الارتقاء في فن الغناء – الفكرة والمضمون   

الارتقاء في فن الغناء - الفكرة والمضمون   

 

بقلم الدكتور محمود السيد الفخراني

أخيرا .. تحقق بفضل الله الحلم الذي راودني منذ سنين .. وصدر كتاب (الارتقاء في فن الغناء) الذي بدأت الكتابة فيه قبل عدة أعوام, وقتها كان كل همي أن أكتب أما مسألة النشر هذه فلم تكن ذات بال عندي, فقد عشت عمري مأخوذا بالقصائد التي تغنت بها سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم وموسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبد الوهاب,

فمما لا شك فيها أن هذه القصائد تتميز برقي معانيها وجزالة ألفاظها بدرجات متفاوتة, ولكل قصيدة نكهتها الخاصة, والقصائد التي تغنت بها أم كلثوم تختلف عن تلك التي تغنى بها عبد الوهاب, والقديم من هذه القصائد يختلف بالطبع عن الحديث منها, إلا أنها تشترك جميعا في أنها تترك في النفس أثرا طيبا لدى الاستماع إليها, وتجعل القلوب متلهفة لسماعها حينا بعد حين, بالطبع كان اهتمامي باللغة العربية بصفة عامة  وبالشعر قراءة وكتابة بصفة خاصة وراء هذه اللهفة على الاستماع إلى هذه القصائد.

من هنا جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب, فقد كان الهدف هو تدوين انطباعاتي عن كل قصيدة من هذه القصائد, وتقديمها في صورة مقبولة لدى القارئ, ليصبح الاستماع إليها مختلفا عن ذي قبل, خصوصا بعد الهبوط المزري الذي طرأ على فن الغناء في هذه الأيام, والذي جعل الاستماع إلى هذه القصائد شيئا غريبا على الأسماع التي اعتادت على الاستماع إلى الغث من الكلمات, والمبتذل من الألفاظ والركيك من المعاني, والمزعج من الموسيقى والألحان, وأصبح لتأليف هذا الكتاب هدف آخر؛ هو الارتقاء بالذوق الفني وإعادة فن الغناء إلى مكانته التي كان عليها قبل أن تهب عليه رياح الابتذال والسوقية, وهذا ما آمل تحقيقه إذا كتب لهذا الكناب قدرا من  الذيوع والانتشار,

بدأت بقصيدة الأطلال التي نالت من الشهرة ما لم تنله أغنية أخرى لأم كلثوم ولغير أم كلثوم, وما ذلك إلا لوضوح التجربة الشعرية وصدق شاعرها إبراهيم ناجي في التعبير عن مشاعره, أيضا لبراعة رياض السنباطي في تلحينها, ولا تنافسها في ذلك إلا قصيدة قصة الأمس للشاعر أحمد فتحي,

ثم قدمت للشاعر أحمد رامي ثلاث قصائد؛ قصيدة ذكريات وأقبل الليل, وقصيدة أغار من نسمة الجنوب, بالإضافة إلى رباعيات الخيام التي قام بترجمتها عن الفارسية, وكلها من تلحين رياض السنباطي, وكذلك قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي التي أفردت لها بابا بعنوان (أم كلثوم والشوقيات),  وهي: الهمزية النبوية ونهج البردة وقصيدة إلى عرفات الله وقصيدة سلوا قلبي, وقصيدة النيل وقصيدة سلوا كؤوس الطلا,

قصيدتان اثنتان هما اللتان قام بتلحينهما محمد عبد الوهاب, هما قصيدة هذه ليلتي, للشاعر اللبناني جورج جرداق, وقصيدة أغدا ألقاك للشاعر السوداني الهادي آدم, وقد قدمتهما متتاليتين في الكتاب لهذا السبب, مع شرح واف للمفردات وتوضيح معنى كل بيت والمعنى الإجمالي لكل قصيدة,

أما الشاعر السعودي الأمير عبد الله الفيصل فقد غنت له أم كلثوم قصيدتين من تلحين رياض السنباطي؛ قصيدة ثورة الشك, وقصيدة من أجل عينيك,

من عيون الشعر العربي غنت أم كلثوم عشرة أبيات من قصيدة أراك عصي الدمع للشاعر أبي فراس الحمداني, تلك القصيدة التي امتازت بجزالة ألفاظها, ورقي معانيها, وقد قمت بشرح مفرداتها شرحا وافيا مع تسليط الضوء على المعاني الراقية التي تضمنتها الأبيات التي غنتها أم كلثوم, وأشرت في الشرح إلى الأبيات التي لم يقع عليها الاختيار لتكتمل الفائدة,

تطرقت في الكتاب إلى قصيدة حديث الروح للشاعر الباكستاني محمد إقبال وقصيدة الثلاثية المقدسة للشاعر صالح جودت, ومن شعر حافظ إبراهيم الملقب بشاعر النيل غنت أم كلثوم قصيدة مصر تتحدث عن نفسها التي مازالت كلماتها تتردد في المناسبات الوطنية إلى الآن,

كل هذه القصائد كما قلت من تلحين رياض السنباطي عدا قصيدة هذه ليلتي وأغدا ألقاك فهما من تلحين محمد عبد الوهاب كما قلت آنفا, وإلى ذلك أشرت لدي حديثي عن كل قصيدة كما أشرت إلى مدى مناسبة اللحن لكلمات القصيدة, مع تحليل مقتضب للموسيقى التي صاحبت الغناء في كل قصيدة,

أما القصائد التي تغنى بها محمد عبد الوهاب فقد بدأت بقصيدة الشاعر أحمد فتحي التي نالت شهرة كبيرة لدى الخاصة؛ قصيد الكرنك, تلك القصيدة التي جعلتي ذات ليلة أعيش الجو الحالم الذي تشيعه كلمات القصيدة, فحاولت نقل أحاسيسي للقارئ بشرح المفردات, والمعنى الذي تضمنه كل مقطع من مقاطع القصيدة, والجو النفسي الذي كتب فيه الشاعر القصيدة كما وقع في تصوري, وبنفس الطريقة قدمت قصيدتين للشاعر علي محمود طه؛ قصيدة الجندول وقصيدة كليوباترا, فالقصائد الثلاث تمثل قمة الرومانسية بين القصائد التي تغنى بها عبد الوهاب,

ثم قدمت لشاعر أردني هو الشاعر عبد المنعم الرفاعي قصيدة بعنوان نجوى, الظاهر أنه كتبها بوحي من جريان نهر النيل أيام الفيضان, وقد أخذها منه عبد الوهاب وغناها على عوده بلحن غاية في الروعة,  وعلى عوده أيضا غني عبد الوهاب قصيدة لها طابع خاص في التأليف هي قصيدة لا تكذبي للشاعر كامل الشناوي, ثم قدمت قصيدة القيثارة للشاعر إبراهيم ناجي, وهي مقاطع مختارة من قصيدة طويلة للشاعر هي قصيدة الخريف, ثم قدمت قصيدة قالت للشاعر صفي الدين الحلي وقصيدة همسة حائرة للشاعر عزيز أباظة, وقصيدة أعجبت بي للشاعر الفارسي مهيار الديلمي,

بعد ذلك قدمت للشاعر اللبناني بشارة الخوري القصائد الثلاث التي تغني بكلماتها محمد عبد الوهاب, هي على التوالي: الصبا والجمال, وجفنه, والهوي والشباب, وهي قصائد فريدة في تأليفها وتلحينها,

من القصائد الخالدة تأليفا وتلحينا قصيدة فلسطين للشاعر على محمود طه, فهي لم تزل تبعث روح الحماسة في النفوس وتؤجج مشاعر الحزن على ضياع فلسطين إلى الآن, أيضا من القصائد الخالدة قصيدة النهر الخالد وقصيدة دعاء الشرق للشاعر محمود حسن اسماعيل,  وهما قصيدتان متفردتان في موضوعهما, وتتميزان بالثراء الموسيقي وعذوبة الألحان الني قدمهما بها محمد عبد الوهاب,

وكما أفردت بابا لأم كلثوم والشوقيات, أفردت بابا لمحمد عبد الوهاب والشوقيات قدمت من خلاله جل القصائد التي تغنى بها عبد الوهاب من أشعار أحمد شوقي أمير الشعراء في العصر الحديث, وهي بترتيب ورودها في الكتاب: علموه كيف يجفو, يا ناعما رقدت جفونه, ردت الروح على المضنى معك, مقادير من جفنيك حولن حاليا, خدعوها بقولهم حسناء, مضناك جفاه مرقده, يا جارة الوادي, ومن الشعر المسرحي قدمت أربع قصائد كلها من مسرحية مجنون ليلى, هي على التوالي: ليلى, سجى الليل, جبل التوباد, ونلفتت ظبية الوادي,

وبعد .. الكتاب يعد سياحة ممتعة في عالمي الكلمة والألحان, مع قطبي الغناء في مصر والعالم العربي؛ أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب, فلدى الاستماع إلى هذه القصائد من أي منها لا تدري هل سما الغناء بالشعر وارتقى به, أم أن الغناء جعل الكلمة الشعرية تصل إلى كل القلوب في سهولة ويسر, والحقيقة أن تعانق الشعر الراقي مع الألحان العذبة جعل الغناء يرتقي بالذوق الفني, فحق لي أن أصفه بأنه الارتقاء في فن الغناء,

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: