الحداثة: زيف خلف ظلال

الحداثة: زيف خلف ظلال

دكتورة: صفاء مصطفى علي

 

ربما أخفت الحداثة زيفها خلف ظلال هذا المعنى اللغوي الذي يشير في مضمونه إلى التجديد والتحديث، والتطوير، لكن سرعان ما يكتشف المنخدعون المنساقون بأهوائهم تحت تأثير غرائزي يتوق إلى التقدم أنهم وصلوا إلى نفق مظلم، دخلوا به إلى التيه، وفي تيههم غفلوا عن داعي الفطرة السليمة وهو ينبههم ويحذرهم من هذه السبيل فضلوا عن علم، فلا حداثة بلغوا، ولا جديدا رأوا، ولم يجنوا في النهاية إلا انسلاخا مخزيا من دينهم وعقيدتهم .

ثانيا: التعريف الاصطلاحي

أما في الاصطلاح فقد كثرت فيه التعريفات لارتباطها بالبيئة الفكرية لصاحب كل تعريف، حيث يأتي تعريفه للحداثة مرتبطا بما يراه في المجتمع وما يعيشه من تيه وضياع. والحقيقة أن مصطلح” الحداثة” يعاني في أصله من أزمة في الاصطلاح، بل هي” أزمة حادة، وتصل حدة الأزمة في أحيان كثيرة إلى درجة العبثية” كما وصفها عبد العزيز حمودة. والأزمة ليست أزمة ترجمة، أي ليست أزمة نقل لفظ أو مصطلح من سياق لغوي إلى سياق لغوي آخر هو العربية…لكن قرائن الاختلاف تؤكد أن أزمة المصطلح كانت دائما نتيجة وليست سببا.

وأنقل هنا تعريفا غربيا للحداثة ذكره الأستاذ عدنان النحوي عن ” جوس أورتيكاكاست” حيث يقول عن الحداثة:” إنها هدم تقدمي لكل القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الأدب الرومانسي والطبيعي. إنها لا تعيد صياغة الشكل بل تأخذ الفن إلى ظلمات الفوضى واليأس”

ويضع عبد العزيز حمودة تعريفا فكريا للحداثة بأنها”إحداث قطيعة معرفية مع الماضي واحتقار التراث، ثم الوصول بالتبعية الثقافية للغرب إلى أبعد نقطة” . وتضع “الدين والعقل طرفي نقيض، على أساس أن الدين فكر غيبي، يتعارض مع التفكير العلمي والعقلاني.  فالحداثة تمثل ثورة على الموروث، ونقده، وتفسيره بحسب وجهة نظر القارئ”

إن الحداثة بالمفهومين اللغوي والحداثي اتجاه هلامي، يحيا وينمو في اللحظة الآنية، ثم لا يلبث أن يتغير في اللحظة الآتية، وبين اللحظتين هدم لقديم كان حديثا، وإنشاء لجديد سيصبح قديما وهكذا دواليك، لنجد أنفسنا ندور مع هذا التيار في حلقة ننتهي منها إلى الطعن في الثوابت وقطيعة الماضي.

لقد نشأ هذا الفكر نتيجة للاضطراب الفكري التي عاشته أوربا في العصور الوسطى الذي يرجع إلى هذه الأسباب”:

  1. سيطرة الفكر الوثني وأدبه على اليونان فترة طويلة، ثم على الإمبراطورية الرومانية حين غلبت فيها الحضارة اليونانية وآثارها وفكرها، ثم استمرار هذا التأثير في أوربا حتى يومنا هذا، على تفاوت في درجة التأثير.
  2. فشل ” المسيحية التي ظهرت في أوربا في تقديم البديل العملي الناجح للوثنية اليونانية، فلم تحمل معها علاج مشاكل المجتمع الأوربي على مدى التاريخ.
  3. توقف المد الإسلامي سواء أكان من الشرق أم الغرب” .

ولقد أدت هذه الأسباب وغيرها من عوامل اجتماعية واقتصادية إلى قيام ثورة على الموروث الثقافي والاجتماعي وحتى الديني. فتلك هي بواكير نشأة الحداثة الغربية التي اتخذت من من الأسباب السابقة مرتكزا للنشأة الذاتية.

وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: