دموع على باب القدس.. الشعر المنبري وغواية الحكي التاريخي ,,, رؤية تحليلية .

دموع على باب القدس.. الشعر المنبري وغواية الحكي التاريخي ,,, رؤية تحليلية .

 بقلم: القيثارة شريفة السيد

 

بمناسبة طوفان الآقصى  وأحداث ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ الدامية
نستعرض اليوم قصيدة (دموع على باب القدس)  من كتاب (رسالة  الشعر في حياة الشاعر عبد المجيد فرغلي …)
كلؤلؤة جديدة أضافها الشاعر عبد المجيد فرغلي إلى سلسلة لآلئه عن القدس الحبيبة،
والتي تبكي وتعتصر ألما في محاولة لإثبات أحقية العرب بالقدس دون إسرائيل. وتنتمي تلك الدُرة إلى أدب المقاومة في شعر الشيخ ويقول مطلعها:
عبيرك يا قدس عطر الفنن.. أيا زهرة فوق غصن الزمن
أريجك يعبق منه الوجود ……. وينهل أسـرار تلك الدمن
**
ويتميز أسلوب الشاعر بالسلاسة والبريق الأخاذ والعديد من فنون البلاغة لكنني سأركز على أربعة نقاط فقط هي:
1ــ الصورة الشعرية البراقة..
2ــ  أسلوب الالتفات..
3ــ الميل إلى الاستطراد والحكي..
4ــ دور الأفعال في النص..
مما يؤكد عنوان دراستي التحليلية /غواية السرد والحكي التاريخي عنده.
***
(الصورة الشعرية البراقة)
وتبدو منذ البداية وهي تستقي مفرداتها من الطبيعة الخلابة. فعبير القدس هنا يعطر الأفنان، وأريجها يعبق منه الوجود ناهلا من أسرار الأماكن المقدسة؛ بسبب العطايا الرّبانية وارتباطها بالسيرة النبوية العطرة. فتعلن القصيدة عن ذلك بشكل مباشر، منذ الجملة الأولى (عبيرُك يا قدس) مُضيفا أنها هي ذاتها قصيدة شعر رواها الزمان بقافية الدّهر خلف الوكن. ونلاحظ روعة التشبيه الغني عن الشرح أو التفصيل. فمنذ البيت الثالث والقدس هي القصيدة، هي النص الابداعي ذاته الذي كتبته العناية الإلهية بيدٍ من نور، وقرأها الزمان بقافية الدهر خلف الوكن. وليس هذا فحسب بل ترنّم بها الزمان كنغمة حلوة تحمل أسرار العشق والغرام الذي كم فتن الخيال بعد أن فتن الواقع. وكما ترنم بها الزمان فقد تغنى بها بلبل الهزيع أيضًا؛ فأيقظ في النفس الشجن النائم والحنين الغافي.. يقول:
قصيدة شعر رواها الزمان.. بقافية الدهر خلف الوكن …
ورنّمها نغمة حلــــــــــــوة.. بها العشق كم لخيال فتن …
** مُقدمة بليغة توحي بضخامة الحدث، وقيمته، وتوحي بهول ماحدث ولا يزال يحدث للقدس، رغم أنها شهدت أحداثا عُظمى لها علاقة بالرسالة السماوية. ولن أطيل في الصورة الشعرية لأنها واضحة وضوح الشمس في النص كله. فقط أشير إلى أن الصورة الشعرية لدى الشاعر عبد المجيد فرغلي صورة ناطقة قوية بازخة منبرية أكثر ما يميزها الصدق الفني والشموخ البلاغي…
***
(أسلوب الالتفات وتنوعه)
لهذا ينتقل المقطع التالي من القصيدة للحديث إلى القدس مستخدمًا أسلوب الالتفات بضمير المخاطب (الكاف) في (أسوارك)، الأمر الذي يشد انتباه المتلقي كما نعرف. يقول:
بشامخ أسوارك العاليات .. تُحاط قلاع الهدى من وهن
حيث يهيئنا الشاعر للاستمتاع بوصفه لرحلة الإسراء والمعراج. مقطع يبكيك في كل حرف منه حين يشعل جذوة الحنين إلى الحبيب المصطفى (ص) تهيئة نفسية لاستقبال تفاصيل الرحلة القدسية في 21 بيت شعري من بين 72 بيتا تم بناؤها  بشكل هندسي بارع، مواد بنائها جميعُها من معلومات وصفات ووقائع تاريخية ذُكرت في السيرة النبوية العطرة، منذ بداية الإسراء إلى  سدرة المنتهى ثم المعراج والعودة إلى مكة، مرورًا بما رآه سيدنا محمد (ص) في السماوات العُلى, ومن أسرار السماء، حيث كلّمه ربُه، وكيف زُج به إلى النور الأعظم، وكيف أن جبريل عليه السلام أمر البراق بأن يهتم ويصعد به رويدا رويدا لأنه يحمل نبي الزمان. مُستغربا من وجود سفينة فضاء في هذا العصر على هيئة بُراق لم يره أحد من قبل ولم تحمل إنسا ولا جنا مطلقا سواه (ص), ويتكرر أسلوب الالتفات في تنوع ملحوظ ومنتشر
فمرة يخاطب القدس ومرة يخاطب نفسه ومرة يخاطب العرب ومرة يقول يا أمتي  حين يقول :
إذا لم تثوروا لبيت السماء… وتنتقذوا قدسه من وهن..!
أعنه أبابيل طير الغيـــوب…   تقاتل أعداءه من فنن ..؟
فثوروا جميعا لبيت السلام… ليبقى لنا القدس فيه السكن
فهل يقظة من رقاد ترى ….. وصجوة عالمه من وسن .؟
أرى أملي فيه يا أمتي … ليخلص قس الهدى لي وطن ..
***
(عاشق الاستطراد والحكي)
وبسبب الميل إلى الاستطراد يأتي السرد القصصي والحكي التاريخي المعلوماتي كنوع من هذا الاستطراد… وله مبرراته القوية في قصائد الشيخ بعامة… فعندما يتوتر الواقع يأتي السرد ليدوّن اخترافاته عبر تشريح الواقع وفضح خطاباته المؤدلجة ..
وفي هذا النص تعددت دلالات هذا السرد ومبرراته وأهدافه مع القبض على الفكرة وإحكام البناء الشعري.. ولذا فمن المنطقي جدا لجوء الشاعر للسرد التاريخي وشغفه به .. ويصبح السرد غواية له ..
ولست أقصد السرد الذي كُتبت به المقامات والحكايات والنوادر في الأدب العربي،
لا… بل أقصد سردا شعريا يحكي أحداث التاريخ ملتزما بالوزن والقافية وبالصورة الشعرية وبكل أعمدة الشعر العربي الأصيل..!
،
وفي مشهد شعري متفرّد، لم تقع عيني عليه في وصف الرحلة من قبل، إلا أن الشاعر عاشق الاستطراد السردي لا يأتي به من فراغ ــ   بل ليؤكد في الصورة القادمة على أنه حتى لو كانت سفينة كهذه قد وُجدت فلم تكن لخير الأمم وإنما لجلب المحن، إشارة إلى الطائرات الحاملة لأسلحة الدمار الشامل مثلا، بينما صعد البراق طائرا بالرسول (ص) لمهمة غاية في النبل هدفها خير الإنسانية جمعاء.. يقول :
وأنّى ترى سُفنا للفضاء……. لغير النبي لإنس وجن .؟
وإن تك كانت فليست لخير,, كرحلته بل لجلب المحن
ويظل يصف الرحلة مارًا بعناية السماء التي تحيطه وترعاه ليعود سالما.. فرحلة من الأرض إلى السماء لا شك صعبة ومحفوفة بالخطر يقول:
تذكرتُ يا قدس اسراره .. وإذ كان قاسي شديد الإحن
وحين تحداه قوم لــــــه …..  أبر لـــــــه ووقاه الأقن
أي برّأه من شك المتشككين .. ووقف بجانبه ضد المكذبين.. ودفع عنه كيد الكافرين..
وهنا لا يتمالك الشاعر نفسه فيبكي وتنهمردموع مهجته، وزيادة في الألم يجعل الدموع تنهمر من الحزن.. وكأن الحزن عيون تسيل منها الدموع على القدس المحتلة صاحبة كل هذه االذكريات الجميلة..
فهو إذن يستخدم مظاهر القص في قالب شعري مهندم .. بما يهدف إليه من غواية المتلقي أيضا للحكي، وحبه للاستماع بالقصص والحكايات حيث جُبل عليها منذ الصغر. تاركًا في نفس المتلقي انطباعات معينة هي في معظمها تحفيزية.
***
(الشعر المنبري الواقعي)
دعوني أقول : هذا هو الشعر المنبري الواقعي في ثوبه الفضفاض.. وفي أرقى صوره.. تباركه الصورة الشعرية في كل بيت تقريبا.. ويعضد من شأنه منادَى قدّسته السماء واكتسب قدسيته أيضا من حروف اسمه (القدس) . شعر يرتدي ثوب القُضاة ويقف في محكمة الحياة مدافعا عن الأرض السليبة وعن أبنائها ويشيد بدور أطفالها جنبا إلى جنب أهليهم، فيأتي في نبرة عالية الصوت.. حماسية.. هادئة حينا وانفجارية في غالب الأحيان لدواع في النفس والقلب ولدواع أخرى يحكمها العقل والتفكير العميق في الأمر.
وأقول الواقعي لأن قصائد الشيخ ممتلئة بالأحداث الحقيقية وخاصة الأحداث التاريخية حين يذكر القدس فيذكر كل ما يتعلق بها  مثال ذلك :
ــ أماكن لها علاقة بها كغزة وأريحا وقبة الصخرة والقلاع وبيت لحم ، ومكة
ــ وشخصيات عاصرت ذلك كالخليل إبراهيم و أسباطه وموسى وعيسى  ويعقوب وأدم عليه السلام ونبي الله (ص) وجبريل عليه السلام …وقيصر الروم ونتنياهو وباراك ورابين  وشارون وريتشارد قلب الأسد وحتى أطفال الحجارة.. وشعب فلسطين.. وهيكل سليمان .
ــ وغزوات كموقعة حطين وعين جالوت
ــ وحتى حمائم رفرفت حول المسجد الأقصى يذكرها والطير الابابيل
تلك الواقعية في الأحداث والشخصيات التي تفرض عليه السرد التاريخي والحكي المعلوماتي .. في مواقعه تماما  دون حشر يضر بالعمل..  مع استلهام البناء القصصي يمنح النص جماليات أخرى.
***

( خطاب التساؤلات )
وتكثر أسئلة الشاعر في النص للحد الذي يمكنني من وصفه بنص التساؤلات..
حين يتوقف عن البكاء والنحيب كابحًا جماح دموعه ليتساءل عدة أسئلة محيرة ساخرة من واقع أليم، موجهًا أسئلته إلى كل عاقل حكيم، للإعلام، للعرب وللمسلمين إلى آخره كالتالي :
1ــ أبَيتُ السلام يُغار عليه …؟؟
2ــ أيهدمُ من صرحه المُغتبن …؟؟
3ــ أيُحرمُ منه ذوو قُربة ..؟؟
4 ــ ورايات إسلامه توتفن ..؟؟
5 ــ ويُخرسُ صوت حمام الهدى ..؟؟؟
6ــ وهل دون روح يعيش البدن ..؟؟
ستة أسئلة مُرة ولاذعة جاءت بشكل تراكمي متتالٍ وبإيقاع سريع، تحمل سخرية من الواقع ومن الموقف العربي تجاهها، ليخرج من تساؤلاته بتقرير يبيّن ويلوم كل من إلى ذلك سعى وكل باغ بغى وكل غابن لحق غبن.. فيختمها بقوله :
(فيا بئس باغ لحق غُبن)..
ستة أسئلة  وغيرها متناثرات تلخص قضية القدس وممارسة كل أنواع الظلم عليها:
1ـ إغارة عليها ..  2ـ سلبا لها .. 3ــ هدما لصرحها … 4 ــ حرمان ذوي قربة منها..   5ــ رايات الإسلام التي لم تعد مرفوعة بها ..
***
(                               (العودة إلى الاستطراد
ثم يعود للاستطراد مرة أخرى، مبررًا ضرورة الاهتمام بالقضية لأسباب كثيرة أهمها:
1ــ (في القدس روح لجسم ثوى) إشارة إلى أنبياء ورسل يحتويهم تراب القدس
2ــ أنها (موطن الخالدين) حيث لم يستطع قيصر الروم استلابها والسيطرة عليها
3ــ وأن صلاح الدين الأيوبي قد بكى عليها بالفعل حينما رأى (مجدها قد دُفن).. فحرّرها وجعل ريتشارد قلب الأسد يموت غيظا وأسى.. بل وبدأ يضعف موقفه تماما وبكى هو الآخر عليها حيث انهزم، ( على أنه لم يجدها وطن).
4ــ أنها (بيت مهد المسيح لدى بيت لحم).. حين لقنه الله الرساله والدين الجديد
5ــ أنها شهدت موقعة عين جالوت وموقعة حطين قديما ..ثم شهدت حديثا على رابين ونتنياهو وشارون وأتباعهم.
6ــ أنها (مهبط المرسلين ومأوى رسالاتهم)
7 ــ أنها (قِبلة الله التي ناجى الخليل فيها ربه)
8 ــ أن (سيدنا يعقوب أوصى بنيه) وهو يحتضر بالحفاظ على القدس
9 ــ وأننا على الدرب سائرون .. ولم يعد لنتنياهو أو غيره مكان بها.
وشعرًا بديعًا جاءت كل هذه الدلائل في رحلة تاريخية عريقة، كفيلة بأن تجعل القضية في صف القدس وأصحابها.. كمحامٍ وكلته البلاد للدفاع عن القدس..
***
(العودة إلى الشجن)
ويعود الشاعر إلى الحنين والشجن والجفون التي ذبُلت والدموع التي هتنت وسالت حارة هتونا رغم بارقة أمل قد تبدو في الأفق.. يقول:
دموع على باب قدس السلام.. جرى نهرها في خدود الزمن
لتصبح هذه الدموع لحن السنين أمام صمت العالم وصمت الإعلام، أمام محاولات تهويد القدس، متعجبًا من أن شارون قد يأخذها رغم وجود فِرَق المقاومة كبارا وصغارا رجالا وأطفالا  كم لاقو الأمرين في سبيل تحريرها.. حتى أن طفل الحجارة أصبح هو بطل هذه القصة كاملة، فأشعل هذا البطل جنون ( باراك ) وزير الدفاع أنئذ في إسرائيل والذي لم يقم بما يجب تجاه مذابح صابرا وشاتيلا….!!
..
ومع أسلوب الالتفات وقت مخاطبة القدس بشكل مباشر؛ يعود مرة أخرى لأسلوب طرح الأسئلة لمنع الملل الذي قد يصيب القارئ نظرا لطول النص وكثافة ما به من معلومات وأحداث فيقول متسائلا  :
1ـ أيهدم بيت بناه الخليل  ….. ….. وأسباطه من قديم الزمن..؟
2ـ أيبعث ف بيت مسرى النبي. ومن حوله العرب صمت أسن..؟
3ــ أطفل الحجارة يلقى المنون …… وما دمع جفن له قد هتن..؟
4ــ متى تغضبون لقدس بكاه …. ….. واطفاله يحملون الكفن..؟
5ــ أيقتل في القدس صوت الأذان، وناقوس عيسى براه الشجن..؟
6ــ أعنه أبابيل طير الغيوب ………….. تقاتل أعداءه من فنن..؟
7ـ فهل يقظة من رقاد سرى………. وصحوة عالمه من وسن..؟
8ــ أيقتل في القدس صوت الاذان … وناقوس عيسى براه الشجن.؟
9ــ أيعبث في بيت مسرى النبي.؟؟
10ــ أطفل الحجارة يلقى المنون ..؟؟
11ــ متى تغضبون لقدس بكاه وأطفاله يحملون الكفن..؟
12 ــ أيقتل في القدس صوت الاذان…؟
13ــ أعنه أبابيل طير الغيوب تقاتل اعداءه ..؟؟
14ــ فهل يقظة من رقاد ترى ..؟
وأخيرًا محدثا  أمته خاتما النص ببارقة الأمل التي ننتظرها :
أرى أملي فيك يا أمتي ليخلص قدس الهدى لي وطن

الأبيات من 59 الى 72 .. أراها كشحنات غضب صاروخية موجهه للعالم أجمع..
مشاعر تفيض أسى وانتحابا على قدسنا الشريفة .. طلقات صارخة في وجه الظلم والمعاناة التي وسعت تلك البلاد فطالت الأطفال وأمثالهم يتمتعون بكل أساليب العيش الكريم….!!
ستة أسئلة في منتصف النص تقريبا وما يقرب من خمسة عشر سؤال قُبيل ونهاية النص كلها خارجة من قلب محموم وتدين صمت العرب وتعيب عليهم موقفهم الواضح..
فنحن أمام نص باذخ ومزدحم بالتساؤلات الحائرة دون خلل رغم كثرتها. يبدأ متسائلا وينتهي متسائلا لكي يشرك القارئ معه ويُدخله في معترك الحالة ويحمسُه لاستكمال نص طويل للنهاية.
وتأتي التساؤلات في شكل ديالوج مع النفس مرة وفي شكل حواري مع الآخر مرة أخرى… سواء كان الآخر فردا أو جماعة مثلما يقول (فثوروا جميعا لبيت السلام)
ولابد ان نعترف لان السؤال هو الذي قاد نيوتن الى اكتشاف منطق الجاذبية حدسيا.

كما أن  روح السؤال هي التي جعلت كبار الفلاسفة والعلماء يدفعون الثمن غاليا عن طرحهم لأفكارهم الحرة الطليقة والتي توقظ النفوس، وتستفز أولئك المغتربين عن الحق .. من هنا يقف هذا النص شامخا هو وصاحبه بجانب ديكارت ونيوتن وغاليلي وابن رشد. ولا يقل  عن ذلك .
**
وحيث إن  النص يتأرجح بين أسلوبين من أساليب البلاغة الفنية (طرح الأسئلة الساخرة) و (أسلوب الالتفات والانتقال)  كركيزتين هامتين في النص فقد تم تعامل   الشاعر معهما بكل دقة والتزام بأماكن كل منهما دون خلل أو إضعاف للنص،
ومثال ذلك :
وقتما كان يلزم السرد والحكي التاريخي ثم فجأة ينتقل بالحديث ليخاطب القدس بـ (يا قدس) التي تكررت (5 مرات) في صورة أسلوب النداء بيا في صورته الطبيعية حيث المنادى المفرد
أو حين يقول ( يا قبة القدس ) حيث المنادى في شكل المضاف والمضاف إليه
أو حين يقول ( يا قدسنا ) المنادى مضاف إلى (نا النسب) وليست (نا الفاعلين)
أو حين يقول ( أيا بنت مقدس روح السماء ) حيث المنادى جملة كاملة
أو حين يقول ( أيا زهرة ) مستخدما أداة النداء وبعدها الرمز ( زهرة )
:

هذان الأسلوبان بجانب الصورة الشعرية الرائعة كفيلان بجعل هذا النص من أروع ما قدم الشاعر في مجال شعر المقاومة, لأنهما من أهدافهما جذب الانتباه ودفع القارئ دفعا للتورط في النقاش والدخول في الحالة إلى النهاية..
***
(دور الأفعال في النص)
وبكثرة ملحوظة لاستخدام الأفعال تم بناء هذا النص .. حيث يسيطر الفعل الماضي بشكل قوي على النص، وإن كان الفعل المضارع يلعب دورا بارزا أيضا في استحضار حالة الشجن والحنين إلى الذكريات التاريخية والدينية والانسانية وحتى العسكرية بشخصياتها للدلالة على استمراريتها، وأنه رغم تقادم الحدث وعراقته فإنه لا يزال يثير في النفوس كل هذه المشاعر الجياشة نحو القدس كمكان مقدس له ما له في نفوس المسلمين بعامة. فكانت الأفعال المضارعة تتسارع في النص وتنتشر بشكل واضح وكأنها في سباق ما مع الفعل الماضي الذي تواجد بشكل غير قليل أيضا في مواقف استرجاع تاريخ تلك البلاد على مجى عصور وبشكل مكثف جدا ..
فيما يأتي المبني للمجهول بشكل أقل .. فجاء الفعل المضارع تقريبا (30مرة ) مع ارتباطه بالحنين والشجن والأمل.. فيما جاء المبني للمجهول ( 14 مرة ) بينما جاء الفعل الماضي (75 مرة ) مع ارتباطه بوصف رحلة الإسراء والمعراج كحدث قديم وهذا الأمر جاء طبيعيا تلقائيا مناسبا للأحداث وللبناء الفني في النص ..
وقد نجح الشاعر في ابراز الدلالات الزمنية والمعنوية لهذه الأفعال من خلال القرائن اللفظية والمعنوية إثباتا ونفيا ..
وأركز على الفعل الماضي باعتباره الأكثر في النص فأقول إنه أدى وظائفه بشكل قوي من حيث  الحركة والانتقال والسرعة والتبدل والوصف المتحرك والحيوية والرصد الواضح لأهم الاحداث ونقل مشاعر الخوف والقلق المعجونة بماء الثقة في الله وأحقية القدس لأصحابها مع ضرورة أن يغير العرب موقفهم لصالحها ..

ملاحظات عامة:
لأول مرة أرى أفعل تفضيل يأتي على هذا النحو (الأقن). ويذكر أن كلمة (سفنا) مكتوبة ( سفن ) في البيت رقم 21 … في قوله : (وأنى ترى سفن للفضاء) وصحيحها سفنا ومثلها يقع تحت بند الأخطاء المطبعية لا أكثر… وقد يؤخذ عليه أنه أحيانا يلوي ذراع القافية مع وجود اشتقاقات كثيرة بكر لم  نسمع بها مسبقا.. وغيرها لها شواهد في الشعر العربي  ونثره … فيما تظل الضرورة الشعرية دائما حليفة له .,, وهو دائما يوحي بمبرراته في ذلك استنادا على قول ابن جني: “يجوز لنا في الشعر ما جاز للعرب” .. في التقديم والتأخير والحذف والفصل إلخ بما لا يستهجن ولا يستوحش …!!
فقط أحب أن أشير إلى أنه إذا كانت بعض المفردات في نصوصه تعد الآن من مهجور الكلام… لكنها في وقتها لم تكن كذلك ..
..
ويحمد له أنه شاعر يستمتع بالسرد، يستهويه الحكي، ويريد لنا أن نستمتع معه بقصص الأقدمين..
شاعر مأخوذ بالتاريخ يفخر به أمام العالم ويتلذذ بعرضه واستعراض أحداثه الكثيرة التي يحفظها عن ظهر قلب، فتأتي طوعا دون مجهود، شاعر يخضع لغواية السرد والتأمل في الماضي والحكي المعلوماتي حيث تكثر المعلومات عن المكان والأشخاص  والحروب والهزائم والانتصارات والاحداث التي دارت هناك وعن الواقع المعاصر للقضية ولو قمنا بتعداد ذلك كله لأخذنا وقتا طويلا..
**
وختاما فخر لي أن أقوم بتحليل إحدى قصائد شاعرنا الكبير رحمه الله كما وعدت في مؤتمر سابق. واعذروا لي تقصيري، فكما قلت إن هذا الشاعر يحتاج إلى كتيبة من النقاد والأساتذة والمبدعين لدراسة كل اعماله ..
أعانكم الله وسدد خطاكم ومعكم على الدرب نستكمل ما بدأناه لتظل أعمال الشاعر منارة ونبراسا للأجيال القادمة يتعلمون منه فنون الشعر والنثر والمسرح بكل الأغراض الفنية، ومنعًا لبحر متدفق من التراث الأدبي من الاندثار …
بوركتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: