من قضايا اللغة (4)

من قضايا اللغة (4)

بقلم الدكتور مصطفى شعبان

يُطرحُ في الآوِنَةِ المعاصرة كثير من القضايا المستجِدة في النحو والصرف واللغة تبحثُ عن مُعالجة تتوافق وقواعد لغة العرب وقوانينها وأصولها السماعية والقياسية المقررة، وقد عُرِضَتْ عَلَيَّ كَثيرٌ مِنْ تِلْكَ القضايا والمسائل فاجتهدتُ وأجبتُ عَنْها وفق ما استقر لدي من قناعة وما اجتمع عندي من دلائل، ومن تلك القضايا:

 

21- هل يصح قولهم: سواء أخًا كان أم غير أخ؟ وما إعرابه؟

الجواب:

في جملتك ملاحظتان؛ الأولى: في حذفك همزة التسوية بعد (سواء) وهو جائز. والثانية: في الترتيب، والأصحُّ أن تقول: (سواءٌ أكان أَخًا أم غَيرَ أخٍ)؛ لأنا لا نعلم تقدم خبر (كان) عليها بعد (سواء)، فالأصل أن تلي (سواءً) همزةُ التسوية، وهمزة التسوية مختصة بالدخول على الأفعال لا على معمولاتها، فإن قَدَّرْتَ الهمزة وجب أن تُبْقِي ما كان في حَوْزَتِهَا بعد (سواء)، وهو الكينونة، فتقول: (سواءٌ كانَ أخًا أم غيرَ أخٍ)، وموارد ذلك في القرآن شاهدة.

وتُعرب (سواءٌ) خبرًا مقدَّمًا، والمصدر المؤول من الجملة بعدها في محل رفع مبتدأ مؤخر، والتقدير: سواءٌ كَونُهُ أخًا لك أم غيرَ أخٍ، والله أعلم.

 

22- هل يصحُّ إطلاق «النَّبَاتِيِّينَ» على مَن يأكل النباتات والألبان والبيض أيضًا؟

الجواب:

يقرر مختصُّو التغذية العلاجية أن النباتيين ينقسمون إلى ثلاثة أنواع، «النباتي الكلي» «total vegetarian»، وهو الذي يمتنع عن تناول المنتجات الحيوانية ومشتقات الألبان على الإطلاق.

«النباتي اللَّبَنِي» «lacto-vegetarian» وهو الذي يتناول منتجات الألبان.

«النباتي الذي يأكل البيض ومنتجات الألبان» «lacto-ovo-vegetarian».

ويمكن تقسيم النباتيين إلى قسمين: «النَّبَاتِيُّ الكُلِّيُّ»، و« النَّبَاتِيُّ الجُزْئِيُّ».

فالأول: «النَّبَاتِيُّ الكُلِّيُّ» يتناول النباتات من الحُبوب والخضراوات والفاكهة فقط ولا يتناول منتجات الألبان والبيض، سواءٌ أكان لأسباب صِحِّيَّة أو مِزَاجِيَّة أو قَبَلِيَّةِ.

والثاني: « النَّبَاتِيُّ الجُزْئِيُّ» يتناول النباتات ومنتجات الألبان فقط، أو يتناول النباتات ومنتجات الألبان والبيض.

أما بخصوص الفئة التي تمتنع عن لحوم الحيوانات لأسباب أخلاقية أو دينية فيمكن تسميتهم بـ«النَّبَاتِيِّينَ الدِّينِيِّينَ» سواءٌ أكانوا نباتيين كُلِّيين أم جُزْئِيين.

وعليه فلك في النباتِيِّ أن تقسمه إلى ثلاثة أقسام:

«النَّبَاتِيُّ الكُلِّيُّ»، و«النَّبَاتِيُّ الجُزْئِيُّ»، و«النَّبَاتِيُّ الدِّينِيُّ». والله أعلم

 

23- هل يجوز أن نقول: رأيتك أنت وأخوك أم وأخاك؟

الجواب:

في سؤالك نقاط عدة نفصلها كالتالي:

الأولى: أنه يجوز توكيد الضمير المتصل الذي للرفع أو للنصب أو للجر توكيدًا لفظيا بضمير يماثله في معناه لا في لفظه، فيكون توكيده بضمير يناسبه في التذكير والإفراد وفروعهما، ومنه: (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

قال ابن مالك:

ومضمر الرفع الذي قد انفصل *** أكد به كل ضمير اتصل

 

قال ابن عقيل:

“أي يجوز أن يؤكد بضمير الرفع المنفصل كل ضمير متصل؛ مرفوعًا كان نحو: قمتَ أنت، أو منصوبًا نحو: أكرمتني أنا، أو مجرورًا نحو: مررت به هو”.

فيجوز أن تقول: رأيتُكَ أنتَ.

الثانية: أنه لا يحسُن عطفُ الاسم الظاهر على ضمير الرفع المتصل إلا بعد توكيده بضمير منفصل، نحو: (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ)، وذهبتَ أنت وأصدقاؤك، وأما الضمير المنصوب فَيُعطف عليه بلا شرط مثل: (جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ)، فيجوز أن تقول: رأيُتكَ وأَخَاكَ.

الثالثة: أن الضمير (أنت) في قولك: “رأيتك أنت وأخوك” توكيد لفظي للضمير المتصل (الكاف)، ولا يُعْطَفُ عليه في الحقيقة لأنه تابِعٌ للكاف، ولك في هذا المثال تعبيران: الأول: (رأيتُكَ وأَخَاكَ) بعطف الاسم الظاهر على الضمير المتصل بلا توكيد ولا فصل، والثاني: (رأيْتُكَ أنتَ وأخَاكَ) بنصب (أخاك) على تعدية الفعل (رأى) إليه، والتقدير: رأيْتُكَ أنتَ ورأَيْتُ أخاك.

فإن تَمَسَّكْتَ برفع (أخوك) فله مسوِّغٌ آخر وهو أن تجعل الرافع فيه ليس العطف على ضمير الرفع (أنت) وإنما الابتداء لخبر محذوف للعلم به، والتقدير: رأيْتُكَ أنتَ وأخوكَ رَأَيْتُهُ؛ لأنك لا يمكنك أن تقول: (وأخُوكَ) بعطف الاسم على (أنت) مع وجود العامل (رأى) الذي يقتضي معمولا منصوبًا، فالعطف هنا من قبيل عطف الجمل وليس عطف المفردات. ومثله لو كان الضمير ضمير جَرٍّ. والله أعلم.

أما بخصوص الجملة الاعتراضية فمِن اسمها، يجب أن تكون (جُملة) مكتملة مُؤَدِّيَةً لدلالةٍ حقيقةً كالجملة الاسمية والفعلية، أو حُكْمًا كأن يُحذَفَ مِنْهَا ما يُمْكِنُ فهمه من السياق كجملة القسم أو الشرط…وقولك: (أنت وأصدقاؤُك) لا تتوفر فيه هذه الحيثية ففيها تقدير لا ينسَجِمُ مع السياق، فلا داعي لعَدِّها جملة اعتراضية، بل ينسحب عليها ما فصلناه في المسألة قبلها. والله أعلم.

 

24- هل يُسمي الماءُ المَغْلِيُّ فيه شَيءٌ ما “شاي كذا”؟

الجواب:

كلمة (شاي) باللغة العربية مأخوذة من الكلمة الصينية CHA وتلفظ (تشا)، وفي الصين أنواع كثيرة من الشاي، فهناك الشاي الأخضر، والأبيض، والأسود (الأحمر)، وشاي الأعشاب (البابونج)، وشاي الفواكه، وشاي النِّعناع وغيره، فلا حرج من إدخال كلمة (الشاي) إذا كان الشَّايُ داخلًا في المشروب نفسه وأحدَ مُكَوِّنَاته، فإن خلا المشروب من الشاي فلا يَصْدُقُ عليه اسم (شاي) بل يُسَمَّى باسمه كالينسون والنعناع والقرفة والحِلْبَة والزَّنْجَبِيل، ولا حاجة إلى إضافة كلمة (مَغْلِيِّ)؛ لأنه معروف قًصْدًا، فهو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو معروف سائغ في اللغة، إلا إذا كان هذا النبات مما لم يُعْهَدُ شُرْبُهُ مَغْلِيًّا، فيَحْسُنُ إضافة لفظ (مغْلِيٍّ) قبله، والله أعلم.

 

25- ما دلالة أسماء الله تعالى وصفاته التي على وزن فاعل؟

الجواب:

يُعَرِّف النحويون اسم الفاعل بأنه: الاسم المصوغ من الفعل للدلالة على الحدث قصد التجديد والحدوث. وبعبارة أخرى: هو ما دل على الحدث والحدوث وفاعله.

ووَصْفُ اسم الفاعل بالحدوث والتجدد يخرجه عن الصفة المشبهة به في البناء التي تقتضي الثبات في الوصف، والمقصود من التجديد والثبات في مسألتنا، أن ثمةَ أفعالًا تقتضي التجدد والاستمرارية والحدوث باستمرار فيناسبها (اسم الفاعل) كالخَلْقِ والرِّزق والقُدْرَة والهِدَايَة والمُلْك؛ فقولنا مثلًا: الله الخالق: فالخالق هنا تدل على تجدد خلقه وحدوثه باستمرار، وقولنا: الله الرازق: يدل على تجدد رزقه للإنسان مع استمرارية حدوث هذا الرزق، وهكذا باقي الأسماء والصفات على وزن (فاعل)، فتَوَجُّهُ التجدد والحدوث للفعل وليس للفاعل، فالفاعل جل جلاله لا يلحقه تغير ولا حدوث سبحانه أما الفِعل فيتجدد لمصلحة الخَلْق، وأما الصفات المشبهة فتدل على ثبُوت الوصف ودوامه، فقولنا: الله الرحيم، تدل على ثبوت رحمته ودوامها، وكذلك: حكيم، وحليم، وعليم، وعظيم، وكريم، وسميع، وبصير، وخبير، فهي لا تحتاج إلى تجدُّد وحدوث لأنها ثابتة دائمة له سبحانه.. وأما الأسماء التي جاءت تارة على وزن فاعل كـ (قادر) وتارة أخرى على وزن للصفة المشبهة كـ(قدير) فخُذْها بالاعتبارين، فهي اسم فاعل إن أردت اعتبار تجدد(الفعل) منه سبحانه لمصلحة خلقه، وهي صفة مشبهة إن أردت اعتبار ثبوت الوصف له سبحانه، فالقُدرة الفاعلة تتجدد في الخَلْقَ، وهي كذلك صفة ثابتة للخالق، والرِّزْقُ يتجدد للخَلق، وهي صفة ثابتة للخالق سبحانه.. والله أعلم.

 

26- أنقول: يونيو أم يونية أم يونيه؟

الجواب:

يونيو ويوليو من الأسماء المُعَرَّبَة لشهور السنة الشمسية، ويسمى (يونيو) في العراق وبلاد الشام حزيران، وأحيانًا في مصر (يونْيَه) على عادة العرب في المَيْلِ إلى هاء السَّكْتِ التي يكون ما قبلها مفتوحًا غالبًا، وفي تونس والجزائر جوان، وأثبت معجم اللغة العربية المعاصرة: يُونْية بالتاء.

ويسمى (يوليو) تمّوز في بلاد الشام والعراق، وأحياناً (يُولْيَه) في مصر، وجويلية في تونس والجزائر، وبالمغرب يوليوز ويوليه، وأثبت معجم اللغة العربية المعاصرة: يُونْية بالتاء.

فلك أن تقول على الأصل: يُونْيُو ويُولْيُو، فإن أردتَ السَّكْتَ قلتَ: يُونْيَه ويُولْيَه، فإن أردت التنبيه إلى أنها أعجمية ممنوعة من الصرف قلتَ: يُونْيَةَ ويُولْيَةَ، فتقول، بدأ يُونْيَةُ، واستقْبَلْتُ يُونْيَةَ، وانتهى شهرُ يُونْيَةَ، والله أعلم.

 

27- ما وجه الارتباط بين الدراسات الفيولوجية ومنهج النقد التاريخي؟

الجواب:

اصطلاح الفيلولوجيا يعني (دراسة النصوص القديمة)، يقول الدكتور تمام حسان: «وبهذا المعنى أصبح لفظ (فيلولوجيا) يعني «دراسة النصوص القديمة» من حيث القاعدة ومعاني المفردات وما يتصل بذلك من شروح ونقد وإشارات تاريخية وجغرافية… إلخ». (الأصول، ص235).

فاصطلاح الفيلولوجيا يدل في الغرب قديمًا على الاعتناء بالنصوص القديمة ابتداءً من انتقالها من المخطوط إلى المطبوع، وشاع على ألسنة المهتمين بالوثائق في العهد الحاضر أن يطلقوا على دراساتهم اسم (فيلولوجيا). وهو ما أُطلِقَ عليه “تحقيق النصوص” دراسة ونقدًا وتحقيقًا وضبطًا… ابتداءً بالنصوص اليونانية واللاتينية فالشرقية (العبرية والفارسية…) ثم العربية.

والنقد الفيلولوجي يستفيد أيضًا من علم تأريخ النصوص الذي يفحص النص في مختلف حالاته وأطواره منذ كان مخطوطًا، وما إذا كان متعدد النسخ الخطية، إلى أن يُدفَعَ به إلى الطباعة والنشر. وكلما أعيد نشر الكتاب اهتم الناقد الفيلولوجي بالتغيرات الطارئة بين النشرة والنشرة، وهو كذلك يقارن ملحوظات المؤلف على نسخ النَّصِّ، وبين نُسَخِهِ المَخْطوطة أو المطبوعة، وينظر في التبويب ومنهج المحقق، وما إلى ذلك من أعمال خِدمة النَّصِّ.

ووجه الارتباط بين الدراسات الفيولوجية ومنهج النقد التاريخي أن النّقْدَ الفيلولوجي يُعَدُّ أَحَدَ مَنَاحِي منهج النقد التاريخي، وهو المنحى الذي يُعنى بالنص على النحو الذي سَلَفَ، ويُعَدُّ النقد الفيلولوجي الأصل في النقد التاريخي، يليه في الأهمية نقد السيرة وهو نقد ينصب على جمع ما يمكن جمعه من معلومات وأخبار عن حياة المؤلف النفسية والذهنية والفكرية وحتى العصبية والسلوكية…إلخ والله أعلم

 

28- هل يجوز استعمال الضمير المتصل (الكاف) بعد (إلا) مطلقًا؟

الجواب:

عرَّفَتِ الألفيةُ الضميرَ المتصل بقول صاحبها:

وذو اتصال منه ما لا يبتدا … ولا يلي (إلا) اختيارًا أبدا

أي: الضمير المتصل هو الذي لا يصح وقوعه أول الكلام ولا بعد “إلا” في الاختيار، والمنفصل بخلافه، أي: يصح وقوعه أول الكلام وبعد “إلا” في الاختيار، واحترز ابن مالك بقوله: “اختيارًا” من وقوع المتصل بعد “إلا” في ضرورة الشعر، فالضَّميرُ المتصلُ لا يقعُ بعد “إلا” إلاَّ اضطرارًا. كالتاءِ والكاف من “أكرمتُكَ”، فلا يُقالُ “ما أكرمتُ إلاّكَ”. وقد وردَ في الشعر ضَرورةً، كقول الشاعر:

وما نُبَالي إذا ما كُنتِ جَارَتَنا … ألا يُــــجَاوِرُنا إلَّاكِ دَيَّــــارُ

والقياس: إلا إياك، ولكنه اضطر فحذف “إِيَّا” وأبقى “الكاف”، أو أوقع المتصل موقع المنفصل.

وقد منع المبرد وقوع الضمير المتصل بعد (إلا) مطلقًا، وأنشد “سواك ديار” وأنكر رواية “إلاك”، وأجاز ابن الأنباري وقوع المتصل بعد “إلا” مطلقًا.

والحاصل: أنَّ وقوع الضمير المتصل بعد (إلا) مقتصر على ضرورة الشعر، ولا يُسْتَعْمَلُ في اختيار الكلام، وفي الخطاب المعاصر العامة لا تستعمله كذلك، وتفضل الإتيان بالضمير المنفصل، فيقولون في حالتي الرفع والنصب: ما جاء إلا أنت، وما أكرمت إلا أنت، وما مررت إلا بكَ في حالة الجر، وفيه إشعار برفض استعمال الضمير المتصل بعد (إلا) في عادة الكلام..والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: