حركة ترجمة الكتب الإيطالية مصر في القرن العشرين

حركة ترجمة الكتب الإيطالية مصر في القرن العشرين

بقلم: الدكتور إسلام فوزي محمد

كانت حركة الترجمة فاعلة دائمًا في تعريف القراء بآداب اللغات المختلفة؛ وإذا تحدثنا عن واقع الترجمة في العصر الحديث في عالمنا الثقافي في مصر تحديدًا فسنجد أن الأمر يعود بقوة لنشأة مدرسة الألسن وحركة رفاعة الطهطاوي، وبالطبع كانت أهم الترجمات عن الإنجليزية والفرنسية ثم الإيطالية وغيرها من اللغات.
ونقصد الحديث هنا عن حركة الترجمة في مصر إلى العربية للأعمال الإيطالية من الكتب المتنوعة بشكل عام ومن الأدب بشكل خاص، وقد مر تاريخ الترجمة عن الإيطالية إلى العربية في مصر بمراحل مختلفة، فلم تكن البدايات قوية، فكانت هناك بعض الترجمات وبعض القواميس لخدمة أغراض محددة، ثم نجد أشهر عمل تُرجم من الإيطالية إلى العربية في عهد محمد علي وهو كتاب الأمير Il Principe للكاتب الإيطالي نيكولوه ماكيافيلّي Niccolò Machiavelli، وقد ترجمه الأب روفائيل دي موناكيس بأمر من محمد علي باشا وحملت هذه الترجمة عنوان “الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير”، وبعد ترجمته لم يعجب محمد علي محتواه فلم يطبع وظل حتى الآن مخطوطًا محفوظًا في دار الكتب المصرية.
ثم بعد افتتاح مدرسة الألسن لم تكن هناك ترجمات عن الإيطالية ذات شهرة كبيرة أو لم تصل إلينا معلومات عنها مع مرور الزمن إلى أن جاء محمد لطفي جمعة ليترجم الأمير عن الإيطالية مباشرة عام 1912، وترجمته حتى الآن محل اهتمام ودراسات. ثم جاء بعده طه فوزي ليكون صاحب الرصيد الأكبر في الربع الثاني من القرن العشرين من الترجمات عن الإيطالية وترجم للعديد من الأدباء والكتاب الإيطاليين، وخلف وراءه رصيدًا يتجاوز الثلاثين كتابًا من المترجمات عن الإيطالية بدءًا من ترجمة دراسة إيطالية عنوانها “المدنية العربية في الغرب” للمؤلف الإيطالي لويدچي رينالدي Luigi Rinaldi ونشرت تلك الترجمة عام 1921 في مجلة المقتطف، ثم أعيد نشرها عام 1922 في مجلة القضاء الشرعي. وقد ترجم عددًا من الأعمال لكتاب إيطاليين كبار وشخصيات ثقافية بارزة مثل إدموندو ديه أميتشِس Edmondo De Amicis، وجابرييلِه دانّونسيو Gabriele D’Annunzio، ڤيتّوريو ألفييري Vittorio Alfieri، ورودلوفو جراتسياني Rodolfo Graziani، چوزيپّه جاريبالدي Giuseppe Garibaldi، وأليسّاندرو مانزوني Alessandro Manzoni. وقد امتدت مسيرة طه فوزي منذ مطلع عشرينيات القرن العشرين حتى نهاية الستينيات قبل وفاته بقليل، وفي هذه الأثناء كان محمد إسماعيل محمد شرع يترجم أعمال أحد أهم الأدباء الإيطاليين الروائي والكاتب المسرحي الكبير لويدچي پيرانديلّو Luigi Pirandello الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1934، وفي هذه الأثناء أيضًا كانت الدفعات الأولى من قسم اللغة الإيطالية بمدرسة الألسن قد تخرجت وأخذت تستعد لتصبح الجيل الثاني من المترجمين المصريين عن الإيطالية وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور سلامة محمد سليمان الذي اختار أن يترجم معظم أعمال الكاتب المسرحي الإيطالي ابن مدينة نابولي إدواردو ديه فيليبپّو Eduardo De Filippo إلى العربية بدءًا من ثمانينيات القرن العشرين، والأستاذ الدكتور محمد سعيد الباجوري، والأستاذة الدكتورة سوزان بديع إسكندر، والأستاذ الدكتور محب سعد إبراهيم، الذي عمل على تكوين فريق ترجمة لأحد أهم الأعمال التاريخية الإيطالية للمؤلف الإيطالي ميكيلِه أماري Michele Amari وهو كتاب “تاريخ مسلمي صقلية” الذي صدرت ترجمته في ثلاثة أجزاء في مطلع الألفية الثالثة، وهو الكتاب الذي كان قد شرع في ترجمته طه فوزي في أيامه الأخيرة ولم يسعفه القدر في تحقيقه. وبالطبع جاء في هذا الجيل أيضًا أساتذة مترجمون مثل الأستاذ الدكتور عامر الألفي والأستاذ الدكتور عماد البغدادي. وبعدهم أتي جيل آخر من تلاميذهم الذين يشكلون الواقع الحاضر للمترجمين المصريين حاليًا، ومنهم الأستاذ الدكتور سمير مرقص، والأستاذة الدكتورة سهيمة سليم والأستاذة الدكتورة فاتن الغزولي، والأستاذ الدكتور حسين محمود، والأستاذ الدكتور ربيع سلامة والأستاذ الدكتور فوزي عيسى، والأستاذة الدكتور وفاء البيه، والأستاذة الدكتورة ناهد محمد عبد الله، وغيرهم من المترجمين الأكاديميين. وعلى صعيد آخر تشكل بالتوازي جيل آخر من المترجمين غير الأكاديميين من خريجي القسم ذاته ولعل أشهرهم المترجمة الدكتورة أماني فوزي حبشي، والدكتورة نجلاء والي، ثم حاليًا هناك أسماء مثل روحية عبد العزيز وياسر شرف، وغيرهم.
ونستطيع أن نقول إن فترة النصف الثاني من القرن العشرين لم تشهد حركة كبيرة في الترجمة من الإيطالية إلى العربية في مصر، واستمر الوضع هكذا حتى مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وقبل ذلك كانت هناك ترجمات لأسماء ذكرناها، ينحصر نشرها في جهات ثقافية محددة أو دور نشر محدودة للغاية. لكن مع ازدهار عملية النشر ومع تزايد الاهتمام بحركة الترجمة في الفترة الأخيرة بشكل عام سواء من بعض المؤسسات الحكومية في مصر وبعض الدول العربية من جهة، أو من كثير من دور النشر الخاصة في مصر وفي العالم العربي بشكل عام من جهة أخرى، أخذت الترجمات الإيطالية تثبت وجودها شيئًا فشيئًا إلى أن وصلنا إلى مئات الإصدارات في السنوات العشر الأخيرة.
وفي مقالتنا القادمة نود أن نعرض لأهم ما صدر من ترجمات عن الإيطالية في السوق المصري وذلك تزامنًا مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، لنستعرض تطور الحالة الترجمية الثقافية والأدبية والفكرية في واقعنا الثقافي المصري.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: