مائدة حوار د. منير لطفي صحبة د. عاطف لماضة

مائدة حوار د. منير لطفي صحبة د. عاطف لماضة

أجرى الحوار دكتور منير لطفي

= حفْظ القرآن والتعامل مع علومه، يفتح آفاقًا رحبة في الكتابة العلمية والأدبية أمام الكاتب

=  الخلطة السحرية في التوفيق بين مشاغل الطب ومتطلَّبات الكتابة، تتلخّص في (تنظيم الوقت)

= يروقني أن يصطبغ الأسلوب العلمي برشاقة الأسلوب الأدبي، مع مراعاة التيسير على القرّاء عامّتهم وخاصّتهم

= الخطبة الموحَّدة التي تنتهجها بعض وزارات الأوقاف تُعدّ لوناً من تكميم الأفواه

= مدرسة التحليل النفسي جزء أصيل في التعامل مع الأمراض النفسية بشتّى صورها

حين يحفِّظ الأبُ ابنه القرآن وهو في العاشرة، ويشترك له في مجلات الوعي الإسلامي ومنبر الإسلام وهو بعد في المرحلة الابتدائية، ثم يضعه بين يدي ابن كثير والقرطبي والغزالي عبر مكتبة عامرة، ويحرص على مخالطته بكبار العلماء والمربين في محيطه..فلا يسعنا إلّا القول بأن الطبيب والكاتب عاطف لماضة هو صنعة أبيه الشيخ القرآني عبد العظيم لماضة، وأَنعِم بها من صنعة!
في مركز زفتى بمحافظة الغربية كان مولده عام ١٩٥٤، وعقب تفوّقه في الثانوية، التحق بكلية طب الأزهر التي فتحَت أبوابها بصورة استثنائية لقبول طلاب الثانوية أيامئذ، وفيها تخرّج وتخصّص في الطب النفسي وعلاج الإدمان.
وعبر أكثر من دار نشر، أطلّ على الأطفال والناشئة والمراهقين بسلاسل تربوية وإيمانية عدّة، تناولت العقيدة والسيرة والتفسير والحديث والتاريخ، بأسلوب بسيط رشيق يطرق القلب قبل العين. ولم يحرم مرضاه من الكتابة النافعة عن الطب ومشكلاته، سواء النفسية أو البدنية.
ومن وحي ارتقائه صهوة المنابر منذ سنّ الخامسة عشرة حتى لا يكاد من المنبر يَبين نظرا لصغر سنّه وقصر قامته آنئذ، دوّن موسوعته في الخطب المنبرية، لتكون نبراسا لأصحاب العمائم فوق أعواد المنابر.
وإلى اللحظة، ما زال مدادُ قلمه سيّالا هنا وهناك بمؤلَّفات ضمن فلسفة خاصة شبّه فيها الحياة بخريطة مبسوطة على الأرض، حجمها بحجم أعمارنا، وأبعادها وخطوطها رسمها قدَرُ الله تعالى الغالب وقضاؤه الحتمي، فلا نضع قدَما ولا نرفع أختها طولًا وعرضا إلّا وفْق هذه الخريطة الربانية، حتى إذا دبّت القدم على النقطة الخاتمة، سُحبت الخريطة من تحت القدمين، وحلّقت الروحُ إلى بارئها.

وعبر وسائل التواصل التي قرّبَت البعيد ويسّرت الصعب، كان هذا الحوار الرائق:-

  • سؤال قديم، ولكن لا بد منه لتحديد الوجهة والغاية، ألا وهو.. لماذا تكتب؟

سؤال يحمل في طيّاته استكْناه التوجّه للكاتب في شتّى تصوّراته للواقع من حوله أو حتى ما يتضمّنه خياله من قناعات  عقائدية، أو سياسية، أو منهجية.
ويردّني هذا السؤال إلى سؤال كان حجر الزاوية لكتابي: دليلك إلى التفوّق ..لماذا تذاكر؟
وللحصول على خلاصات الإجابات التي تحدّد الهدف من وراء السؤال، قمت –بمساعدة كريمة – بعمل ما يسمّى ب “استبيان ” في بعض مدارس محافظتي الغربية، وبعض مدارس القاهرة ..
فكانت إجابات متباينة لفت نظري فيها بعض الإجابات التي راقت لي، منها:

1 – لكي أدخل السرور على قلب أبي، وأمي.
2- “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”.
3- غير إجابات على نسق أريد أن أكون طبيبا، مهندسا، ضابطا….إلى آخره.
فطهارة المقصد، وسموّ طلب رضا الله تعالى، ونشر الهدى والفضيلة والمُثل العليا، والأخذ بأيدي الناس نحو تعريفهم بربهم جل وعلا، وكذا أنبيائه وكتابه القرآن الكريم،  وبالقدوات من الأجيال الصالحة جيلا بعد جيل ، وتبصرتهم بآيات الله تعالى في كونه..ودفعهم الى العيش كراما أباة كآبائهم ..ومواجهة مواطن الألم والخلل بما ييسر الله تعالى حتى يقبضنا إليه -سبحانه – وهو راض عنا ..آملين أن نكون من دعاة الحق والخير والهدى..
وأختم بما كنت أختم به بعض كتبي:
(والله –تعالى- أسأل أن يمن علينا بواسع فضله، وأن يتقبل  مني هذا العمل حسبة لله تعالى ..
وأن يجعله من العلم النافع، والصدقة المتقبلة، الجاري أثرها علي فى قبري، وعند ربي سبحانه…
وأن أنال دعوات الأمهات والآباء والمربين الذين يصادفهم هذا العمل فيجنون من ورائه بعضا من فائدة وأثرا من معرفة).

 

٢كيف ترصد التأثير الحقيقي لكتاباتك في نفوس قرّائك؟
تأثير الكاتب – الذي يملك أدواته, ويحدد أهدافه, ويوجه قلمه لطائفة بعينها أو لشرائح المجتمع جملة – يظهر سريعا أو يتباطأ بعض الوقت .
وقد لمسْت تأثير كتاباتي المتواضعة:
1- من خلال تعليقات متلقين لهذه الكتب من  طوائف مختلفة.
2- من خلال الاحتكاك بالجمهور في المعارض وجولاتي ومحاضراتي في ندوات دعيت إليها وتناولنا فيها بعض كتاباتي  .
3-ولقد هزّني – وأخذني أخذاً – أن استعان ببعض كتبي كمراجع –على تواضعها – الأستاذ الدكتور “علي محمد  محمد الصلابي” الكاتب الليبي الأشهر في سلسلته ( الخلفاء الراشدون ) وأخذ مقاطع منها وضمّنها كتبه وأشار إليها في جريدة المراجع في آخر كل مُؤلَّف له.
4- في معرض دمشق الدولي عام 1995 نفدت الطبعة الأولى كاملة لكتابي (متاعب المرأة النفسية والصحية). وكتابي (العقم عند الرجال والنساء ) والذى لاقى استحان القراء. وزارني أحد الطيارين من البحرين زيارة خاصة –وكان في دورة تدريبىة بالقاهرة- للتعارف بعد قراءته للكتاب، وكان يحمل نسخة منه! وكانت عنده مشكلة طبية تناقشنا فيها، وأخبرني قائلا: إننا نتداول هذا الكتاب في البحرين فيما بيننا كشيء ثمين، والعهدة على الراوي– والله تعالى حسبي.
5- زارتني إحدى السيدات، في عيادتي، صحبة ابنتها ذات الستة عشر ربيعا، وفاجأتني بقولها: أقرأ كتبك منذ أن كنت في الثانوىة العامة، ولما علمْت بافتتاح عيادتك النفسية بادرت باصطحاب ابنتي اليك ،وهي في أشد الحاجة الى إرشادك ،وعلاجك، وثقتي بك من خلال ماكنت تكتبه، ونقرأه في الأعوام السابقة ..!
ولا أكتمكم حديثا (نزلت دموعي مدرارا )، وأطلت النظر الى الأرض مسبحا، حامدا لله شاكرا.
٣هل من طقوسٍ خاصة تُضمّنها خلطةً سحرية للتوفيق بين مشاغل الطب ومتطلَّبات الكتابة؟

الخلطة السحرية في التوفيق بين مشاغل الطب ومتطلبات الكتابة، تتلخص في (تنظيم الوقت)،
يقينا ليس أجدى للمرء في سعيه الهادف إلّا اتباع السنن الكونية التي أقامها الله تعالى ليدور الكون في أفلاكه في ترتيب ونظام متسق “صنع الله الذى أتقن كل شيء”.
لقد أخذت نفسي بذلك، تنظيم الوقت، وإعطاء كل غرض من هذه الأغراض وقتها، واحترام هذا التنظيم ليكون أشبه شيء بالأمر التعبدي! وطبيعي أن يحدث في بعض الأحيان أن يتجاوز غرض على غرض فينتهب بعضا من وقته..لكن تعود العادة إلى متعوّدها! وأرى أن هذا التوفيق –أو تلك الخلطة السحرية – مردّها الى أنّ الله تعالى يطرح البركة في الوقت لمن قصده في كل أمره، وتلك خلاصة الخلاصة.
وقد تغلب ملكة الكتابة، والتأليف على الكاتب فيعطي لنفسه استراحة المحارب  من شواغل الطب ليشبع نهمة قد رُزِقها ويعود بعد إلى طبيعة ما أخذ نفسه به ووفق فيه، وأعتقد أن هذا من رزق الله تعالى، ونعمه السابغة علي الكاتب، ونعيم لا يَنعم به إلّا صاحب كل رسالة، ولله الحمد والمنة ..
٤ما الذي يغري في مجال التربية والسلوك لكي تُسيل فيه الكثيرَ من مدادك؟

أحق ما يقال في هذا المجال أن هذه رسالة الأنبياء والمصلحين على مر العصور، وهى أقدس رسالة وأرجاها عند الله تعالى. ونحن معشر الكُتاب في هذه المجالات – إن اعتبرت نفسي واحدا منهم – نعتبر أنفسنا نقف على ثغر من  الثغور التي تصدّى فيها الرسل والمصلحون لتقويم سلوكيات المجتمعات التي اجتالتْها الشياطين على نزق وهوى وانحراف، وكما جاء في الأثر الصحيح: “العلماء ورثة الأنبياء”.
ثم إن أعظم إغراء لكل من يسلك هذا السبيل الأقدس أن يرى بذره قد استطاب وأينع وأثمر في كل من أصابه من هذا البذر.  لمست ذلك في أجيال كثيرة  نَـبَه ذكرها، ووُفّقت في عملها ثم يشيرون الى أثر ما تلقوّنه من بعض بذرنا في طفولتهم، وتلك جائزة الجوائز، وغاية المنى.. “إن أريد الا الاصلاح ما استطعت  وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت و إليه أنيب”.
٥في ضوء ما أضفْتم للمكتبة الطبية العربية من مؤلَّفات، هل للكتابة الطبية مواصفات تتفرد بها عن المجالات الكتابية الأخرى؟

أرى أن الكتابة للعامة شيء، وللمتخصصين منحى آخر. وفي كليهما يروقني أن يصطبغ الأسلوب العلمي برشاقة الأسلوب الأدبي، مع مراعاة التيسير على القراء عامتهم وخاصتهم.
وتنفرد الكتابة هنا بضرورة الالتزام بالقواعد، والنظريات التي تَوافَق عليها العلماء. ثم للكاتب أن يبسط بصمته المتميزة في الأسلوب والعرض. ومثلي الأعلى في ذلك أ.د أحمد زكي حين كان رئيسا لتحرير مجلة العربي الشهيرة، فكانت مقدماته التي يصدر بها العدد الشهري تحفة أدبية يروي بها الحقائق العلمية في أسلوب رشيق.
٦بصفتكم خطيبا يعتلي المنابر لعقود، ماذا عن الخطبة الموحَّدة التي تنتهجها بعضُ وزارات الأوقاف؟

الخطابة المنبرية لها قدسيتها وجلالها ونوريتها التي استمدتها عبر العصور من المنبر النبوي المبارك،
ومعلوم أن لكل مجتمع احتياجاته الخاصة للتوجيه والإرشاد باختلاف أحوال البيئة التي تؤدَّى فيها خطبة الجمعة. لذلك فإني أرى أن الخطبة الموحَّدة التي تنتهجها بعض وزارات الأوقاف تعدّ لوناً من تكميم الأفواه، وفرض وصاية غير مشروعة على الخطاب الديني، ومحاولة لتوجيه المجتمع توجيهاً يخدم توجهات من بيده الأمر، وأيضاً محاولة غير بريئة لتجهيل المجتمع ومسح ذاكرته الدينية رويداً رويداً .
وربما لا نتجاوز الحق إذا قلنا أن هذا عمل غير مسبوق في تاريخ الخطابة المنبرية .
٧من واقع تخصّصكم في علاج الإدمان، ما الاستراتيجية الأمثل في علاجه؟
غني عن البيان أن الإدمان تختلف صوره وتختلف مشاربه وله أنواع وأشكال عديدة يحصيها المتخصصون ولا مجال لسردها هنا, ولأن كل لون من ألوان الإدمان يحتاج الى مواجهة خاصة، لذلك فإني أرى أن المواجهة الطبية أو الإعلامية لا تكفي.

وأعتبر أن من الضرورات الملحة أن يُعتبر علاج الإدمان بصوره المختلفة مشروعاً قومياً أو استنفاراً له من جميع الجهات بأيدي متشابكة كاستنفار الدول في حالة الحرب .
٨بعد ارتفاع منحنى الأمراض النفسية، هل رصدتم تحوّلًا في نظرة المجتمع للمريض النفسي؟

نعم .. نعم، قد كان المريض النفسي فيما مضى يعامَل كأنه وباء, فيدخل المستشفيات النفسية ليخرج منها الى القبر, وكان الناس يطلقون عليها مستشفى المجانين, وأجزم أن نظرة المجتمع للمريض النفسي تبدلت تبدلاً هائلاً في السنوات الأخيرة, ربما يرجع ذلك الى منافذ الفكر والتعليم ووسائل التواصل الاجتماعي. الآن أستقبل في عيادتي –وكذا كل المشتغلين بالطب النفسي– مرضى يأتون بأنفسهم طلباً للاستشفاء.وكثيراً ما استقبلنا حالات يأتي صاحبها بنفسه ليقول دون خجل أو مواراة –كما كان يحدث في السابق– أنا مريض” بالوسواس القهري” مثلاً .
بل يعدّ الآن الطبيب النفسي بغية كل الناس سقيمهم وصحيحهم طلبا للمشورة في مشكلات تعترضهم، أو أزمات تحيط بهم، وليست التماساً للعلاج فحسب  .

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: