اللهم انصر أمتك.. وليس (عبدك محمود)!

اللهم انصر أمتك.. وليس (عبدك محمود)!

بقلم: دكتور هشام الحمامى

يتفق المؤمن والكافر، والعربي والغربي، والحاكم والمحكوم، والصبي والعجوز، والرجل والمرأة، والفقير والثري، والصحيح والمريض، والغبي والنبيه، والجبان والشجاع، والعاقل والأحمق، والخائن والأمين، وغير هؤلاء أجمعين، أن (المقاومة الإسلامية) في (غزة) قامت بتلك المعركة، لا تريد شيئا من الدنيا، ولا تهدف إلى شيء في الدنيا، ولا تعنيها الدنيا ولا كل الدنيا إلا بالقدر الذي تقدره حالتهم هذه، في ساعتهم هذه في الدنيا…

والأهم من كل أهم، أن هذا الجانب تحديدا سيكون أحد أهم الجوانب في تلك (المعركة الفاصلة).. باعتبار أن أحد الطرفين يعشق الحياة ويود لو يعمر ألف سنة، والطرف الأخر يعيش (الحياة والموت) معا، في مزيج فريد، لا نظير له في الوجود البشرى إلا في أمة (محمد) صلى الله عليه وسلم ..

وهو المزيج الذى يحيا به الإنسان المسلم وجوده الحق (المادي والروحي) والذى يؤكده لنفسه وللحياة في صلاته بماء الوضوء للصلاة (المادي) وبالتكبيرة الأولى في الصلاة (الروحي).. كما قال لنا الغائب موتا، والحاضر روحا وقبسا وفهما وحقيقة في هذه الأيام بالذات.. أوسع حضور: (على عزت بيجوفيتش) رحمه الله.

لماذا في هذه الأيام بالذات؟

لأنه سيذكرنا دائما بالصراع العميق بين الشرق والغرب، والذي يدور على (عقل وروح وحياة) الإنسان، ذاك الصراع الوجودي العابر للزمان والتاريخ، الصراع الذي يتعلق بفكرة (الخير والشر) في أعمق أعماقه..

وسيكون للتاريخ الحق في القول الفصل، من يمثل الخير ومن يمثل الشر؟

لكننا نعلم جميعا بدرجة أو بأخرى أن الغرب حين تحرر من السيطرة الرهيبة للكنيسة والبابا، وبدأ لحظة الوعي الأول بنفسه، وغرق في مستنقعات (التمرد) على معنى وجوده ومعنى موته، قرر أن يخطف الإنسان من (روحه) وذهب في ذلك إلى أبعد حد كما حكى لنا الأديب الفرنسي (البير كامى) في كتابه  المزعج (المتمرد).

ومما زاد وأفاض في تفسيره وتفصيله وتأصيله لنا، د/ عبد الوهاب المسيرى في كل ما كتبه رحمه الله عن (الإنسان) وإنقاذ الإنسان، وخلاص الإنسان، وأخذته روحه أخيرا إلى إسلام الإنسان.

الحاصل أن الغرب حين سار في هذا المسار العبثي العبيط، اصطدم في طريقه بالشرق المسلم، الذي كان قد ذاق وفهم (الحقيقة) من زمان، بل وعاشها وعاشت فيه، ومات بها وعليها، بكل نور وسلام ويقين وفرح، رغم كل الانكسارات والغيابات التي كانت ولازالت. إلا أن ( الحقيقة) هنا لم تنطفىء شعلتها أبدا، ظلت ولا زالت، ولن يغيب أبدا عنها، قائم لله بحجة فيها ولها.

ومن يومها وإلى ما لا يعلم وقته وزمنه إلا الله، كان وسيكون صراع الشرق والغرب، والذي تمثله الآن معركة (طوفان الأقصى) في كل تفاصيلها، الظاهر منها والخفي، والذي هو أكثر كثيرا مما يظهر ويٌعرف ويٌعلن ويٌقال.

وشاءت إرادة الله ورحمته وبركاته أن تكون تلك المعركة مليئة في كل دقائقها بما(يمحو)كل ما كان قبلها، والأعظم لم يأت بعد، قريب جدا إن شاء الله.

وواضح تماما من اسمها الذى عرفت به (طوفان /الأقصى) أنها بالفعل تمثل الساعة التي عرفها البشر من قبل، في (طوفان نوح) عليه السلام ..

فى جزء واف يشير إلى طبيعتها وامتدادها، وفى جزء أوفى يشير إلى روحها وانطلاقها.. (الأقصى) ليمنحها أسمى وأكمل تعبيراتها.

ومراجعة سريعة وقصيرة لكل ما كان بين سيدنا نوح وقومه من مواقف وأحوال وتحديدا من بداية(السخرية) من  المؤمنين، وهم يصنعون السفينة، وانتهاء بلحظة استواء السفينة على جبل(الجودى) ..

مرورا بكل المحطات التي صاحبت هذه المواقف وهذه الأحوال، والتي تتشابه بدرجة مدهشة مع كل الأطراف المتصلة بأجواء (طوفان الأقصى)..

وليس أدل على ذلك مثلا، من تلك (السخرية)التي انهالت من(الصهاينة)العرب، حيث الدنيا والدناءة والتدنى لأسفل السفالة ..على ما قام به(الأبطال) من يوم 7 أكتوبر.

والذى تصوروه مستحيلا، ومفصولا عن الواقع المجرد، تماما مثلما كان قوم نوح (يسخرون) من صنع (سفينة) حيث لا ماء ولا بحار ولا أنهار!

لكن صاحب السفينة ومن معه كانوا على (اليقين) بأن ما يفعلونه يتصل بالواقع في صميمه، وفى توقيته المناسب تماما، الذي يتكون في الغيب، والذي سرعان ما سيصبح حاضرا مشهودا حين يأتي (الطوفان) ليتم التأريخ للبشرية بعدها، بما قبل (الطوفان) وما بعد (الطوفان).

وهو هذا بعينه الذى سيحدث إن شاء الله العلي الأعلى، وسيكون للعالم تاريخا جديدا، يٌعرف بما قبل طوفان الأقصى وما بعد طوفان الأقصى ..

وكانت أمريكا (كاهن المعبد الغربي) على كل الحق، حين قالت على لسان رئيسها أننا نعيش (لحظة فارقة في التاريخ)، وهو قول يغني عن أي قول.

وستحاول جريدة الجارديان البريطانية (25/12) تفصيل وشرح جملة (لحظة فارقة ..) هذه، في مقال للعقيد البريطاني المتقاعد ريتشارد كمب الذى قال: ما حدث لقوات لواء (جولاني) وانسحابه من غزه بعد أن تعرض لخساره 45% من قواته ومعداته أمام (كتيبه) من كتائب حماس في غزه يعد (معجزه كبيره)..، ويتساءل مذهولا: ما الذي يمتلكه مقاتلي حماس؟ وما هذا الصمود المذهل؟ ومن أين تأتيهم الشجاعة ورباطة الجأش؟ إسرائيل في حالة جنون ومن يقف خلفها في حالة من الحيرة، إسرائيل لم تعد تدري ماذا تفعل، وأمريكا وأوروبا و(أصدقاؤهم من العرب) يبحثون عن طرق جديده للتخلص من (ورطه حماس)،

إنني (أرفع قبعتي) تحية لمثل هؤلاء الأبطال الذين رفضوا كل الإغراءات والعيش الرغيد..

ارفع يا عم، ولسه ح ترفع كمان وكمان..

لكن ما معنى (الذهن الصافي)؟ الذي دخلت به(حماس)الحرب، كما قال نائب رئيس الأركان الأسبق (يائير جولان) في حوار نشرته له جريدة(معاريف) يوم 15/12: لقد دخلت حماس هذا الصراع بذهن صاف.

نعم يا سيادة الركن؟ (ذهن صاف)!

لك في القلوب منازل يا منازل..

أتراه يقصد قول العابد العارف أبو يزيد البسطامي (اذا قلت يارب أين الطريق اليك؟ جاءك النداء: خل نفسك وتعال)!

فحين (تريد) ..أن تريد وجه الله ، فمعنى ذلك أن  تصفى تماما وتخلص تماما من حظك وهواك، و من الدنيا حيث لا مكان لها في أولويات حياتك.

أتراه يقصد مشهد (تيسير أبو طعيمة/32 عاما) وهو يسارع الخطو والخطى إلى ما كان يبصره وما لا نبصره، في لحظة الانتقال الرائع من الفناء إلى الخلود في صحبة الشهداء، وهو يجرى ويجرى ويجرى.. مسرعا ليذهب هناك، وكيف ومن أين؟                                                                                                             من أشرف وأرفع وأكرم وأعز وأغلى منزلة..(السجود للرحمن)، لقد صدق وصدق له قدره ..

وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان يا (تيسير).

آه يا (يائير) ستعيش وتموت وأنت لا تعرف، وأنت لا تفهم..                                                             كما عرف وفهم (تيسير)، الذى (ترك نفسه.. وذهب).. إنها المعجزة التي تتحدث عنها (الجارديان)..

لكن من (عبدك محمود) الذى دعا بهذا الدعاء، الذى تجاوز فيه نفسه، بعد أن فنى وتخلى عن نفسه؟

إنه القائد الكبير نور الدين محمود زنكي، وكان ذلك قبل معركة(حارم) 1164م وكانت من أشهر معاركه مع الصليبيين ويشبهها المؤرخون بحطين، حيث اتحدت الممالك الصليبية كلها ضده، وواجهوه يومها بأعداد رهيبة.

قبل المعركة نزل (نور الدين) من فوق جواده، وسجد للرحمن، وأخذ يمرغ رأسه في التراب ويدعوه: (اللهم انصر أمتك، وليس عبدك محمود).

وبالفعل كان نصرا مشهودا له وللأمة، تماما كهذا(النصر) الذى أوشك أن يكون إن شاء الله، في زمن لم تعرف فيه (الأمة)نصرا بكل هذا العز وكل هذا الشرف ..

على الرغم من كل المكابرة والغرور الأبله، الذي يصرون عليه ..

غير مصدقين، متحيرين ومرعوبين من أن يكون هناك فعلا، من يدعو بهذا الدعاء، فيٌستجاب له.

وينصر الله الأمة.. وعبده (السنوار).

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: