بانوراما الإبداع الأدبي في نتاج عبدالوهاب برانية حتى سنة 2022م (1)

بقلم الأستاذ الدكتور /صبري فوزى عبدالله أبوحسين
توطئة:
لا ريب في أن الحياة الأدبية والنقدية في رحاب الأزهر الشريف بدأت بخير في مطلع النهضة الأدبية المصرية الحديثة، حيث العظام: الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ) 1801 – 1873م)، وحسين المرصفي (1815-1889م)، وسيد بن علي المرصفي(ت1931م)… وغيرهم، وعاشت بخير في وسط عصر النهضة، حيث الأساتذة الكبار محمد السعدي فرهود (1923- 2000)، ومحمد عبدالمنعم خفاجي(1915- 2006م)، ومحمد رجب البيومي(1923- 2011م)، ومحمد أحمد العزب(1932- 2011م)… وغيرهم، وما زال أزهرنا بخير في آننا هذا، ومن أدل الأدلة الحية على ذلك الحركة الأدبية والنقدية في رحاب كلية اللغة العربية بإيتاي البارود منذ نشأتها، ذلك الصرح الأزهري الكائن في محافظة الناهضين المصريين الأصلاء، محافظة “البحيرة”؛ حيث ينسب إلى أرضها وبيئتها الأسماء الكبرى المبدعة، أمثال (البارودي(1839-1904م) في الشعر، ومحمد عبدالحليم عبدالله(1013- 1970م) في فن الرواية، والشيخ (محمد عبده(1849-1905م)، والشيخ محمد الغزالي(1917-1996م)، في تجديد الخطاب الديني، والدكتور أحمد زويل(1946-2016م) الحاصل على جائزة نوبل في علم الكيمياء سنة 1990م … وغيرهم من المُجدِّدين في مجالات الحياة المختلفة!
إن كلية اللغة العربية بإيتاي البارود صرح كان ساحة الفضل العلمي على شخصي الضعيف، حيث شهدت حصولي على درجة العالمية(الدكتوراه) في الأدب والنقد، وقد عاشرت بها أساتذة عظامًا: أهمهم أستاذي الدكتور محمود علي السمان، وأستاذي الدكتور صفوت زيد، وأستاذي الدكتور أحمد خليل، وأستاذي الدكتور عبدالعزيز شرف الذي كان يحل ضيفا على الكلية في مناسبات عدة، رحمهم الله رحمة واسعة.كما شرفت بأن زاملت وعاشرت بها من جيل الشباب الأستاذ الدكتور المحقق النابه مصريًّا وعربيًّا عبدالرازق حويزي، والأستاذ الدكتور الإداري القائد يوسف عبدالوهاب، والعلامة البلاغي القدير الأستاذ الدكتور سلامة داوود، والأستاذ الدكتور الجار والحبيب عبدالعزيز الخولي، والأستاذ الدكتور القرآني الصوفي الخالص، والقطب النقي: الدكتور شعبان عيد، والأستاذ الدكتور الشاعر النزاري الفارضي الهائم محمد الجوهري، والأستاذ الدكتور الإنسان محمد علي سعد خرابة، والدكتور عبد الرحمن عبد العظيم، ومن جيل الشباب الدكتور محمد الشحات داود والدكتور محمد حبشي وغيرهما … كما أنها كلية رائدة بين نظيراتها الأزهرية في مجال المؤتمرات العلمية، ومجال الكشافات البيبلوجرافية للمجلة العلمية وللرسائل الجامعية، وفي مجال جودة التعليم، والتصحيح الإلكتروني.
وسط هذه الرحاب الثقافية والبشرية الراقية أحببت جميلاً نبيلاً جمع بين الناقد والسارد، والشاعر، بعطاء متماهٍ مع الحياة والأحياء، مع إسلامنا، مع مصرنا، مع أزهرنا، مع تجارب الأصحاب والطلاب وحكاويهم وإبداعاتهم! إنه الأديب عبدالوهاب برانية، الذي أزعم أني عرفته منذ عقود، فوقفت على بعض طموحاته ومخططاته وأفضاله، واستبطنت من مواطن جماله عقلاً وقلبًا وقلمًا. إنه شاب مصري ريفي، تجاوز الخمسين، أزهري كامل في أزهريته، أصيل في تعلمه، عاش – كما يعيش الأزهريون- مع القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والتراث العربي والإسلامي، وعلوم الإسلام الأساسية من فقه وأصول دين وعلوم لغة عربية، وطور ملكاته بأساسيات العلوم الإنسانية والتجريبية، ثم تخرج في كلية اللغة العربية بدمنهور عام 1988م وقد مارس التدريس في المعاهد الأزهرية إذ عمل مدرسًا في معهد لقانة الأزهري حتى تعيينه معيدًا 1994م، وتدرج في الدراسات العليا حتى حصل على رسالة الماجستير عن موضوع: (قضايا المجتمع في قصص يوسف السباعي)، ثم على الدكتوراه عام 2003م، عن موضوع( الدكتور عبد العزيز شرف ناقدًا)، وقد مارس الخطابة في مساجد محافظة الأصالة والتجديد (البحيرة)، ثم عمل بجامعة سبها الليبية عامي 2007- 2008م، ثم جامعة الباحة السعودية عامين آخرين 2011-2012م، وقد انتقل من كلية اللغة العربية بإيتاي البارود سنة 2015م إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بدمنهور. ومن أبحاثه العلمية: (قراءة النص الأدبي، والتجربة الشعرية عند طه حسين)، و(البحث الأدبي: آلياته وإشكالياته)، و(علاء الدين وحيد في منهجه النقدي)، و(اللواء محمد حلمي أمين الزيات الشاعر والإنسان)، و(التجربة الروائية الأولى لجيلان حمزة “قلب بلا قناع”: رؤية تحليلية فنية)، و(ميزان الشعر: دراسة في أصول الأوزان العربية)، و(مصابيح الإسلام: صور من العظمة والبطولة في حياة المسلمين).
ومن أعماله الإبداعية: ستة دواوين شعرية بيتية، هي (من وحي الجامعة)، و(بقايا إنسان)، و(ومضة من الزمن الجميل)، و(قلبي يتألـم عـند الـفـجـر)، و(أبطالها القلب والإنسان والقيم)،و(عندما يتألم الشعر)، بالإضافة إلى سيرته الذاتية (من أوراق الماضي) في ثلاثة أجزاء، والتي طبع منها اثنان، والثالث مُنتَظر طباعته، وله مجموعة قصصية تحتوي تراجم غيرية، بعنوان (الكادحون)، كما نشرت بعض كتاباته في صحيفتي الأهرام والمساء، وكل يوم يتحفنا في فيسه الفضائي بالطازج الممتع شعرًا وسردًا وفكرًا….. وكل إبداعاته تعبر عن كل ريفي ومصري وأزهري؛ ففيها تسجيل لكل مجريات عصر عبدالوهاب ومجتمعه وذاته ورؤاه!
وها أنذا أشرف بأن كنت أحد قارئي يعض هذه الإبداعات في بروفاتها الأولى، وقد أثمرت هذه القراءات مقالات نقدية عديدة متنوعة، بين خاصة بإبداعه النثري، وأخرى تغوص في إبداعه الشعري، وهاك إياها:
أولا: التعريف بإبداعه النثري:
عندما نطالع نتاج عبدالوهاب برانية حتى الآن نجده بدأ ناثرًا، وقد تنوعت كتاباته النثرية إلى ثلاثة أنواع أدبية، هي: الإبداع النثري العلمي النقدي، والإبداع النثري السردي الذاتي، والإبداع النثري السردي الغيري. وهاك بيانها:
1- الإبداع النثري العلمي الوصفي النقدي:
حيث كتابات أديبنا الأدبية والنقدية في أبحاثه لمراحل تمهيدي الماجستير، والماجستير، والدكتوراه، ولدرجة الأستاذ المساعد، وهي أعمال تمثل عبدالوهاب برانية الناثر الباحث الناقد! وهذه تحتاج إلى قراءة معمقة من قبل باحث يعيش معها ويها ليعلن عن منهج أديبنا في الدرس الأدبي والمنزع النقدي!
2- الإبداع النثري السردي الذاتيّ:
وذلك في سيرة ذاتية مطولة بعنوان(من أوراق الماضي)، بلغت ستمائة وعشرين صفحة، وقسمت إلى مائة وثلاثين محورًا أو مشهدًا. وهذه السيرة خصصتها بمقالة نقدية، هذا نصها:
عجائبية السارد والسرد في سيرة (أوراق من الماضي) للدكتور عبدالوهاب برانية( )
ما هذا الشاب العجيب؟!
كلما جاء اسم(عبدالوهاب برانية) أمامي سواء في مخيلتي أو في مكتوب أو مقروء، أو سمعته من محاورة، أنعته بأنه شاب يجلس للقلم، ويجلس بالقلم: يعيش له، ويعيش به، ولا أبالغ إن قلت: يعيش فيه، أو إنه قلم يمشي على الأرض! يترك الملذات والشهوات والمَشْغلات، ويكاد يترك الضروريات! وأكاد أجزم أنه ليس له في التحسينات والترفيهيات! يحيا من أجل العلم: قراءةً فيه، وقراءةً عنه، وقراءةً له، تعلمًا وتعليمًا، تبلغًا وإبلاغًا، يجمع بوسطية بين متطلبات أعراف البيئة الريفية، والحياة الأزهرية، والحالة الوطنية، وبين الأصالة والحداثة، وبين السرد والشعر. كل يوم يتطور، وكل يوم يتنوع، وكل يوم به حسن وعنده جديد ومفيد، وعطاء لا ينقطع، وفيض لا ينضب، قلمه سيَّال حارٌّ دائمًا، ودائمًا منطلق، ودائمًا حاضر، ينفعل مع الحياة والأحياء انفعالاً صادقًا آسرًا وساحرًا، يكتب لأجل الكتابة؛ فالكتابة لديه سلاح، والكتابة لديه علاج، والكتابة لديه منهاج وسراج، وتنوير وتغيير وتثوير، والكتابة لديه إكسير البقاء.
بدأ حياته الإبداعية باحثًا أكاديميًّا في مراحل الماجستير والدكتوراه وما بعدها، منجزًا أعمالاً بحثية طريفة، خلال عشرين عامًا، دارت حول النقد القصصي، ونقد النقد، ونقد الشعر: عاش في شعر طه حسين، وفي عالم يوسف السباعي الحكائي، ثم في نتاج عبدالعزيز شرف… ثم جذبه الشعر فكانت له خلال أعوام ثلاثة(1918-2020م) أربعة دواوين شعرية، : (من وحي الجامعة)، و(من بقايا إنسان)، و(ومضة من الزمن الجميل)، و(قلبي بتألم عند الفجر). وفضلاً عن ذلك كان وما زال الإلف المألوف، الشهم في كل مراحل حياته، مع كل الأجيال: ماضية(شيوخه) وحاضرة(زملاؤه) ومستقبلة(طلابه)، إنه(الجدع، صاحب صحبه) بلغة عامة المصريين!
والأعجوبة الأولى في عبدالوهاب برانية بعمله هذا(أوراق من الماضي) تتمثل في أنني كنت أظنه-كما كان يظن ويتوقع الكثيرون والكثيرات من متابعيه ومتابعاته عبر الفضاء الأزرق الفيسي والفضاء الأبيض الورقي- أنه سيفتتن بالشعر وينغمس في الشعر فقط وينحصر فيه ويقتصر عليه في مرحلته العمرية هذه! ولكن قلمه يدهشنا بأعجوبة طارئة في شخصيته، إذ ها هو ذا يدخل بنا مجالاً أدبيًّا جديدًا: فن السيرة الذاتية، وهو في ريعان الشباب والكهولة، ولما يبلغ سن الشيخوخة بعدُ!
والأعجوبة الثانية أنها سيرة ذاتية، جاءت في كمٍّ كبير جدًّا، الجزء الأول فقط-في ست وستين وخمسمائة صفحة، وتكونت من ثلاثة وتسعين فصلاً أو مشهدًا من فصول أو مشاهد أربع وخمسين سنة من رحلة حياة عبدالوهاب الأولى هذه! أبدعها في سنة وثمانية أشهر، حيث بدأ كتابتها في يناير 2019م، وانتهي من كتابتها يوم الاثنين17/8/2020م.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: