لماذا احتاج المسلمون إلى التفسير اللغوي للقرآن الكريم بعد نزوله ؟

لماذا احتاج المسلمون إلى التفسير اللغوي للقرآن الكريم بعد نزوله ؟

الأستاذ الدكتور رجب إبراهيم

الأستاذ بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه

 

يمكن أن يطرح السؤال بصيغة أكصر جرأة وهي:لماذا لم يحتج الرسول –صلى الله عليه وسلم-إلى تفسير القرآن،وقد كان يخاطب أبا لهب،وأبا جهل وغيرهما..وعلى الرغم من ذلك فهموه،ولم يتعللوا بعدم فهمه ليكون سببا لتبرير كفرهم به،بل كانوا يأمرون أتباعهم بألا يسمعوا لهذا القرآن :” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”(فصلت:26). فهل استطاعت الدلالة اللغوية أن تقوم بدورها في فهم معاني القرآن؟

الدلالة اللغوية وفهم المعنى القرآني:

لا ريب أن الدلالة اللغوية عماد ركين عند المفسرين لفهم النص القرآني،حيث تعددت آراؤهم،وتنوعت مواقفهم  من فهم دلالة اللفظ القرآني.

الملاحظ في القرآن الكريم أنه حينما أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حمل الألفاظ العربية معاني لم تكن معهودة عند الإنسان العربي القديم. نعم، إنه نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين) (سورة الشعراء الآية: 195) ولكن عربيته كانت جديدة في كل شيء قام ببيانه.

إن الذي أبهر العربي وهو يسمع القرآن الكريم ـ إضافة إلى أسلوبه الرائع ـ هو المعاني الجديدة التي استعمل فيها القرآن الكريم الألفاظ التي يعرفها العربي، ولكن حين استعملت في سياق القرآن الكريم أعطت دلالات لم يعهدها العربي في كلامه. إنها معاني قال عنها القرآن الكريم: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ وهي معان نزلت من السماء لإصلاح حال أهل الأرض.

يوضح الدكتور إبراهيم أصبان أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، الدار البيضاء رأيه في ذلك الأمر فيقول:” إن القرآن قد أحدث قفزة كبيرة في استعمال الألفاظ العربية، وذلك بتحويل دلالة ألفاظ اللغة العربية من الاستعمال العربي البسيط إلى نسق مخالف لاستعمال الشاعر الجاهلي والأديب الجاهلي، ولهذا فإن الدعاوى التي تدعو إلى تفسير ألفاظ القرآن الكريم بالرجوع إلى اللغة والشعر الجاهلي وحدهما دعاوي ضعيفة تحتاج إلى حجة، ويستدلون على ذلك بأن القرآن عربي، وأن الإنسان العربي قد فهم القرآن دون حاجة إلى ضوابط تفسيرية.

ويستدلون أيضا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإن فيه تفسير كتابكم”( ).

إنني لا أنفي قيمة هذا الشعر وأثره في فهم ألفاظ القرآن الكريم بل أقول إنه مستوى واحد فقط من مستويات تحليل الخطاب القرآني. فلا يمكن الاعتماد عليه وحده دون وضع النص الذي نريد تفسيره في السياق العام للشريعة الإسلامية بما في ذلك القرآن والحديث النبوي الشريف.

إن اللغويين الذين حاولوا تفسير القرآن الكريم بمعزل عن مراعاة السياق الذي استعمل فيه القرآن الكلمة وقعوا في أخطاء جسيمة( ).

وقد يوضع اللفظ في اللغة لمعنى معين أو يدل عليه لغة وإن لم يوضع له، لكن مراد الله تعالى قد يكون غير ذلك والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:

قال أبو عبيد معمر بن المثنى في كتابه «مجاز القرآن» عندما أراد تفسير قول الله تعالى: (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) (سورة الواقعة،الآية: 29)، قال: زعم المفسرون أنه الموز، وأما العرب الطلح عندهم شجر عظيم كثير الشوك.

وقال الحادي:

بشَّرهَا دليلُها وقالا…. غدا تريْن الطلحَ والحبالا( )

إن صاحب مجاز القرآن فسر اللفظة تفسيرا لغويا بحتا، ولم يراع الاستعمال القرآني للكلمة ولا السياق الذي وردت فيه. ولو أنه استعمل المنهج السياقي في التفسير ونظر إلى السابق واللاحق لعلم أن الآية مسوقة مساق الامتنان؛ فالله تعالى ذكر مننه العظيمة على عباده المؤمنين في الجنة، فكيف يمتن عليهم بشجر كثير الشوك، فالشوك لا يعد من النعم في شيء.

وفي ظلّ التراكم المعلوماتي الحادث في عصرنا هذا، وفي ظلّ تطوّر علوم اللغة واللسانيات وتشعّبها، وفي ظلّ ما يسمّيه البعض “ضرورات العصر” وضمن سياق ما يسمّى “تجديد الخطاب الديني”؛ تُطرح إشكالية “تأويل القرآن” ويُنادى بإعادة تأويله بشكل مجرّد عن أي سياق تاريخي، و”السياق” هنا يشمل روايات السنة النبوية والسيرة ومرويات الصحابة ومن تبعهم من أئمة القرون الأولى. في هذه الأجواء تكون “اللغة” من وجهة نظرهم هي المفتاح.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: