معرفة الله تعالى الأهمية والثمرة 

أ.د محمد السيد عبده
كلية أصول الدين وعلوم القرآن بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية بماليزيا

يخوض الإنسان غمار الحياة الدنيا وزينتها، لكن يعترض طريقه بعض الأمور التي تنغص حياته وقد تؤدي به إلى الانتحار- عياذا بالله- وسبب ذلك أنه لم يلذ بالتعرف على خالقه وهو الله تعالى، فلو عرف الإنسان ربه حق المعرفة لم تقف أمامه الريح العاتية والآلام المحزنة والشهوات الهاوية.
فالنفس بلا معرفة ربها تائهة في دياجير الظلام، وسوف يفوتها الخير الكثير، فما خُلق الإنسان إلا لمعرفة ربه وعبادته قال تعالى:”وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، وما بعث الله أنبياءه إلا لهذا ليعرفوا الناس بالله تعالى وعظمته. وتأمل ما قاله سيدنا نوح لقومه وهو يعرفهم بالله تعالى:” مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا *أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا* وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا* وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا*وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا *” ومن أعظم السبل للقيام بحق الله هي معرفته، لذا جاء التوجيه الإلالهي بتقواه، قال تعالى:” يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” يقول سيدنا عبد الله بن مسعود عن معنى التقوى: أن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يطاع فلا يُعصى. فمن عرف الله حق المعرفة ذكره وشكره وأطاعه، ومن غفل عن الله كفر به وعصاه.
كذلك معرفة الله تعالى سبب لرفعة درجات العبد في الجنة، فلم ترتفع منزلة العبد عند ربه إلا بسبب صلاح قلبه وتعظيمه لربه. عندما سئلت السيدة فاطمة زوجة سيدنا عمر بن عبد العزيز عن حاله فقالت:” والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه” وأيضا سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما سبق الأمة بكثرة صلاته ولا صيامه ولكن بشيئ وقر في قلبه، ترى ما هذا الشيئ؟ إنه إجلال الله وتعظيمه، أو سلامة قلبه وحبه الخير للمسلمين.
أما ثمرة معرفة الله تعالى، محبة الله تعالى وإجلاله وتعظيمه، ولذا يقول بعض العلماء: “المؤمن إذا عرف الله أحبه، وإذا أحبه أقبل على عبادته”، فبينما تراه مصليا تراه ساجدا، تراه ركعا، تراه متصدقا، تراه متعلما، تراه تاليا للقرآن، فهو مع المتعلمين متعلم، وهو مع المتصدقين متصدق، وهو مع المصلين مصلٍّ، وهكذا ينتقل مَنْ عرف الله من عبادة إلى عبادة أخرى.
كذلك من أعظم ثمرات معرفة الله ما يجده العبد من اللذة التى تهون عليه مصائبه، وبذل كل ما في وسعه لإرضاءه، فهذا سيدنا عبد الله بن حذافة كان قبل الإسلام لا يبذل في شيء، أما بعد الإسلام فأسره ملك الروم ليقتله وقال له: اترك دينك وأعطيك من المال كذا وكذا، قال: والله لو أعطيتني كل مالك على أن اترك ديني ما تركته، قال: تترك دينك وأشاركك معي في ملكي، قال: والله ملك الدنيا لا يساوى عندي شيء، فقال: إذن أقتلك، فقال: افعل ما شئت، فقال: صوبوا إليه السهام ولا تقتلوه لتؤذوه.. اضربوا بالسهام على يديه، ثم يقول له: تترك دينك؟ يقول: لا والله.. قال: اضربوا السهام على قدميه، تترك دينك؟ لا والله، فقال: خذوا اثنين من أصحابه وائتوا بإناء ضخم جدًا فيه زيت مغلي وألقوهم في الزيت المغلي، فرموا اثنين من المسلمين الذين معه في الزيت المغلي.. تترك دينك؟ لا والله. .خذوه فألقوه في الزيت.. وهم آخذيه ليلقوها به بكى، فقال لهم: أحضروه، فعاد سيدنا عبد الله بن حذافة، فقال ملك الروم: بلغني أنك قد
بكيت، قال: نعم، قال: إذن تترك دينك؟ قال: لا والله، قا ل: فلم بكيت؟ قال: بكيت لأن لي نفساً واحدة ستخرج في سبيل الله، وكنت أتمنى أن يكون لي بعدد شعر جسدي أنفس تخرج واحدة بعد الواحدة في سبيل الله.
وهذه الخنساء قبل الإسلام، مات أخوها صخر فملأت الجزيرة العربية بكاء، ولكنها بعد الإسلام عرفت الله، ومات أربع من أولادها، فقالت: الحمد لله الذي شرفني أنهم ماتوا شهداء! عرفت ربها الخنساء فلما عرفته استسلمت لقضائه و رضيت بقضائه.
لكن كيف السبيل إلى معرفته تعالى؟ هذا ما سنعرفه إن شاء الله في المقالة التالية

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: