حماس والإسلام الخالص

حماس والإسلام الخالص

دكتور هشام الحمامى

 

بارك الله في الرجل المجهول الذى سمى يوم 7 أكتوبر بـ(طوفان الأقصى).. اختيار كلمة (طوفان) كان مقصودا قصدا عمليا وحركيا واعيا..والكلمة لا يجهلها أحد من البشر،فهي مرتبطة بأكبر عملية (تطهير) تمت على وجه الأرض، قادها سيدنا نوح عليه السلام بإذن ربه، بعد أن دعا الله على من خالفه وأذاه، ألا يبقى على الأرض منهم أحدا، مما كان منهم هذا الإصرار  العنيد والإستكبار الطاغى.

ويبدوا من مجريات الأمور على مدار الأيام الماضية، أن هذه الأيام سيأتي بعدنا من يصفها ، بأنها من (أيام الله).. تلك الأيامُ التي تتجلَّى فيها نعم الله و أياته، فالترتيب الذى تم لها، بكل ما صاحبه من (توفيق) في كل ما يتعلق بها ويتصل بها، ليس أمرا عاديا، وهذه حقيقة نراها كل يوم على هذه البقعة الطاهرة (غزة)..التى يتألمون فيها ولا يشكون.. يئنون ولا يفزعون .. يتوجعون ولا يصرخون ..

وواضح أنه قد تم إعدادهم لهذا اليوم جيدا، كما قالت جريدة(لاستامبا) الإيطالية وترجمه لنا مستشار وزير الدفاع الكويتي الأسبق الأستاذ ناصر الدويلة ونشره موقعه على (تويتر).

قالت الجريدة: نعم نحن نرى الأشلاء والدماء والأطفال والنساء والبشر والحجر، بمشاهد مأساويه داميه لا يستطيع أي إنسان تحملها، ولكن فلتعلموا أن حماس عملت على إعداد وتهيئة أهل قطاع غزه (جدار الدفاع الأول) على مثل هذه المصائب وعلى تحملها وعلى الثبات وعلى انتظار الموت الذي هو في نظرهم(كمسلمين) انتقاء إلهي، لا يحدث إلا لمن كان ربه راض عنه.

أي أن هذه المشاهد المختلطة ما بين الموت بكافة أشكاله، والتفجيرات والقصف بكافة مسمياته، ما هو إلا جائزه ربانيه (حسب معتقدهم الديني) لا ينالها إلا خاصة منهم، وهم مهيؤون تماما لاستقبالها، لا.. بل لانتظار حدوث هذه (الكوارث والإبادة الجماعية) حسب مفهومنا الدنيوي.

هذا الإعداد يوازي طائرات الجيش الإسرائيلي المقاتلة، الشعب هو بمثابة سلاح فتاك تستخدمه حركة حماس التحررية، وهذا جزء من خطه تم الإعداد لها منذ عشرات السنين وليس وليد اللحظة ..).

هذا ما ذكرته الجريدة وعددت 11 سببا ستجعل (حماس في طريقها إلى النصر).

الفزع الغربي الذي رأيناه ولازال، لم يكن من فراغ فقد كان انتباههم للرسالة القادمة من غزة انتباها حادا للغاية ، وهم قد عبروا عنه صراحة قولا وعملا، وإن حاولوا بعض التجمل والتزييف.

ولكن الرسالة وصلت الجميع، وأروع من استقبلها كانت الأجيال الصاعدة، في المجتمعات الغربية،التي سئمت (الرواية القديمة ) والتي عبرت عن سأمها منها بكل هذه المظاهرات العارمة التي طافت الدنيا وعواصمها ..

هي في ظاهرها وطبيعتها نصرة لشعب مظلوم، ولا يوجد فعلا على وجه الأرض شعب تعرض لمثل ما تعرض له هذا الشعب من ظلم، بكل ما يعنيه الظلم من معانى إذا جاز أن يكون للظلم معنى..

والموضوع موصول كله بكله.. فزمن التغيرات الكبرى التي تجرى في (دنيا البشر) أوضحت للكافة أن الفكر الإنساني التقليدي عجز عن استيعابها بالقدر الكافي، ليقدم للبشر (خلاصة المعنى) الذى يفسرون به حياتهم، ويقبلوها، ويرضون بها رضاء صادقا ..

وها قد سمعنا أهم عقل أوروبي في العصر الحديث الفيلسوف الألماني (هابرماس/94سنة) يتناول الدين من حيث كونه النبع الأصلي لكل القيم الإنسانية التي يتفاخر بها العقل الإنساني..العدل والمساواة وحقوق الإنسان، فلولا المصدر الديني لها، لكان من المشكوك فيه تعزيز هذه القيم وتثبيتها..

قال هذا في كتابه (الدين والعقلانية مقالات في العقل والحداثة والدين) والذي ترجمه الكاتب السوري الأستاذ حسن صقر..

الغرب يعلم جيدا أن الحديث الموضوعي عن الدين في أوروبا، سيكون دائما لصالح (الإسلام)..

فالقصة في النهاية ليست في الذكاء الاصطناعي وانترنيت الأشياء ولا الحياة على المريخ، بقدر ماهي قصتي أنا، قصة (السعادة البسيطة)  .. التي ينشدها(الإنسان) في حياته، سعادته النفسية والروحية، وسعادته المادية والاجتماعية ..

أو ما نعرفه نحن من المفهوم القرآني بــ (سٌبٌل السلام) كما جاء في سورة المائدة..

من منتصف سبعينيات القرن الماضي وهناك حالة غربية مبكرة جدا، لاستشراف (الحالة الإسلامية) والتحسب لها، فبعد خمسينيات وستينيات هانئة في (بحر الأوهام) اللذيذ، والذي مثلت فيه (الدولة العربية الحديثة) أروع أدوارها التاريخية على الإطلاق، وكانت الهزيمة المستمرة (5 يونيو) الدرك الأسفل من قاع القيعان السفلية لهذا التمثيل، رغم كونه كان مجرد(نكسة)!

ولا أدرى ماذا تكون الهزيمة بالمفهوم المعروف، اذا كانت 5 يونيو(نكسة)، 7 أكتوبر ستمكن الباحثين والدارسين والمؤرخين من فتح تحقيقا جديدا (لنج)عن حقيقة ما حدث في 5 يوينو.. والتي من خطورتها الرهيبة جعلتنا نعيش أثارها المروعة حتى يومنا هذا في غزة ..

بأمانة، بعد هذا الذى رأيناه (صباحية) السبت 7 أكتوبر.. ما هذا الذي حدث فعلا في(صباحية) الإثنين 5 يونيو؟

الحاصل أن الغرب الممتد من التاريخ السحيق في عداواته التي لن تنتهى للـ (الفكرة الإسلامية) عن الإنسان والوجود، قرر أن لا يترك الموضوع بعيدا عنه.

وهذه هي (المدرسة الإنجليزية) الشهيرة في أن يكون عدوك قريبا منك دائما، بما يمكنك من التدخل في تشكيل أفكاره واختياراته، ولا تتركها تتشكل بعيدا عنك فتهاجمك المفاجأة المباغتة ..

وبدأنا نرى و نسمع عن تيارات الإسلام السياسي والإسلام التكفيري والإسلام السلفي والإسلام الصوفي ..

وهي تيارات تواجدت عبر تاريخ الحضارة الإسلامية بشكل أو بأخر.                                                     لكنها أبدا لم تكن لتشكل (التيار الرئيسي) للأمة، على حد التعبير العبقري للمستشار طارق البشرى(ت2021م) رحمه الله.

وهو القاضي والمفكر والمؤرخ، الذى حدثنا كثيرا عن (شجرة الإصلاح الكبرى) التي بدأت في القرن الـ 18 ميلادي، وامتدت أغصانها وتشابكت فروعها وأثمرت ثمارها ..

لقد كانت هذه الشجرة هي (سنديانة) التطور الطبيعي الصادق لـ (الإسلام الخالص) في تاريخ الأمة  .. كما سمعنا إنشاد الشيخ النقشبندى(ت/1976م) رحمه الله: أقول أمتى .. يارب أمتي، أنا بها وفيها، كساق (السنديان)، كالطود كالبنيان، اضرب في الأزمان.

و(الإسلام الخالص) هو عين ما نراه الأن في (غزة)، والتي نجحت (حركة المقاومة الإسلامية) في تجسيده فكرا وواقعا وحركة إيمانا واعتقادا وأخلاقا، تربية وفهما وإعدادا، بناء وقرارا وتنفيذا ..

وهو هذا بعينه ما يحذر منه (نتنياهو) الإقليم العربى والعالم كله.

(الإسلام الخالص) الذى خرجت منه (حماس) هو ما كان مفاجأة للغرب .. الغرب الذى صنع على يديه داعش والقاعدة وبوكو حرام ..وغيرها من التنظيمات، وكان ذلك مبكرا جدا على فكره ، عملا بالنظرية الإنجليزية التي أشرنا اليها سابقا ..

وحالة (الهيستيريا)التي صاحبتهم في وصف (حماس) بداعش..كانت أشبه بــ (صراخ الخازوق)..

والعامة من الناس حين تريد وصف صاحب موقف كموقف (الغرب وإسرائيل) الأن ، من فشل وخيبة، بعد كل ما فعلوه وبذلوه طوال خمسين سنة، يقولون أنه (مخوزق) ..

فهم يعلمون جيدا بطبيعة الحال، من أجهزتهم ومراكزهم البحثية القديمة جدا فى الاهتمام بالموضوع ..جميعهم يعلمون ما هي(حماس) فكرا وتنظيما وإعدادا، وماذا تمثله في العقلية العربية والإسلامية تاريخيا وفكريا ..

لذلك كان تحذير نتنياهو الصادر من أعماق أعماق بؤسه، لأصدقائه وحلفائه، وهو الذى سبق وناقض نفسه وقال (نحن نواجه عدوا جديدا ومختلفا).!

بركات (طوفان الأقصى) ممدودة وموصولة بـ (القلب السليم) الذى ما عرف غير الإخلاص لله (ألا لله الدين الخالص)..ذاك السبيل الذى طال انتظار (الأمة) له..وها هو صبحه يشرق علينا من غزة .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: