصيص إحدى حجرات مسرح سيد درويش(أوبرا الإسكندرية الآن) كمتحف له كما يحدث في مسارح العالم، وأخيرًا مازلنا ننتظر تحقيق الحلم المستحيل ببناء متحف سيد درويش”.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: