كتابٌ وعالِم – النظام الضريبى فى الإسلام ودوره فى تحقيق العدالة – الجزء الأول

كتابٌ وعالِم - النظام الضريبى فى الإسلام ودوره فى تحقيق العدالة - الجزء الأول

تقديم الشاعرة الكبيرة شريفة السيد

 

نستعرض اليوم  كتاب: النظام الضريبى فى الإسلام ودوره فى تحقيق العدالة. للدكتور محمد المصري الباحث الإسلامي، وهو موضوع رسالته للماجستير والتي حصل عليها منذ عامين تقريبا… وقدم للكتاب  الدكتور السَّــيِّـد إِبْـرَاهِـيم أَحْمَد رَئيس قسْم الأدَبِ الْعَرَبِيّ باتِّحَادِ الْكُتَّابِ وَالْمُثَـقَّـفِين الْعَرَب

هذا كتابٌ جاء ليتناول النظام الضريبي في الإسلام ودوره في تحقيق العدالة، عبر ثلاثة فصول بدأت بالفصل الأول الذي تناول “الضريبة في الفكر المالي الإسلامي”، وتلاه الفصل الثاني وعنوانه: “قواعد العدالة بين الفكر المالي الوضعي والفكر الإسلامي”، وجاء الفصل الثالث والأخير بعنوان: “العدالة الاجتماعية بين الضريبة والزكاة”. وقد ضمت هذه الفصول عددًا من المباحث التي تفرع عنها عددا من المطالب، هذا عدا المقدمة والنتائج والتوصيات وعددًا من التمهيدات التي أوردها الكاتب في أغلب مباحث الكتاب وفصوله.

لعل من الضروري أن أشير إلى وفاء الكاتب في رد الفضل إلى أهله إلى سمو الأمير الفضل بن العباس آل الدندراوي، أمير جموع قبائل وعائلات الأسرة الدندراوية، وهو من أفذاذ الرجال في علوم الدين والدنيا ولسموه باع طويل في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال على مستوى الوطن العربي، وليس غريبا على فهمه الثاقب للزكاة وهي من أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

على الرغم من الكتب التي تناولت مثل موضوع الكتاب من زوايا متباينة إلا أن هذا الكتاب فيه من أنفاس كاتبه وجهده الشيء الكثير؛  فهو عالمٌ جليل قضى جُلَّ عمره في الدعوة إلى الله تعالى، والوقوف على معالم السيرة النبوية بالشرح والتفصيل والتأصيل، حيث شهدت له المنابر وساحات العلم ومنتدياتها بالحضور الدائم على مدى عقود من الزمن، ولهذا جاء كتابه بقدر ما خبر من الإحاطة بنظام الضريبة في الإسلام وتشريع الزكاة في الإسلام ليس لكونها شعيرة تعبدية فقط، ولا لكونها مصدر لجباية أموال المسلمين من الأغنياء أو من بلغ ماله النصاب الذي تجب فيه الزكاة خلال العام الهجري، بل لأنها أيضا تؤدي دورًا هامًا في الدولة الإسلامية، كما أنها لا تماثل كافة المؤسسات المالية الحديثة البديلة ولا تقوم مقام الزكاة بأي حال.

على أن المقدمة مهما بالغت في فيها من الإحاطة بمضمون الكتاب لا تفي بما فيه من فرائد وفوائد وفرائد، ولعل إطلالة على عناوين المطالب لتدل دلالة كافية على ما أشرت إليه من جهد الكاتب والباحث والعالم الأستاذ محمد المصري؛ فقد نجح بامتياز في الإفلات من أكاديمية العبارات الجافة، والإحالة على التفاصيل الفقهية الدقيقة، إلى خلق كتاب هو أقرب للقارئ المهتم منه إلى القارئ المتخصص ويجد كل منهما بغيته دون نقص أو تسطيح، في عبارة سهلة، وإيراد للأدلة والبراهين التي زاوجت بين النقل والعقل في سلاسة، ومن يطالع النتائج والتوصيات سيعلم أن الكاتب قد بذل جهدا كبيرا في إمكانية تطبيق ما جاء بكتابه في واقع المجتمع الإسلامي، بل بين دور الزكاة في جانبها الشرعي وجانبها المالي والاجتماعي في الإسلام وارتباطها بالعقيدة والإيمان وأن مصدرها رباني نزل مؤيدًا بالوحي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأن للزكاة شق تعبدي شرعي وشق اجتماعي ولا ينفصلان ولا يتضادان لأن الغاية منهما واحدة وهي الضمان الاجتماعي طبقا للأخوة الإيمانية التي توجب التكافل، كما بين أن الضريبة لا تغني عن الزكاة غير أن فرض الضريبة بشري أما فرض الزكاة فإلهي وهو ما يوجب الكمال للزكاة.

هذا كتاب ماتع رائع، حاول فيه كاتبه أن يجعله سياحة فكرية فقهية مالية اقتصادية اجتماعية تعبدية، وازن فيه بين أقوال الفقهاء من القدامى والمحدثين، وأقوال المعاصرين من أهل التخصص في النظام الضريبي المعاصر، وقد جاءت المراجع شاهدة في مصادرها وكتبها ودراساتها التي ارتكز عليها الكتاب لتشهد بمقدار ما بذل العالم الجليل دكتور محمد المصري من جهد وجب توجيه الشكر والثناء له  منَّا، والثواب الجزيل من المولى تعالى ونفع الله بعلمه المسلمين.

دكتور السَّــيِّـد إِبْـرَاهِـيم أَحْمَد

رَئيس قسْم الأدَبِ الْعَرَبِيّ باتِّحَادِ الْكُتَّابِ وَالْمُثَـقَّـفِين الْعَرَب

 

ويقول الباحث في مقدمة الكتاب :

مقدمة

تعتمد الدولة فى الفكر المالى الإسلامى على إيرادات متعددة , وفى كثير من الأحيان لا تكفى حصيلة هذه الإيرادات لتحقيق الأهداف التى ترجوها الدولة , لذا تفرض الدولة ضرائب على القادرين لتستطيع أن تواجه زيادة النفقات فى المجتمع . وإذا تحدثنا عن الضريبة فى النظام المالى الإسلامى , سنجد أن النطام المالى الإسلامى لايوجد فيه مصطلح الضريبة , لأن هذا المصطلح حديث , ولكن يوجد ما يقابله وهو مصطلح التوظيف , وهذا المصطلح يعنى أن تفرض الدولة على القادرين مبالغ معينة لتستطيع أن تفى باحتياجاتها , ولعل أول ما يلفت النظر فى هذا اللفظ هو تشابهه مع لفظ ” التوظف ” والذى يعنى قيام بعض أفراد المجتمع بشغل وظيفة ما للقيام بعمل مقابل أجر أو راتب .

أما مصطلح  “التوظيف ” فهو يعنى العملية التى يقوم فيها الحاكم بفرض التزامات مالية معينة على القادرين لأغراض معينة مشروعة وفق ما أجازه الفقهاء . وهذا يعنى حق الدولة فى فرض ضرائب فوق الزكاة وسائر التكاليف المحددة بالكتاب الكريم والسنة المطهرة ، وذلك وفقا لظروف المجتمع الإسلامى ، ومما لاشك فيه أن هناك أدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال الصحابة وآراء الفقهاء على حق الدولة فى فرض ضرائب فوق الزكاة ، ففى القرآن الكريم قال تعالى: (لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىَ حُبّهِ ذَوِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ وَالسّآئِلِينَ وَفِي الرّقَابِ وَأَقَامَ الصّلاةَ وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ والضّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ) [سورة: البقرة – الأية: 177]

ومن السنة المطهرة ما رواه الترمذى من قوله صلى الله عليه وسلم ( ” إن فى المال لحقا سوى الزكاة ” ثم تلا قوله تعالى ” لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ . . . الآية ” ) تفسير الإمام القرطبى وابن كثير ، وأيضا قول النبى صلى الله عليه وسلم ” من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لازاد له ، قال : فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لاحق لأحد منا فى فضل ” رواه الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدرى .

وأيضا من أقوال الصحابة قول الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ” إن الله فرض على الأغنياء فى أموالهم بقدر ما يكفى فقراءهم ، فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء ، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه” .

تمهيد

رأينا كيف جاء النص القرآنى ، والحديث النبوي ليؤكدا أهمية تنظيم إنفاق المال من الأغنياء للفقراء ، وإذا رجعنا الى أقوال الفقهاء فى تعريف فقه التوظيف لوجدنا أن الإجماع فى تعريف التوظيف نابع مما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية اللذان يحثان المؤمنين أن ينفقوا مماآتاهم الله وذلك من خلال إخراج الزكاة والصدقات,وكذلك القيام بالتضامن والتكافل الاجتماعى إذا ما احتاج المجتمع إلى المزيد لسد حاجته.

يقول الإمام الشاطبى :” إنه إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند إلى مال يكفيهم فللإمام إذا كان عدلا ، أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا فى المال إلى أن يظهر مال بيت المال ، ثم إليه النظر فى توظيف ذلك من الغلات والثمار وغير ذلك “.

ويرى الإمام ابن حزم أنه ” فرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك ، إن لم تقم الزكوات ولا فىء سائر المسلمين بهم ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذى لابد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يكنهم من المطر والشمس وعيون المارة ”

يقول الإمام الجوينى ” وأما سد الحاجات والخصاصات فمن أهم المهمات , فإذا بنينا على غالب الأمر فى العادات , وفرضنا انتفاء الزمان عن الحوائج والعاهات وضروب الآفات , ووفق المثرون الموسرون لأداء الزكوات , إنطبقت أموال الأغنياء على أقدار الحاجات ”

وهنا يقرر الإمام الجوينى أن من أهم مسئوليات الحاكم أن يشبع حاجات الأفراد , ويسد جوعتهم , ويحفظ لهم الحد الأدنى للمعيشة , وهو ما يسمى بحد الكفاف ؛ أو بمسئولية الحاكم فى الضمان الإجتماعى . هذا إذا كانت الأحوال عادية , وتكفى أموال الأغنياء (الزكوات) لسد حاجة الفقراء , فيكون بذلك أداء الزكاة كفريضة كافية للقضاء على الفقر .ويقول الإمام الجوينى ” وإن قدرت آفة وأزم وقحط وجدب وعارضة غلاء فى الأسعار تزيد معه أقدار الزكوات على مبالغ الحاجات , فالوجه إستحثاث الخلق بالموعظة الحسنة , على أداء ما افترض الله عليهم فى السنة , فإن اتفق مع بذل المجهود فى ذلك فقراء محتاجون لم تف الزكوات بحاجاتهم , فحق على الإمام أن يجعل الإهتمام بهم من أهم أمر فى باله , فالدنيا بحذافيرها لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسلمين فى ضر , فإن إنتهى نظر الإمام إليهم رم ما استرم من أحوالهم ”

يرى الإمام الجوينى ، أنه فى الأحوال غير العادية وحين تواجه الأمة أزمة , أو قحط عام , أو ضرر , أو غلاء فى الأسعار , أو أى موقف عارض – وبفرض أن الزكاة لم تف للقضاء على هذه العوارض – فعلى الحاكم أن يستحث الأغنياء والموسرين بالحسنى على أداء ما افترض عليهم من زكوات .

وفى حالة عدم كفاية الزكوات لسد حاجة الفقراء – رغم بذل المجهود فى ذلك – فمن أهم مسئوليات الحاكم أن يهتم بأمر هؤلاء الفقراء , ويضع فى حسبانه وأولوياته وضع الحلول المناسبة لإشباع حاجاتهم , لأن الدنيا بما تحويه من متاع وزخارف , لا تساوى شيئاً بجانب تضرر فقير مسلم . ويؤكد إمام الحرمين على أن هذا العمل من الواجبات التى تقع على عاتق الحاكم , لأنه متى بلغه هذا عن الفقراء وجب عليه أن يرمم ما يستطيع من أحوالهم , للخروج بهم من هذه العوارض

وهكذا نرى من استعراض أقوال بعض الفقهاء إتفاقهم على أنه لا تفرض ضرائب إلا عند الحاجة وبشرط أن لا تكفى الزكاة للقيام باحتياجات المجتمع ، وكذلك يتم التوظيف على الأغنياء ليعود على الفقراء وذلك بإنشاء دور التعليم ، والمستشفيات ، والمصانع ، وتعبيد الطرق ، وشق الترع ، وإعداد العدة للدفاع عن البلاد .

وما دمنا قد بدأنا بذكر التوظيف فنلاحظ أن الذى يقابل التوظيف فى الفكر المالى الوضعى هو لفظ الضريبة , والضريبة فى العصر الحديث تعتبر من أهم أنواع الإيرادات العامة التى تعتمد عليها الدولة فى تغطية نفقاتها، وقد افاض شراح المالية العامة فى بحوثهم للنظرية العامة فى الضريبة وتتبع قواعدها وأحكامها الفنية والتصدى للمشكلات التى تثيرها.

وتعمل الدول على ان تكون لها سياسة ضريبية تحقق أغراضا اقتصادية واجتماعية وسياسية على اختلاف أنظمتها , كما تستخدم كأداة مهمة فى عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية  وذلك من خلال قيام التنظيم الفنى للضرائب بوضع سياسة ضريبية متجانسة ومتوازنة , يراعى فيها كل القواعد الفنية الأصولية , والمبنية على فكرة العدل والمساواة ، وكذلك وضع تشريع ضريبى مستقر وواضح يعبر عن تلك السياسة , ووجود جهاز ضريبى على قدر عال من الكفاءة , يتولى تطبيق التشريع , وتنفيذ السياسة على أفضل وجه , واحترام المبادىء والأصول العلمية التى تكفل إيجاد نوع من التوازن بين كيان الدول والمجتمعات ككل ومصلحة الفرد لأنه هو الممول. مما يؤدى إلى استقرار الحصيلة الضريبية التى تستخدمها الدول فى تحقيق أهدافها .

وعلى ذلك فإن هناك مجموعة من القواعد يجب على المشرع مراعاتها عند التخطيط لأى نظام ضريبى ، حتى يصبح النظام سليما صحيحا ، والواقع أن هذه المجموعة من القواعد تعتبر بمثابة الدستور العام الضمنى الذى تخضع له القاعدة القانونية الضريبية ، وقيام الدولة باحترام هذه المبادىء والقواعد عند فرض الضريبة هو الذى يخفف من حدتها ويجعلها مقبولة ومستساغة لدى الأفراد ، بينما الإخلال بها حجة للقول بظلم الدولة للأفراد وتعسفها فى استعمال حقها فى فرض الضرائب .

ولعل أول من نادى بهذه القواعد فى الفكر الوضعى ووضع لها الأساس هو ” آدم سميث ” عند حديثه عن الضرائب باعتبارها موردا من موارد الدولة ، ,ذلك فى كتابه ” ثروة الأمم” ، وهذه القواعد هى : العدالة ، اليقين ، الملاءمة ، الإقتصاد . وسوف نتحدث عنها بالتفصيل فى موضعها إن شاء الله .

ونظرا لأهمية تحقيق العدالة والمساواة التى تكفل إيجاد نوع من التوازن بين كيان الدولة والمجتمع ككل ومصلحة الفرد باعتباره ممولا ، فإنه يصبح بالفعل التعبير عن الكيان الواحد لأفراد الجماعة كلها تعبيرا دالا على تحقيق مصالحهم العامة والخاصة ، بينما يمثل عدم مراعاة العدالة والمساواة فى النظام الضريبى للدولة خروجا على المبادىء والأصول العلمية .

وكثيرا ما نرى فى التاريخ الأمثلة على إنحرافات الأنظمة الضريبية والمالية ، وحدوث الإضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى كثيرا ما نجمت عنها الثورات وتبدلت الأنظمة ، فالضرائب عند الرومان أدى فشلها فى تحقيق العدالة الإجتماعية إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية ، وفى فرنسا قامت الثورة لأسباب عديدة من أهمها عدم عدالة الضرائب وعدم كفايتها . ولكن هدف الوصول لتحقيق العدالة الاجتماعية يعتبر هدفا بعيد المنال من الناحية العملية , لأن الانظمة الضريبية -على اختلاف تطبيقها بين دولة وأخرى – لم تصل إلى تحقيق هذا الهدف فى معظم الدول.

وإلى اللقاء في الجزء الثاني

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: