الحداثة: زيف خلف ظلال (2)

الحداثة: زيف خلف ظلال (2)

بقلم: دكتورة صفاء مصطفى علي

لقد أدت الأسباب التي ذكرتها في المقال السابق، وغيرها من عوامل اجتماعية واقتصادية، إلى قيام ثورة على الموروث الثقافي والاجتماعي وحتى الديني. فتلك هي بواكير نشأة الحداثة الغربية التي اتخذت من من الأسباب السابقة مرتكزا للنشأة الذاتية.

لكن الأمر يختلف في ظروف نشأة الحداثة العربية التي لم تعش الظروف الاجتماعية والاقتصادية والهيمنة الدينية التي عاشتها أوربا ودفعتها إلى الثورة على الموروث الفكري والثقافي والديني، “فالحداثة العربية، والثورة على التراث، خارجية المصدر، مستوردة من الخارج، غير منبثقة من الذات، ومن ثمَّ فهي مجرد تبعية وتقليد لكل وافد غربي”

لقد اتضحت غاية الحداثيين العرب واستبانت غايتهم منذ الوهلة الأولى لبزوغ تيارهم الحداثي فهم يدينون بالولاء التام للفكر الحداثي الغربي فتلبس هذه الطائفة” قناعا له بريقه، وتدثر بثوب له مظهره ألا وهو ثوب التجديد، ليس كما فهمه السلف الصالح، بل هو عندهم معنى يزلزل الثقة بمناهج الأقدمين، ويشكك في سلامة الأصول التي توافق عليها أهل السنة والجماعة، وقدمت مفهوما للتجديد يناقض ما استقر فهمه لدى المسلمين.

إنها تيار منحرف فكرا وسلوكا واعتقادا، منحرف في علاقة الإنسان بالتجديد، حين تسعى به في تيه التجديد”سعيا متفلتا من الإيمان والتوحيد، غارقا في ظلال الشرك  والإلحاد”

لقد نجحت الحداثة- للأسف الشديد- في تشكيل وعي كثير من المثقفين العرب، ودفعتهم بعد أن انقادوا لها إلى تغيير رؤاهم ومعتقداتهم بدعوى إعمال العقل، وأن كل ما سبق ملعون ويجب هدمه وتحطيمه بما امتلكوه من معول الحداثة التي لا تقبل في هذ الصراع شريكا فهي تريد أن تكون وحدها لا يشاركها شيء من الموروث الفكري والثقافي والديني.

وثمة ملمح مهم تجدر الإشارة إليه وهو الأساس الذي اعتمدت عليه الحداثة وهو العقل فالحداثة” هي عملية انتشار المنتجات العقلية والعلمية والتكنولوجية وهي بالتالي حالة رفض للتصورات القديمة التي تقوم على أساس ديني طوباوي وتمثل في الوقت ذاته حالة قطيعة مع الغائية الدينية التقليدية، إنها انتصار للعقل في مختلف مجالات الحياة والوجود، في مجال العلم والحياة الاجتماعية، وغاية الحداثة هي بناء مجتمع عقلاني” .

ويصل الدكتور علي أسعد وطفة إلى القول إن ” الحداثة هي حالة ولادة جديدة لعالم يحكمه العقل وتسوده العقلانية. وبعبارة أخرى الحداثة وضعية اجتماعية وحضارية تجعل من العقل والعقلانية المبدأ الأساسي الذي يعتمد في مجال الحياة الشخصية والاجتماعية. وهذا يقتضي وجود حالة رفض لجميع العقائد والتصورات وأشكال التنظيم الاجتماعي التي لا تستند إلى أسس عقلية أو علمية” .

إذن فالحداثة يمكن تقوم على شيئين: ثورة على الموروث، ومركزية العقل. وهي ورم خبيث حري به أن يستأصل فهما حاولوا أن يخفوا حقيقته ليلبسوا علينا ديننا.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: