المقاصد والحياة ( /109/2 )     

المقاصد والحياة ( /109/2 )     

أ.د/ محمد العتربي  

جامعة السلطان عبد الحليم الإسلامية  ( UniSHAMS)

 

نواصل حديثنا عن علاقة المقاصد بالحياة ،لكن مع مقاصد رمضان المبارك الذي أظلنا برحماته وبركاته ،والله تعالى رب كل شيء، وتتجلى مقاصد رمضان فيما يلي:

1-مقصد المراقبة :ان تعلم أن الله معك ناظر إليك مطلع عليك ؛فكثيرا ما يغفل المرء عن تلك الحقيقة، يقول تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا..الآية)سورة المجادلة  آية : 7.ومن راقب الله نزع عن كل أثم وزور قال صلى الله عليه وسلم : “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.

2- مقصد الإخلاص :الإخلاص سر من أسرار الله تعالى لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده وهو سر الصوم كما جاء في الحديث القدسي  : “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به “.وسر العبادة لله وجود الإخلاص فيها فبدونها العمل هباء محبط قال تعالى : (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)سورة البينة آية :5.

3-مقصد الإرادة القوية :حيث يملك المسلم زمام نفسه يطوعها ويملكها فلا تملكه يقودها ولا تقوده  إلى خصال الخير كلها من جود وكرم وعفة ومروءة وانتصار على النفس وأعداءها صيام القلب والجنان قبل  الجوارح والأركان …إلخ، وقال ابن رجب:

إذا لــم يكـــن في السمــــــع مـــــني تصـــــاون

وبصـــــري غـــض وفي منطقــــــي صمـــــت

فحظي إذن من صومي الجوع والظمــــــــــــــأ

فــإن قــــلت إني صمــــت يوما فما صمـــــــت

قال أحمد شوقي: (الصوم حرمان مشروع، وتأديب مشروع، وخشوع لله وخضوع، يستثير الشفقة، ويحرض على الصدقة، ويكسر الكبر، ويعلم الصبر، حتى جاع من أَلِف الشبع، وحُرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، وألَمَ الجوع إذا لدغ” وجاء في الأثر أنه قيل ليوسف عليه السلام: لم تجع وأنت على خزائن الأرض؟! قال:” أخاف أن أشبع فأنسى الجائع”، ومن هنا شرعت زكاة الفطر تطبيقا عمليا للتراحم والتعاطف الذي اكتسبه الصائمون من شعيرة الصيام، وجاءت كفارة قتل الخطأ والظهار واليمين ومن جامع انتهك حرمة رمضان وكفارات الحج كلها فيها الصيام لأنه علاج النفوس من مفاسدها وزيغها وأدرانها وصيانة لها من الظلم والطغيان التي تقع فيه، وقد دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- الشباب العاجزين عن مؤنة النكاح إلى الصيام فقال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء” رواه البخاري، خشي عليهم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام الوقوع في الفاحشة، فنصحهم بالصوم؛ لأنه يكسر الشهوة، ويقمع الشيطان، ويسد طرقه وأبوابه، ويضيق مجاريه؛ قال عليه الصلاة والسلام: “إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع” متفق عليه.

وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في إحيائه: “صيام الصالحين ثلاث درجات صيام العموم، وصيام الخصوص، وصيام خصوص الخصوص، أما صيام العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وهذا يشترك فيه كل الناس، وصيام الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن سائر الآثام، وهذا لا يتحقق إلا لمن وفقه الله للخير، وصوم  خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكف عما سوى الله عز وجل بالكلية، وهذا لا يكاد يكون في هذا الزمان”.

4- الرحمة :الراحمون يرحمهم الرحمن ومن أجل مقاصد رمضان أن يرحم القوي الضعيف والغني الفقير والكبير الصغير فتنتشر الرحمة العامة التى بها تتنزل رحمات الله على خلقه ،ولله در المنفلوطي حين قالى في نظراته وعبراته : ” لو تراحم الناس لما كان بينهم جائعٌ ولا عارٍ، ولا مغبونٌ ولا مهضومٌ، ولأقفرت الجفون من المدامع، واطمأنت الجنوب في المضاجع، ولَمَحَتِ الرحمة الشقاء من المجتمع كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام ، أيها السعداء أحسنوا إلى البائسين والفقراء ،وامسحوا دموع الأشقياء، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء “..ونستأنف حديثنا عن المقاصد والحياة وعلاقة المقاصد بالأحوال الشخصية في المقالة القادمة ..كل عام وأسرة الديوان الجديد بخير وجميع الأمة المسلمة والعالم كله  بخير ..

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: