الهوية والأدب الروسي – الجزء الثاني

الهوية والأدب الروسي - الجزء الثاني

بقلم: الأستاذة الدكتورة دينا محمد عبده

 

الهوية والأدب في روسيا المعاصرة في (الألفية الجديدة) (القرن 21)

  • لم تتحدد هوية الأدب الروسي المعاصر مع مطلع القرن الجديد إلا بعد انقضاء العقد الأول منه حيث تراجع أدب الصفوة أو النخبة وأصبح هو أدب القلة بينما علي شأن الأدب الجماهيري أو أدب الجمهور وانقسم النقاد بشأنه إلي فريقين:

-الفريق الأول: يري وجوب احترام أذواق الجماهير وترك هذا الأدب للانتشار لأنه هنا وسيلة للترفيه والترويح عن الشعب وكذلك وسيلة للهروب من الواقع ومشكلاته، كما يرون أنه وسيلة لتكيف الشعب مع الأوضاع الراهنة واستيعاب النتغيرات الجديدة. ويرون أيضا أن الساحة الأدبية تستوعب كل أنواع الأدب سواء أدب الصفوة أو الجماهيري ولا يمكن لنوع أن يمحي نوع أخر. الفريق الأخر: يري أنه مضيعة للوقت والمال ولا يعبر عن الذوق الحقيقي للشعب الروسي ولا قضايا المجتمع بل تدني بالذوق العام.

  • كما ينقسم الأدب إلي أدب المجلات الورقية وأدب الإنترنت. وتحولت الأنواع الأدبية من شكلها الصارم المحدد المتعارف عليه إلي أشكال أخري متداخلة حيث أصبح الأن من الصعب إيجاد الشكل الفني الخالص للرواية أو النوفيلا أو القصة القصيرة في أعمال أدباء القرن االواحد والعشرين. لم تعد الأنواع الأدبية الأن ترتبط بعوامل الواقع الأدبي مثل تطور النوع الأدبي وشكله ومكوناته والقوانين الأساسية التي تحكم تطور العملية الأدبية بقدرما ترتبط بماهو خارج النطاق الأدبي مثل الوضع الاجتماعي والثقافي ومتطلبات الجمهور وسعي المؤلف إلي الأصالة وكذلك التجديد . فأصبح من الملاحظ الأن خروج تلك الأنواع الأدبية خارج الشكل التقليدي وتداخلها مع أنواع أخري فنية ذات صلة أو حتي أنواع فنية أخري مختلفة تماما.
  • رواية الكمبيوتر (الإنترنت)

فقد ظهرت مثلا رواية الكمبيوتر التي تعتمد علي الواقع الافتراضي وسلوك الإنسان وفقا لقوانين ألعاب الكمبيوتر ونذكر أمثلة لذلك رواية (حلم الرعب) للكاتب الروسي المعاصر فيكتوربليفين ورواية (الأعصاب الماسية) للكاتب فيكتور بورتسيف و (متاهة التأملات) و(المرايا المزيفة) للكاتب سيرجي لوكاينكا ورواية (الشبكة) للكاتبين ألكسندر تيورين وألكسندر شيجوليف، ورواية (مترو 33)  و ديميتري جلوخوفسكي

  • رواية السينما

كما ظهرت رواية السينما والتي تعتمد علي نقل الواقع السينمائي والبرامج التليفزيونية إلي لغة النثر الأدبي مثل رواية ألكسي سلابوفسكي (قطعة أرض) و رواية أرتور

بيلوف (اللواء).

  • رواية المغامرة

والتي ارتبطت بالظروف الاجتماعية الحالية واعتمدت علي تصويرالتحايل والغش و انهيار المعايير الأخلاقية والتي أصبحت مطلوبة لتحقيق النجاح لإنسان هذا الزمان ونذكر من ذلك سلسلة الروايات الشهيرة التي أصدرتها دار النشر الروسية الكبري (أست) ومنها سلسلة (روايات النصب الروسية) للكاتب ليف كارسونسكي و(الأرزميادا الحديثة أو الغباء في روسيا) لفلاديمير ايفانوف تفيورسكي و(جوقة اطلاق النار) للكاتب لفلاديميرلارتشينكوف، وتعتمد تلك الروايات علي مجموعة من الأحداث في حياة البطل أو البطلة والذي يكون أحد النصابين أو المحتالين الذي يسعي لتحقيق أهدافه وأحلامه بطرق غير مشروعة وغالبا ماتكون النهايات مفتوحة ومحاولات البطل تبوء بالفشل.

وكذلك رواية االجاسوسية والرواية الخيالية ورواية الطفل ورواية الكاريكاتير والرواية المقالية. وتتبلور كل هذه الأنواع والأشكال لتلبي احتياجات الجماهير وتندرج تحت مايسمي أدب الجمهور.

  • أدب الصفوة (النخبة)

أما أدب الصفوة فهو ذلك الأدب الذي يسعي الأديب من خلاله إلي التفرد والتميز الفني ويعتمد فيه علي تجربته الشخصية وكذلك استيعاب للعالم من حوله من منظور فلسفي وكذلك البحث عن بطل جديد ورؤي جديدة في أعماله. ويحاول الأدباء من خلال هذا الأدب خلق نماذج جديدة من الأنواع الأدبية وكذلك تعديل وتجديد الأنواع التقليدية من الرواية والنوفيلا. ونتيجة لذلك ظهرت عدة أنواع أدبية جديدة مختلقة يحاول الأدباء وصفها وتحديد خصائصها ومواصفاتها من خلال عنوان فرعي في مؤلفاتهم الأدبية، ومن أمثلة ذلك (بيت النماذج. رواية زمن الملل القصيرة) للكاتب ألكسندر كاباكوف، و(بشر من أعلي وبشر من أسفل. النص المنقسم إلي ألغاز) للكاتب نيقالاي روبانف و (فلتكن بوسخ. رواية مع سيرة ذاتية) للكاتب أناتولي كاراليوف و (التفاخر. المونورواية) للكاتبة إينا ليسيانسكايا و(الخطاف. رواية أدبية غير مكتوبة) للكاتب سيرجي بارافيكوف وغيرهم. وتحوي تلك الروايات عناصر من الأنواع الأدبية المختلفة بل عناصر من أشكال الفنون المختلفة. أما بالنسبة لسمات الأشكال الموسيقية فيمكن رؤيتها في رواية الأوبرا (حلقة شوبرت الموسيقية في كلمات جوجال) للكاتب ليانيد جيرشوفيتش و (كونشيرتوا لأجل المراجعة) للكاتب يفجيني شفارتس.

  • لابد من الإشارة أن الفروق بين أدب النخبة وأدب الجمهور أصبحت في طريقا إلي التلاشي تماماً ويعتبر الاندماج بين عناصر الواقعية وتيارات مابعد الحداثة وكذلك اختلاط الحقائق بالخيال والغموض أهم مايميز الأدب الروسي المعاصر، كما أصبح الأن يمكن التعرف علي التاريخ من خلال الروايات البوليسية والتعرف علي قضايا الوجود الفلسفية من خلال الصراعات الميلودرامي
  • الجوائز الأدبية

تعتبر ظاهرة انتشار الجوائز لأدبية في روسيا من أهم الظواهر التي تميز الأدب الروسي المعاصر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991م والدخول في الألفية الجديدة. وانقسمت الجوائز الأدبية إلي جوائز حكومية رسمية تمنحها الدولة للمبدعين من الأباء وفناني الكلمة وجوائز غير حكومية تتبع بعض المؤسسات والنقابات ودور النشر والمنظمات وائتلافات الكتاب والمجلات الأدبية وبعض الهيئات الإقليمية والإدارية وكذلك بعض المنظمات الثقافية والاجتماعية والوطنية وغيرها، وجميعا تم تأسيسها منذ عام 1992م وحتي الأن.

في الختام يمكن القول أن الأدب الروسي المعاصر هو مرحلة جديدة من الإبداع لازالت تتبلور لتقدم المزيد والمزيد إلي تاريخ الفن البشري مستندة إلي تقاليد واحدا من أعظم الأداب العالمية وهو الأدب الروسي الكلاسيكي  ورموزه البارزين. وأصبحت أزمة الهوية الأن لا تمثل تحديا كبيرا في ظل محاولة الأدباء اليوم لاستعادة مجد الأدب الروسي العظيم في ظل المتغيرات الحديثة والجمع بين الأصالة والمعاصرة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: