اسهامات المستشرقين الروس في ترجمة الأدب المصري والعربي 

اسهامات المستشرقين الروس في ترجمة الأدب المصري والعربي 

الأستاذ الدكتور  محمد نصر الدين الجبالي

أستاذ الأدب الروسي وعميد كلية الألسن – جامعة الأقصر

لا يخفى على الجميع دور الترجمة الهام في إحداث النهضه الأوروبية عندما نقل مترجمو أوروبا أمهات الكتب العربية وخاصة في العصرين الأموي والعباسي وكذلك في عهد دولة الأندلس الاسلامية. وقد مرت عملية الترجمة من العربية الى الروسية والعكس بعدة مراحل صعودا وهبوطا. وارتبط ذلك دائما بشغف العلماء والباحثين والمترجمين بعلوم ومعارف وآداب الطرف الاخر. ويمتلك العرب والروس تاريخا طويلا في مجال الترجمة المدونة.

فقد ساعدت نهضة العرب في عصور محتفلة على الارتقاء بفن الترجمة حيث كان لهم العديد من الانجازات المشرقة سبقوا فيها أوروبا بخطوات. والأمر نفسه ينطبق على الامبراطورية الروسية التى شهدت في مرحلة حكم بطرس الاكبر سلسلة من الاصلاحات وحققت تقدما كبيرا في كافة المجالات. وأيقن حكماء روسيا في تلك الحقبه أن بلادهم لا يمكن أن تتقدم في اتجاه ميادين الابداع العلمي والأدبي الا بالاهتمام بالترجمة.

و كان للكتاب الروس والعرب دور كبير في دفع حركة الترجمة من الروسية الى العربية ومن العربية الى الروسية الأمر الذي أسفر عن وجود عدد كبير من الأعمال المترجمة.

ويرجع الفضل في تدشين حركة الترجمة من العربية الى الروسية الى القيصر بطرس الأول والذي قام في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر بنهضه اقتصادية وثقافية في البلاد. ويمكن القول إن هناك الكثير من أوجه الشبه بين حقبة بطرس الأكبر في روسيا وحقبة محمد علي باشا في مصر.  حيث اهتم محمد على باشا بالترجمة وأنشأ مدرسة الألسن لإعداد المترجمين ايمانا منه بأهمية الترجمة في نهضه الشعوب. وهو الأمر نفسه الذي قام به القيصر بطرس الاكبر الذي شجع الترجمة وكافأ المترجمين وابتعثهم الى بلدان الشرق والغرب وكان من حظ الكثيرين منهم السفر الى مصر وتلقي علوم اللغة العربية في الجامع الازهر الشريف. وقد شجع القيصر حركة الترجمة عامة ومن العربية على وجه الخصوص وأنشأ مدرسة المستعربين وسار خلفه على نفس المنوال القياصرة الروس الذين تولوا الحكم بعده. وكان لانتشار الاسلام في حوض الفولجا والقوقاز أثر كبير في نشر اللغة العربية وتدريسها بالجامعات والمدارس. كما كان هذا سببا وجيها في انتشار اقسام اللغة العربية في الجامعات الروسية ثم افتتاح معاهد للاستشراق. كانت حاجة المسلمين الروس الى ترجمة النصوص الدينية وتاريخ الاسلام والبلدان العربية سببا في اقدام الروس على تعلم هذه اللغة وترجمة الكثير من الآثار العربية والاسلامية. كما كان لحركة الحجيج الروس سنويا أثر أيضا في التقريب بين الثقافتين وهو الذي انعكس بدوره على حركة الترجمة.

وقد شهدت فتره حكم بطرس الاكبر اصدار أول ترجمة لمعاني القران الكريم في عام 1716 بموجب مرسوم من القيصر وقد انجز هذه الترجمة استاذ الفلسفة بجامعة بادوان ب. ف. بوستينكوفي والذي ترجم النص عن اللغة الفرنسية. أما الترجمة الثانية فكانت في عام 1790 وكانت أيضا عن اللغة الفرنسية وأنجزها الكاتب المسرحي م. فيركيني. وقد استخدم الشاعر ألكسندر بوشكين هاتين الترجمتين عند كتابة قصيدته الشهيرة “محاكاة القرآن الكريم” أو ” من وحي القرآن” والتي صدرت في عام 1824

كما كانت هناك ترجمة ثالثة عن اللغة الانجليزية أنجزها المترجم المحترف إ. كولماكوفي في عام 1792. وقد عاب هذه الترجمات كونها وقعت في نفس الاخطاء التي وقع فيها المترجمون الانجليز والفرنسيون وشابها الكثير من الفاقد سواء كلمات أو حتى جمل وعبارات كاملة

أما أول ترجمة مباشرة من العربية الى الروسية فكانت على يد الجنرال د. بوجوسلافسكي خريج كلية اللغات الشرقية بجامعة سان بطرسبورج والذي خدم طوال حياته تقريبا في تركيا بالسلك الدبلوماسي. وقد انجز هذه الترجمة في عام 1871 الا أنها لم تنشر. وكانت أول ترجمة منشورة من العربية الى الروسية لمعاني القرآن الكريم في عام 1878 على يد المستشرق والباحث في الشؤون الاسلامية ج. سابلوكوف.

وقد صدرت العديد من الترجمات الأخرى لمعاني القران الكريم وكان أشهرها ترجمة العالم والمستشرق الكبير كراتشكوفسكي التي عاش في الفترة بين عامي 1883- 1951. ويعد كراتشكوفسكي عميد المستشرقين الروس في الحقبة السوفيتية وبفضل انجازاته الكبيرة حققت هذه المدرسة قفزة هائلة في حركة الترجمة العربية الروسية

ويعد كل من الشيخ محمد عياد الطنطاوي والمستشرق الروسي إجناتي كراتشكوفسكي صاحبي الفضل الأول والأكبر في دفع حركة الترجمة خطوات للأمام. وكان للشيخ محمد عياد الطنطاوي فضل السبق. فقد كان للشيخ دور هام في إعداد وتأهيل اجيال من المترجمين الروس الشبان الذين قاموا بنقل مئات من الأعمال الى الروسية. ولذا يمكن اعتباره مساهما رئيسيا في حركة الترجمة الى اللغة الروسية.

و قد قام الشيخ الطنطاوي بترجمة كتاب “تاريخ روسيا المختصر” لأوسترالوف و أعد قاموس عربي فرنسي طبع في كازان عام 1849م. و قام أيضا بترجمة الباب الاول من كتاب “كلستان” لسعدي الشيرازي.  وغيرها من المصنفات الخاصة في العقائد وقواعد اللغة والبلاغة وحتى الجبر والحساب والميراث، كما ترجم الامثال العربية الشهيرة الى اللغة الروسية.

في المقابل يعد اجناتي كراتشكوفسكي رائد مدرسة الاستشراق الروسية. تتلمذ على يديه اجيال من المستشرقين الذين أصبحوا فيما بعد علماء كبار. وقد انجز كراتشكوفسكي أكثر من 400 بحث علمي ومقاله تناول فيها بالبحث والدراسة الادب العربي شعرا ونثرا كما عمل في مجال المخطوطات وتحقيقها فتره من الزمن. ويرجع له الفضل في صدور ترجمة “ألف ليله وليله” بالروسية كما قام بترجمة معاني القران الكريم الى الروسية.

وقد سافر كراتشكوفسكي الى البلدان العربية وعرفها عن قرب وتعرف على الآداب والعادات والتقاليد والتقى بعلماء العرب في سوريا ومصر وفلسطين ولبنان وزار المكتبات والمتاحف والتقى الأدباء والشعراء.

ومن اهم انجازاته فضلا عن ترجمة معاني القران الكريم قيامه بمشروع تحقيق الادب العربي القديم. فقد كتب كراتشكوفسكي عشرات الابحاث عن ابن المعتز وابي العلاء المعري كما وضع كتابا في تاريخ الادب الجغرافي العربي.

وتكريما له قامت اكاديمية العلوم السوفيتية باصدار مجموعة مؤلفاته الكاملة في ستة اجزاء في الفترة بين عامي 1956 و1960 م.

و كان لظهور الجمعية الأورثوزكسية الفلسطينية التي أنشئت تحت رعاية روسيا دور كبير في إعداد وتأهيل العديد من المترجمين، على رأسهم كاتب لبنان الكبير ميخائيل نعيمة. وقد لعبت ثورة أكتوبر 1917 دور كبير في تطور صناعة الطباعة والنشر في روسيا، وعلى الرغم من خضوع هذا النشاط بالكامل لسيطرة الحزب الا ان تلك الفترة قد شهدت الاهتمام بالآداب العالمية ونقلها الى الروسية حيث طرح الأديب الكبير مكسيم جوركي مبادرة لإنشاء دار الأدب العالمي للنشر في 1918، التي ارتكز عملها علي نشر كلاسيكيات الأدب العالمي. وقد وصل عدد دور النشر خلال سنوات الثورة الأولي إلى ثلاثة آلاف دار نشر، بين عامة وخاصة، وقبل الحرب العالمية الثانية، وصل عدد المطبوعات في الاتحاد السوفيتي 44 ألف عنوان. وقد لعب الأدب دورا كبيرا خلال سنوات الحرب، حيث طبعت الدولة 1.7 مليون نسخة، تنوعت بين إصدارات علم الإجتماع السياسي، أدب الطفل، الكتب العلمية، الأدب. وصل عدد دور النشر في روسيا، قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي، حوالي ستة آلاف دار نشر رسمية. ساهمت الترجمة من العربية للروسية في تعرف القارئ الروسي على العديد من الأسماء اللامعة في سماء الأدب العربي مثل نجيب محفوظ، إدوار خراط، يوسف إدريس، عبد الرحمن الشرقاوي، حنا مينا، الطاهر وطار، إبراهيم الكوني، غسان كنفاني، الطيب صالح، سعيد حوراني، محمود درويش، توفيق الحكيم.

وقد شهدت الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ترجمة عشرات الأعمال من العربية الى الروسية على يد المترجمين السوفيت. حيث قامت المستشرقه اولجا فلاسوفا بترجمة ابداعات مغاربية في حين تخصصت فاليريا كيربيتشينكو في متابعة الادب المصري وترجمته. وتناولت دراسات ايجور يرماكوف وترجماته أعمال كتاب العراق وسوريا.

كما صدرت في تلك الفترة في روسيا مكتبة الادب العالمي. وتضمنت المكتبة مؤلفات عربية مترجمة الى الروسية ومنها اعمال لنجيب محفوظ وجبران خليل جبران وعبد الرحمن الخميسي ويوسف السباعي ويوسف ادريس والطيب صالح وجبرا ابراهيم جبرا.

ومن المشاريع الرائده نذكر ما قام به الاتحاد العام للكتاب و الأدباء العرب من تدشين مشروع ترجمة 100 كتاب صدر منها بالفعل 16 في المرحلة الاولى. و أثمرت هذه الجهود عن ترجمة أعمال عديدة منها رواية  “الرهينة” للكاتب اليمني زيد بن مطيع دماج و قامت بترجمتها الكسندرا سيمونوفا و رواية “سمية تخرج من البحر” للكاتبة الكويته ليلى عثمان و قامت بترجمتها ايلينا كوخاريفا و رواية “المجوس” للكاتب الليبي ابراهيم الكوني و قام بترجمتها ايجور يرماكوف و رواية “مدن الملح” للكاتب السعودي عبد الرحمن منيف و ترجمتها إيرينا بيليك و رواية “الحب في المنفي” للكاتب المصري بهاء طاهر و ترجمتها فاليريا كيربيتشينكو كما قامت أيضا بترجمة “قنديل ام هاشم” ليحيى حقي ضمن نفس المشروع. وقامت أولجا فلاسوفا بترجمة روايتين مغاربيتين هما “المرأه الوردة” لمحمد زفزاف و “التوت المر” لمحمد العروسي. ومن لبنان تم ترجمة رواية “أنا أحيا” لليلي بعلبكي و “الحي اللاتيني” لسهيل ادريس وقام بالترجمة نيريا نيقولايفا

في عام 1958 تأسس اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا الذي أصدر مجله شهيرة اسمها “مجله الآداب الافرواسيوية” ثم أصبح اسمها فيما بعد “لوتس” ونشرت العديد من الترجمات الأدبية. وشهدت الترجمة من الروسية الى العربية خلال الستينيات والسبعينيات ففي عام 1969 أسست جائزة لوتس في الترجمة وجائزة ابن سينا الدولية للترجمة.

وتضمنت مكتبة الادب العالمي التي أصدرها الاتحاد السوفيتي السابق أكثر من 200 مجلد تعريفي بالأدب العربي وترجمت نصوص أدبية لعدد كبير من الأدباء العرب.

ومن بين دور النشر الروسية التي لعبت دورا مهما في الترجمة نذكر دار نشر”رادوغا” و “التقدم”. ومن المترجمين العرب الذين نشرت كتبهم من خلال دور النشر تلك أبو بكر يوسف من مصر ويوسف الحلاق وشوكت يوسف من سوريا وخيري الضامن وغائب طعمه فرمان من العراق حيث ترجموا أعمال ماياكوفسكي وجوركي وشولوخوف واخماتوفا وباسترناك وراسبوتين. أما أولئك الذين عملوا في حقل الترجمة من العربية إلى الروسية فنذكر المترجمة الروسية أولجا فلاسوفا وفاليريا كيربيتشينكا وأولجا فرالوفا وفلاديمير شاجال.

وقامت دار نشر “التقدم” بتعيين عدد كبير من المترجمين والمراجعين العرب والروس المتحدثين بالعربية وترجمت هذه الدار المئات من الكتب من وإلى اللغة الروسية، وقد كان للأدب العربي نصيبا كبيرا في انتاجها، كما تعرف القاريء العربي علي الأدب الروسي من خلالها. كانت دار نشر “مير” أيضا من أكبر دور النشر في العهد السوفيتي، وقد نجت من السقوط مع انهيار الاتحاد السوفيتي وظلت تعمل حتى اليوم. أما دار “رادوجا”، فقد ظهرت عام 1982 حين تخلت دار “التقدم” عن إصدار الأدب، لتنفصل دار رادوجا وتتخصص في الأدب. وقد تعاملت مع نخبة من ألمع المترجمين، ولعبت دورا رائعا في تعريف القاريء العربي بأهم أعمال الأدب الروسي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. كما صدر عنها العديد من ترجمات الأعمال العربية للغة الروسية. أما دار النشر الشهيرة “ناؤوكا – العلم”، فقد أنشئت عام 1923 في الاتحاد السوفيتي تحت اسم دار نشر الأكاديمية الروسية للعلوم في سانت بيترسبرج، ثم تغير الاسم عام 1963 إلى دار نشر “ناؤوكا”. وفي عام 1964، تم تخصيص جزء من دار نشر الأكاديمية السوفيتية للعلوم ليصبح دار نشر الآداب الشرقية.

ويعد فلاديمير شاجال من أهم المستعربين الروس وصاحب مدرسة كبيرة في الاستشراق. وقد ترجمت العديد من الأعمال العربية على يديه ونذكر منها روايات لنجيب محفوظ والطيب صالح وحنا مينه والطاهر وطار وغيرهم.

ومن بين ما ترجمة الرواية الشهيرة “موسم الهجره الى الشمال” للطيب صالح والتى صدرت في عام 1977م. وقد صدرت الرواية بالروسية في عدة طبعات تبلغ كل منها مائة ألف نسخة.

وبفضل المترجمين والمستشرقين الروس تعرف القراء في روسيا على مؤلفات أبرز الأدباء العرب المعاصرين من مصر وسوريه والعراق والمغرب العربي. وتشير الارقام الى ان ما صدر من مؤلفات الكتاب العرب في العهد السوفيتي بلغ نحو 600 عنوان باللغة الروسية.

وقد شهدت الفترة الأخيرة تصاعد الاهتمام بترجمة الادب العربي الى الروسية وشهدت السنوات الاخيرة صدور عدد من الروايات والقصص العربية على أرفف المكتبات الروسية

و كان لكل البلدان العربية نصيب من حركة الترجمة وكما سبق وأشرنا ان المستشرقين الروس تخصصوا في بلدان معينه. فتذكر مثلا فلاديمير شاجال ويرماكوف وفلاسوفا الذين اهتموا كثيرا بترجمة التراث الجزائري كما ترجمت العديد من الاعمال الجزائرية عبر اللغة الفرنسية كلغة وسيطة

وكان لمصر حظ وفير في حركة الترجمة من العربية الى الروسية حيث ترجمت أعمال معظم الكتاب المصريين الكبار ونذكر منهم أعمال طه حسين “الأيام” وقام بترجمتها إغناطيسوس كراتشكوفسكي وأعمال توفيق الحكيم “عودة الروح” و “يوميات نائب في الأرياف” قام بترجمة الاولى م. سالي والثانية نوري عثمانوف. كما ترجمت معظم أعمال الأديب نجيب محفوظ ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر “أولاد حارتنا” وترجمتها المستشرقه الكبيرة فاليريا كيربيتشينكو. كما ترجمت أيضا “المرايا” في حين قام ك. يونوسوف بترجمة “رادوبيس” و إ. تيموفييف بترجمة “الطريق” و ج. ليبيديف بترجمة “ميرامار”. و بعد حصوله على جائزة نوبل ترجمت معظم أعمال نجيب محفوظ الى الروسية كما كان لذلك عظيم الأثر في زيادة الاهتمام بترجمة الأدب المصري. كما ترجمت أعمال ليوسف ادريس وجمال الغيطاني “الزيني بركات” وعبد الرحمن الخميسي ويوسف السباعي “أرض النفاق”.

ومن الترجمات أيضا نذكر ترجمة اعمال للكاتب المصري يوسف القعيد الذي حظي باهتمام المستشرقه الكبيرة الراحله فاليريا كيربيتشينكو التي قامت بترجمة عدد من أعماله “حادث في نجع المنيسي” والحرب في بر مصر”. كما ترجمت أعمال لمصطفي محمود ومحمد المخزنجي.

وتؤكد الباحثة والمستشرقة الروسية فاليريا كيربيتشينكا ان الترجمة من العربية الى الروسية قد ازدهرت منذ الثلاثينيات من القرن العشرين مع ترجمة “عودة الروح” لتوفيق الحكيم، و”الأيام” لطه حسين. وبعد ظهور ثلاثية نجيب محفوظ في الخسمينيات، حظي أدبه باهتمام كبير في روسيا، وتمت ترجمة العديد من أعماله للروسية. وقد ترجمت فاليريا كيربيتشينكا له رواية “المرايا” التي صدرت عام 1975، ورواية “أولاد حارتنا” التي صدر منها 50 ألف نسخة عام 1990. كما ترجمت “سيرة السلطان الظاهر بيبرس”، “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، و”الحب في المنفي” لبهاء طاهر، “مقدمة مقامات الحريري”، “أخبار عزبة المنيسي”، “الحرب في بر مصر” ليوسف القعيد، كما ترجمت ليوسف إدريس. ولكيربيتشينكا عدد من المؤلفات الهامة تخص الأدب العربي مثل “النثر العربي المعاصر”، “نجيب محفوظ أمير الشرق”، و”تاريخ الأدب المصري في القرنين التاسع عشر والعشرين”، “الموجة الجديدة في مصر”. و هناك أيضا المترجم والشاعر والمستشرق الروسي ييفجيني دياكونوف، الذي صدر له عام 2013 كتاب بعنوان “لمحات من تاريخ الأدب العربي”، الذي يتحدث عن نخبة من كبار الشعراء العرب مثل المتنبي، الجاحظ، أبو تمام، أبو نواس، إضافة إلي أسماء أخري تضم مبدعين من القرن العشرين مثل أحمد فؤاد نجم، نجيب محفوظ، أدونيس، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة.

و من العراق تمت ترجمة اعمال لعبد الرحمن منيف و غائب طعمه فرمان و ذو النون ايوب كما صدرت منذ عامين مختارات شعرية عربية باللغة الروسية ضمن كتاب “لمحات من تاريخ الادب العربي” لؤلفه يفجيني دياكونوف. و قد قام المؤلف بترجمة مختارات من اشعار نزار قباني و كوكبة من الشعراء العرب مثل امرؤ القيس و المعتمد بن عباد و الجاحظ و ابو تمام و المتنبي و جبران خليل جبران و المعري.

و في الفتره الاخيرة اهتم المستشرقون بترجمة الادب الخليجي و خاصة السعودي منه. حيث تمت ترجمة عدد من الروايات السعودية مثل “اختلاس”  للروائي السعودي هاني النقشبندي ونذكر أيضا رواية “القارورة” للكاتب يوسف المحيميد التى قام بترجمتها الدكتور شاه رستم موساروف في عام 2013م و ورواية “توبة وسلي” للكاتبة السعودية مها الفيصل والتى قام بترجمتها مرتضى عمروف

كما نشط المترجمون الروس في ترجمات اعمال الكتاب المصريين و خاصة صنع الله ابراهيم “اللجنة”و علاء الاسواني”عمارة يعقوبيان” و “شيكاغو” و بهاء طاهر “الحب في المنفى”  و مصطفى محمود و الذي صدرت هذا العام ترجمة لمسرحيته “الظل”

و أود هنا ان اشير الى مثلث ذهبي من المستشرقين الروس قاموا بترجمة عدد ضخم من الاعمال الأدبية و اعني به المستشرقات اولجا بوريسفنا فرولوفا و فاليريا كيربيتشينكو و انا اركاديفنا دولينينا. و قد رحلن جميعهن عن عالمنا بعد عطاء دام سنوات. وساهمن في ترجمة العديد من الاعمال من العربية.

و تعد أولجا فرولوفا من كبار المترجمين الروس الذين أولعوا بالشرق العربي و قدمت العديد من الدراسات في مجال تدريس اللغة العربية و أهمها كتاب ” نحن نتحدث العربية” و  كتاب عن الشعر المصري بالعامية و كتاب اخر عن المخطوطات العربية السودانية كما قامت بتأليف كتاب موسوعي عن العامية المصرية و ترجمت عدد كبير من اعمال محمد حسين هيكل و محمود تيمور

أما آنا اركاديفنا دولينينا فقد تتلمذت على يد الأكاديمي الشهير اجناتي كراتشكوفسكي و عملت أستاذة بجامعة سان بطرسبورج الحكومية برفقة فرولوفا و قامت بتأليف كتاب موسوعي عن جهود كراتشكوفكي في مجال التعريب و الاستشراق كما قامت بتأليف كتاب عن تاريخ الادب العربي المعاصر تضمن الكثير من الترجمات لمقتطفات من النصوص. وصدر لها أيضا كتاب بعنوان “ارابيسك” عبارة عن دراسات عن الادب العربي مع نصوص مختارة

و من أهم ترجماتها عن العربية “مقامات الحريري” لأبي مجد القاسم و مختارات من اعمال امين الريحاني و مقامات بديع الزمان الهمذاني.  كما عرفت بكتاباتها الاصيلة في النثر العربي و الشعر العربي الحديث و شعر القرون الوسطى و ترجمت الكثير منه.

و قد شهدت فترة التسعينيات و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و دخول روسيا في مرحلة عنيفة من التراجع الاقتصادي و المشكلات الاجتماعية و هو ما انعكس بدوره على الانتاج الأدبي و على حركة الترجمة من اللغات المختلفة و خاصة اللغات غير الاوربية و نتج عن ذلك حدوث حالة من الفراغ في نقل الادب و التراث العربي الى اللغة الروسية و التي استمرت طول عقد كامل تقريبا

غير ان تلك الفترة شهدت صدور العديد من الترجمات الجديدة لمعاني القران الكريم مثل ترجمة المستشرق محمد نوري عثمانوف 1995 و فاليريا بروخوروفا في عام 1991 و التي كانت بالأساس تلبية لحاجة مسلمي روسيا للتعرف هلى تعاليم و معاني القران الكريم و لم تتوقف تجارب ترجمة معاني القران الكريم من قبل المستشرقين و المترجمين الروس حيث وصل عددها الى اكثر من عشرين ترجمة في محالوة للبحث عن معاني جديدة و تجنب الهنات التي شابت الترجمات السابقة

و قبل عشرين عاما تقريبا و في مطلع القرن الجديد و مع تطور العلاقات العربية الروسية في مختلف المجالات الاقتصادية و السياسية و الثقافية تم تدشين مرحلة جديدة و تحقيق تقدم ملحوظ في حركة الترجمة و النشر و مازالت حتى الآن.

و قد لعبت المؤسسات في الجانبين دورا هاما في تحقيق هذا التقدم و نذكر منها معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية و مركز التعاون الانساني” و دار نشر ” الشعوب لشرقية” و ” العلم” و المركز القومي للترجمة و الهيئة العامة للكتاب و مراكز الترجمة في العالم العربي و معهد الترجمة في موسكو

و في عام 2008 صدرت ترجمة لرائعة نجيب محفوظ ” افراح القبة” و في 2009 ” رحلة ابن فطومة” و في 2011 ” اولاد حارتنا” و في 2013 صدرت ترجمة رواية “عزازيل” للكاتب المصري يوسف زيدان و التي نالت شهرة عالمية واسعة و تم ترجمتها الى اكثر من عشرين لغه و قد قام بترجمتها كل من كاتب المقال د. محمد الجبالي و د بافل جولكين. و في عام 2015 صدر للدكتور الجبالي ترجمة اخرى لنفس الكاتب و هي رواية “النبطي” عن دار نشر “انباء روسيا ”

و يكفي ان نذكر انه و خلال الشهور الماضية فقط تم رصد صدور اكثر من عشرة ترجمات من العربية الى الروسية  لأعمال كلاسيكية و معاصرة و هو ما يؤشر بقوة الى تنامي الاهتمام بالأدب و الثقافة العربية بشكل عام. كما أن هناك العديد من الترجمات في مجالات الجغرافيا السياسية و التاريخ و العلاقات الدولية في ظل التطورات الأخيرة و المتلاحقة على الساحة الدولية.

و هكذا يتضح لنا انه و على مدى التاريخ الطويل لصناعة النشر و الترجمة في روسيا سواء الامبراطورية او السوفيتية او المعاصرة كان للشرق العربي ومنتجه الأدبي نصيبا كبيرا من الإصدارات التي قدمت للقاريء الروسي، و ربما يرجع السبب في ذلك الى قدم العلاقات الثقافية بين روسيا والعالم العربي و التي تمتد بجذورها الى القرن العاشر الميلادي، بفضل الحجاج الروس الذين زوار الأراضي المقدسة و كذا بسبب التماس الجعرافي بين الحضارتين

ومن المرجح ان تشهد الفترة المقبلة تزايدا في عدد الترجمات الى الروسية مع تبني المركز القومي للترجمة وعدد من در النشر العربية ترجمة روائع من الأدب العربي الى الروسية فضلا عن الاهتمام المتنامي في روسيا والدول الناطقة بالروسية بترجمة الأدب العربي المعاصر وافتتاح العديد من اقسام اللغة العربية ومع تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين روسيا والعالم العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: