لماذا تسيطر الروايات النسائية علي الترجمة من الروسية إلي العربية؟

لماذا تسيطر الروايات النسائية علي الترجمة من الروسية إلي العربية؟

الأستاذة الدكتورة دينا محمد عبده

أستاذ ورئيس قسم اللغة الروسية – كلية الألسن – جامعة عين شمس

سيطرت مؤخرا خلال الأعوام الحالية ترجمة الروايات النسائية من الروسية إلي العربية بشكل ملحوظ

فقد ظهرت في بداية عام  2016م ترجمة رواية صونيتشكا للكاتبة الروسية لودميلا أوليتسكيا والتي نقلها إلي العربية المترجم السوري عياد عيد والتي تحكي عن تضحية امرأة وتحملها خيانة الزوج من أجل الحفاظ علي البيت والأسرة من الإنهيار، بل وتستمر في الوفاء والإخلاص لذكري الزوج بعد موته بالرغم من تلك الوفاة غير المشرفة التي لحقت به.

كما ظهرت منذ بداية ذلك العام أيضاً ترجمة كتاب (ليس للحرب وجه أنثوي) للبيلاروسية سفيتلانا ألكسيفتش والتي نقلها من الروسية إلي العربية المترجم السوري د. نزار عيون السود والتي حاولت الكاتبة فيه كشف عالم النساء الروسيات المحاربات علي جبهة القتال في الحرب العالمية الثانية ونقل مشاعرهن وكلماتهن وذكرياتهن بعد أن لاذن بالصمت لفترات طويلة حيث كان صوت الرجل هو دائما ماكان يعلو داخل المعركة وكان يجد من الأدباء الرجال ما يعبر عن أحاسيسه في الحرب فأصبحنا جميعاً أسري لتصورات الرجال دون النساء. ويقبل المترجمون علي ترجمة جميع أعمال كاتبة نوبل، فيقدم في نفس العام المترجم العراقي عبد الله حبة إلي العربية كتابها الثاني (أخر الشهود) الذي اعتمدت فيه الكاتبة علي حكايات وذكريات الكثير من  سكان القري والمدن في بيلاروسيا الذين بلغت أعمارهم أثناء الحرب العالمية الثانية من ثلاث الي اثني عشر سنة، واحتوي الكتاب علي العديد من المشاهد والذكريات القاسية والأليمة التي يقصها الأطفال حينذاك والتي يصورون فيها كيف تعامل الألمان ببشاعة منقطعة النظير مع أباءهم وأخواتهم وكيف كان يتم التنكيل بهم. وينقل عبد الله حبة كتاب ألكسيفتش الثالث (فتيان الزنك) إلي العربية والتي حاولت الكاتبة فيه تصوير الحرب الأفغانية بأنها خطيئة سياسية كبري بدأت بإقتحام السوفيت للأراضي الأفغانية، محاولةً منهم لفرض النظام الإشتراكي في البلاد ورضوخا لذلك المجتمع الدولي الشمولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية والتي زجت بمصائر ألاف من الشباب الصغار الي هذه الحرب الهالكة حيث جرت هناك عملية إبادة للجنود الروس الذين عادوا لزويهم في توابيت من الزنك. أما المترجم المصري أحمد صلاح الدين فقد قدم إلي العربية ترجمة كتابها الرابع (صلاة تشير نوبل) والذي كان عبارة عن مقتطفات ومشاهد من ذكريات المكلومين والمصابين من جراء تلك الكارثة البشرية التي تسببت في هلاك الكثيرين وهي انفجار مفاعل تشيرنوبل، والذي كان من وجهة نظر الكاتبة ليس مجرد كارثة عالمية بل هي مصفوفة حقيقية من نهاية العالم الوحشية، فهي من تسببت في تمزيق الإمبراطورية السوفيتية والمعسكر الإشتراكي بأكمله بل العالم أجمع.

ولم ينتهي عام 2016م حتي تظهر ترجمة رواية (زمن النساء) للكاتبة يلينا تشيجوفا والتي نقلها إلي العربية المترجم المصري د. محمد الجبالي، حيث تسيطر المرأة بأفكارها ومعاناتها وأحلامها علي المضمون الروائي بأكلمه، فهي الحفيدة والأم والجدة، وهي الماضي والحاضر والمستقبل، فمهما تعرضت لأقسي الظروف سواء أكان خداع الرجل أوالضعف أو المرض وهو ما تعرضت له الأم في الرواية، فإنها تظهر في مواقف أخري صامدة حكيمة، قادرة علي العطاء وتربية الأجيال رغم تقدم السن وقسوة الزمن وفقدان الأبناء والأزواج وهذا ما جسدته الجدات، لتظهر بعد ذلك مستقبلاً شابة موهوبة وفنانة مبدعة تمتلئ بالحيوية والأمل وهو ما جسدته الحفيدة. فهكذا تصل الكاتبة إلي أن الإعتماد الكلي علي الرجل قد اختفي، وأصبحت المرأة قادرة علي التفاعل مع جميع المتغيرات بإستقلالية تامة ليتحول الزمن الذي ساده العالم الذكوري لفترات طويلة إلي زمن النساء.

ويرجع إقبال المترجمين علي ترجمة الروايات النسوية إلي عدة عوامل لعل ابرزها هو ازدهار الأدب النسوي في روسيا بشكل كبير منذ نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي مع تطور وظهور تيارات الحداثة وما بعد الحداثة، والعامل الأخر هو ظهور جيل بارز ومتميز من الكاتبات النساء الاتي استطعن أن يفرضن أنفسهن بقوة علي الساحة الأدبية والتي ظلت لفترات طويلة حكرا علي الأقلام الذكورية، فكان القارئ لا يشعر ولا يفكر ولا يتذوق الفن إلا من خلال القلم الذكوري الذي كان يعبر أيضاً عن أفكار وأحاسيس وقضايا المرأة ولم يترك لها المجال أن تعبر عن ما يخصها بنفسها كما هو الأن.

تلعب الجوائز العالمية والمحلية دوراً كبيراً في اجتذاب المترجمين إلي الأعمال النسوية في الفترة الأخيرة، فكل ما تم ترجمته مؤخرا كان لكاتبات حصلن علي جوائز أدبية مرموقة، فقد استحوذت كاتبة نوبل سفيتلانا أليكسيفيتش علي النصيب الأكبر من الترجمات فور حصولها علي الجائزة، كما لاقت أيضا كل من الكاتبة لودميلا بتروشفسكايا ويلينا تشيجوفا نصيبا من ترجمة أعمالهما إلي العربية وقد حصلت كل منهما منذ عدة سنوات علي جائز بوكر الروسية أحد أبرز الجوائز الأبية المرموقة في روسيا الإتحادية بالإضافة إلي جوائز أخري محلية.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: