كتاب تحت العدسة – رواية نعيق البوم

كتاب تحت العدسة 

  بقلم/ الشاعرة شريفة السيد

 

رواية نعيق البوم: تحفة فنية وجب وضعها في متحف الكتب الصالح لكل زمان ومكان

رواية دون أبطال، دون أشرار كما الحياة ليست بأبيض و أسود..!

عنوان الكتاب: نعيق البوم

الكاتب: هشام بوشامة

دار النشر: وهج للنشر و التزويع

عدد الصفحات : 216

أحداث رواية نعيق البوم تدور في الجزائر

وأبطالها كل منهم يحكى قصته بلسانه وبقلبه .. ومنهم:

محمد و منصور الشيخ زليخة الطاوس كمال الصافي النمس ميسوم عائشة حليمة الزبير السي عمر الفاكتور اسماعيل و اخرون ممن صنعوا رواية نعيق البوم كل واحد من هذه الشخصيات مثل دور البطولة

ظل محمد يبحث طوال  الرحلة عن والده ليكون البطل الأساسي في الرواية شخصية فريدة إلا أنها تشبه منصور الخياط كثيرا.. ويكاد القارئ يشك في أنه ابنه الذي تبرأ منه؛ لكن لا.. فهو ليس ابنه كما يتوقع  القارئ..

ذلك الصِّراع

الذي كان يعـاني منه محمد ويحمل وزره منذ أن كان طفلا، حين كان الأطفال يتمنون الهدايا في العيد لكن محمد كان يتمنى أبا..!

فيسأل مربيته حليمة من هو أبي وتجيبه (انا امك و ابوك) و ما أروع الصدف بين محمد وحليمة،

لا يكاد محمد يُخرج رأسَه من أمر مُضنٍ حتى يدخل في حزن آخر، ببحثه المستمر في أوجه الرجال عن وجه شخص يشبهه يتخيل أنه والده، ثم عن أمه التي يتحسَّرعلى موتها الجميع ، لكنهم يكرهون محمد لأنه ابنها

وتصف الرواية :

أزمة الحب المحرَّم الذي أوقع نفسه فيه، وأزمة صديقه كمال وما فعله، لكي يهرب من هذه القرية إلى الضفة الأخرى، إلا أنه عاد بشكل بشع، مما يجعلك تشعر أن هذه القرية كسجن كبير من دون سقف أو أبواب ولا مفاتيح ولا سجَّان، ما إن يفر منه أحد حتى يرُدونه مُجددا، فيه يولدون وفيه يموتون.

وتتوقف الرواية أيضًا :

عند الصراع المتجذر الذي خُلق بسبب حادثة عابرة جعلت (الصالحيِّين) الذين يعيشون في القرية يمتنعون عن الزواج بـ (القاسميِّين) حادثة نام عليها التاريخ حتى شبع، ولايزال قومُ جَهلٍ يتمسَّكون بها بالنواجد كأنها قرآن منزل،

يتخذون الأضرحة وجها للطواف ويتخذون الشيخ صنمًا يعبدونه،

الشيخ ولد الطاهر أخو إسماعيل تذكروا جيدًا هذه الأسماء، وتلك القرابة بينهم، من الذين كانوا خلف هذا القبح المتفشي في القرية ..

وتأتي العشرية السوداء

بحثا عن؛ أين تَنحر رقاب الناس وتَحرق أجسادهم..؟

وكيف يَخترق صوتُ الرصاص هدوءَ لياليهم..؟

فيمتنعُ الناس عن الحياة وينسونها تماما، ينتظرون فقط متى تنفصل رؤوسهم عن أجسادهم باسم الدين باسم الله.

أحداث العشرية السوداء التي قصَّها علينا الكاتب مستخدمًا تقنية الفلاش الباك؛ لكي يرجع بنا إلى أيام صبا منصور والطاوس وعائشة والشيخ وحليمة متسائلا: أين كانوا.؟ أما زالوا ينعمون بشبابهم السيء الحظ..؟ يتقلبون بين أزمتي الحب والموت الذي يحيط بهم.؟

الجانب المعنوي:

لقد ركَّز الكاتب على الجانب المعنوي لهذه الأزمة التي مرت على الجزائر ، لم يصفها من جانب سياسي كثيرا لكنه سلط الضوء أكثر على معاناة الناس في تلك الفترة. لعنة الحب المحرم لم تمس محمد فقط. فمنصور الخياط

وكمال صديق محمد والشيخ واسماعيل كانوا قد وقعوا ضحايا لهذه اللعنة التي ألقت بنفسها على هذه القرية ولم يتحرر منها أحد ولم يكسرها شخص ابدا.. بل ظلت تنتقل من شاب إلى آخر حتى آخر أعمار الشخصيات.

ويتذكر ميسوم سنوات الكفاح، وكيف أن ابن عم الطاهر عزرين كان خائنا تسبب في إراقة دم عائلة ميسوم ، و تسبب في بتر يده وتشوه في وجهه عبارة عن ثقب واضح في ، خده كان يكره الطاهر وكان الطاهر والد شيخ القرية أسوأ شخصية في القصة .

تقول الكاتبة / خولة بن ساسي :

رأيت جانبًا حزينًا في هذه الرواية:

زليخة شقيقة الطاووس زوجة الشيخ، البنت التي كانت تعاني من متلازمة داون، والنهاية التي وضعت لها . والزبير شقيقهم الذي أخذه البئر، وعائلة عائشة وعملية نحرهم جميعًا وكانت هي الناجية الوحيدة .

كذلك والد الطاووس عمر الفاكتور، وقصة فقدانه لإيمانه بعد أن تعرَّض لفقدان أولاده واحدًا تلوَ الآخر. حتى عندما زُفَّ الطاووس للشيخ ففقده إلى الأبد.

الجوانب التقنية في الرواية :

الوصف كان جميلا، و اللغة كانت تقترب من البلاغة، سلامة السرد واضحة جدا، وقدرة الكاتب على الإقناع كانت مناسبة،

كذلك استخدم الكاتب فنياته بحذر، وبدر تمكنا من صناعة مشاهد كثيرة صحيح أنها كانت كلها تبعث على الحزن؛ إلا أنه قام بخلق جو قوي جاد

ساهم في  نجاح في هذه الرواية.

الأسلوب السردي كان يتميزا بشكلين؛

فتارة يسرد بشكل بليغ جدا، يستعمل كلمات عربية فصيحة،

وتارة أخرى نجده يُبسِّط في سرده… فيختلف نوع السرد باختلاف الفترات التي كانت تعيش فيها الشخصيات ، إلا أنه يجب على قارئ هذه الرواية أن يركز كثيرًا لكي يفهم التداخلات التي توجد بين الشخصيات وأن يحفظ الشخصية الفلانية لمن تقرُب.؟ و ابنة مَنْ وأخ مَنْ وزوجة مَنْ لكي يتمكن من الفهم القوي لأحداث الرواية

ويقول الكاتب / محمد رضا رريب الله من الجزائر:

نعيق البوم: السائرون قريبا إلى القرية

رواية دون أبطال، دون أشرار كما الحياة ليست بأبيض و أسود..!

وعن بناء الشخصيات:

ففي العادة حين تكون الشخصية ساكنة لا تتحرك بالأحداث للأمام؛ نشعر كأنها ضحية لكل ما يحدث من حولها فيصيبنا الملل.

ولكن في هذا العمل جعل الكاتب من لعنة “لا يمكنك فعل شيء” بطلا   وجميع الشخصيات دُمىً بين يديها، لا يمكنها أن تثور على لعنة القرية.

الشخصيات لا يمكنها أن تحب؛ لأن الحب ممنوع. ولا يمكنها أن تهاجر لأنها دُمى مربوطة بحبال تشدها كلما أرادت الاتعاد. تراها في حواراتها معترضة بشدة، وفي أفعالها متقبلة ما يحدث كل القبول، ما يجعلنا نتساءل أي الأمرين نقيس عليه ‘يمان الشخصيات و معتقداتها.؟؟

أهم التقنيات:

ومن بين أهم التقنيات التي تشد القارئ (معنى العنف): فالعنف ليس أن تقتل شخصياتك (وتجعل القارئ يكره الكاتب ) وإنما هو بمعنى خنق الشخصيات بمختلف العراقيل، وإرهاقها بالصعوبات وإفشال كل خططها في محاولة الحصول على ما تريده.

لذا أصف هذا العمل بـ “العنيف” ليس لعدد الشخصيات التي وافتها المنية ولا لحجم الدم المُراق؛ بل عنيف  بسبب تعامل الكاتب مع الشخصيات كلها دون تمييز، فالبطل والشرير والحليف كلهم سواء مما أعطى للعمل عمقا أكبر. و بالتالي الحصول على اندماج اكبر من طرف القارئ.

الحبكة:

تدور أحداث القصة في زمانين يفصل بينهما حوالي سبعة وعشرون سنة،

قد يظن القارئ أن 1995 عبارة عن فلاش باك، لكنك في الواقع تجد نفسك تقرأ صفحة بعد صفحة محاولا معرفة ما حدث في الماضي تماما كالحاضر، و كأن الكاتب لأنه محصور جغرافيا في قرية معزولة سافر بنا زمانيا كي لا يخنقنا مع شخصياته هاربا من فخ المونوتوني، لا يمكننا

السفر خارج القرية لذلك فلنسافر بالزمن…!

ثلاثية الحب، المكان، الموت:

ذكرتني الرواية بقصة (السائرون بعيدا عن اوميلاس) للكاتبة اورسولا غوين،

فرأيت في القرية أوميلاس ورأيت في الناس السعيدة “ظاهرا” القاسميين   والصالحيين ورأيت في محمد ولد عايشة ذاك الفتى الهزيل المحبوس في القبو. نجح سكان اوميلاس في السير بعيدا عنها بينمـا فشل سكان سيدي قاسم في ذلك. الحب في القرية كشيخ يلعب بهم كأحجار الشطرنج يحركهم يمينا ويسارا يبث الهوى في هذا ويسلبه عن ذاك ولم يجمعهم شيء سوى لعنة اللاحب، قلوب مكسورة غير قادرة على الثورة وإن ثارت ماتت. مَن يحب في هذه القرية يهاجر ومَن لا يهاجر يموت (حرفيا ومجازا) ومن

يهاجر من هذه القرية يعود (على رجليه أو في كفن)

استمتعت بقراءة كل صفحة من بدايتها لنهايتها، كرهت الكاتب ولعنته لأنه تغلب عليَّ بإستفزازي ونيل إعجابي رغما عني بأسلوبه السردي   ووتيرته في عرض المعلومات.

تقول الأستاذة سناء أكبيبوش :

لقد سافر بنا الكاتب بين أزمنة وحقب مختلفة ومشاعر متناقضة وقصص عدة حملها شخصيات متعددة في القصة . وكان الكاتب منصفا بحيث أعطى لكل شخصية من شخصياته الفرصة لتسرد الحكاية من زاوية نظرها هي التي اختلفت من راوٍ إلى آخر ليس تزييفا وإنما لأن نظرتنا للأشياء تختلف وقد جسد الكاتب ذلك من خلال شخصياته.

سلط الكاتب الضوء على عدة مسائل هامة منها:

العقيدة و الايمان

السلطة والبيروقراطية

الآثار النفسية سواء للعشرة السوداء أو للاستعمار الفرنسي

قصة الموت بدءًا من قصة هابيل وقابيل وصولا إلى موت الحروب ، كما صور مختلف أنواع الموت: الجسدي، النفسي، الروحي

التقاليد و الأعراف والمجتمع

الابن غير الشرعي و نبذه من المجتمع

أكثر ما شد انتباهي قدرة الكاتب على تغيير أسلوبه من شخصية لأخرى من دون أن تشعر أنه نفس الشخص الذي كتب الأحداث بحيث أعاد تصوير الرواية نفس مشاهد كانت قد سردت من شخصية قبلا على لسان أخرى بطريقة ممتعة غير مملة او مكررة.

العمل على الجانب السيكولوجي لشخصيات الرواية زادها إبداعا بحيث أن هذه الأخيرة تتطور مع تطور الأحداث فتغير من أحاسيسها ومشاعرها  وأفكارها المكتسبة مع مرور الوقت وتغير الظروف.

خروج عن المألوف:

خرج الروائي عن المألوف وعما عهدناه في النهايات السعيدة، فكانت نهاية الرواية مأساوية مفاجئة غير منتظرة ..وبذلك رفع الكاتب القدوسية عن شخصية البطل التي طالما عهدناها بأنه شخص جيد محب للخير قد ظلم،   ووضع موضع الضحية.

وفي هذه الرواية كل شخصية تصلح أن تكتب عن قصتها مئات الصفحات لتصبح رواية مستقلة بذاتها.

كثرة الشخصيات وقصصها الممتعة جعل الكتاب أكثر تشويقا وإثارة بحيث الكل أبطال والكل شخصيات فعالة في الأحداث فلا شخصيات ثانوية وأخرى رئيسية الجميع في نعيق البوم بطل.

حتى أسماء الشخصيات اختارها بعناية فالطاهر لم يكن طاهرا والصالح لم يكن صالحا

نعيق البوم تحفة فنية وجب وضعها في متحف الكتب الصالح لكل زمان   ومكان ليس مجاملة وإنما قيمة اكتسبها النص بإبداعه.

فمن هو الروائي بوشامة هشام .؟

هو روائي جزائري من مواليد عام 1988 بعمِّي موسى ولاية غليزان بالغرب الجزائري،

خريج قسم اللغة الإنجليزية من جامعة الآداب والفنون بمستغانم.

تدرج في عدة وظائف بين القطاعين العام والخاص؛

فاشتغل أستاذ لغة إنجليزية، فمشرف لوجيستيك في مصنع السيارات فولغسفاغن.

من مؤلفاته :

هَدِيَةٌ مِنَ السَّمَاءِ (رواية)؛ دار المثقّف للنشر والتوزيع؛ ودار ببلومانيا للنشر والتوزيع الجزائر؛ 2018.

– مَا هَذَا بَشَرًا (رواية)؛ دار؛ الجزائر؛ 2020.

– مَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (رواية)؛دار؛ الجزائر؛ 2021.

– نعيقُ البُوم (رواية)؛ دار؛ الجزائر؛ 2023.

وأترككم مع مقتبسات  أعجبني من هذه الرواية :

* هؤلاء الذين هربوا من الإله الحقيقي فتعاقبت عليهم الآلهة المُصطنعة   كل ذنب قُرانا الصَّماء يقع على هؤلاء االرجال الذين ينتهي إيمانهم لحظة خروجهم من المسجد، فتراهم يرتدون القبحَ قبل النِعال، نسوا الله، يجتمعون في الزوايا قائلين لشياطينهم أنا معكم، مكومون في جلابيبهم .. تراهم

يعبدون الله في الرخاء فقط.

* الأشياء تذكر ببعضها، الفوضى تذكر بالرحيل، الرحيل يذكر بالخيبة  والخيبة تذكر بالموت.

* الخطيئة وحدها ما يجعل الإنسان إنسانا، هل على الإنسان أن يخطئ حتّى يبدو إنسانا؟

تعرف المرأة كيف توزّع مآسيها عندما يصبح البكاء لزاما تبكي، لهذا تموت على مراحل، عكس الرجل الذي كبر على أن الحزن ضعف، والبكاء عيب، حتى يموت دفعة واحدة.

* كانت أمي تغار عليه حتّى من تقلبات الفصول واعتدالاتها كيف لفصل أن يضيف على كتفيه معطفا، وينتزعه آخر منه، وهي الأجدر بفعل ذلك بأهوائها.؟.

* تعالج الأيام كلّ شيء، إلّا أمّا فقدت ابنها.

 

مع أرق تحياتي

شريفة السيد

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: