علامات الترقيم العربية
علامات الترقيم العربية
بقلم الناقد عبد الله جمعة
كنتُ عرضتُ في صفحتي منذ زمن أن علامات الترقيم ليست عربية و أنها نقلت عن اللاتينية عام ١٩١١م بواسطة شيخ العروبة (أحمد زكي باشا) و أن العربية تحمل في ذاتها علامات التأثر من خلال تركيباتها فسألني أحد الأصدقاء أن أذكر له أمثلةً توضح كيف تحمل العربية علامات التأثر دون علامات الترقيم هذه ؟
هذا فاصل من كتابي “مكامن الإبداع” :
إننا إذا تساءلنا فماذا كانت اللغة العربية تفعل قبل ظهور هذه الوسائل ؛ أعني علامات الترقيم ؟ أقول : للغة العربية فواصل خاصة بها تؤدي أداء تلك العلامات بأسلوب فريد يتماشى مع الموجات الدرامية للنفس البشرية سواءً المُرْسِلَة أم المُسْتَقْبِلَة و منها على سبيل المثال لا الحصر :
* الفاء الواقعة في جواب الشرط و اللام الواقعة في جواب شرط لو و لولا و كلتا الوسيلتين على سبيل المثال تفيد أمرين :
-:الأول إمكانية وقوع سكتة سابقة عليهما
– الثاني إمكانية ربط تاليهما بسابقهما من كلام ربطًا وثيقًا إذ لا يتم الكلام المنطوق مبنىً و معنىً إلا بهذا الرابط .
و معنى هذا أن كلا من الفاء و اللام في حال وجودهما في الجملة فإنها تقوم مقام الفاصلة (،) أو لنقل أنهما بالفعل أداتا ترقيم من نظام خاص بالعربية هو (نظام الفصل و الوصل) في تراكيبهما و معلوم أن الفاصلة في نظام الترقيم الحديث تعني إمكانية السكتة كما تعني ربط الكلام اللاحق بسابقة فهي فاصلة واصلة .
* أولا الفاء
نص النحاة على وجوب اقتران جواب الشرط بالفاء في حالات معينة طبقا لواقع العربية و على القمة منها القرآن الكريم و هذه الحالات أشار إليها القائل
اسمية طلبية و بجامد و بما و لن و قد و بالتنفيس
و من ذلك قوله تعالى “قَاْلُوْا إِنْ يَّسْرِقْ فَقَد سَرَقَ لَهُ أَخٌ مِنْ قَبْل” فالفاء في هذا المثال تقوم مقام الفاصلة (،) في نظام الكتابة الحالي و هي هنا فاصلة واصلة فهي فاصلة نطقًا أي يمكن تحقيق سكتة قبلها واصلة بناءً و تركيبًا فقد جاءت الفاء هنا للتنبيه على وجوب ربط لاحقها بسابقها على الرغم من وقوع سكتة تشبه وقفة بين الطرفين .
* ثانيًا اللام
فقد لوحظ اقتران جواب الشرط باللام للأداتين لو و لولا الشرطيتين بلام تسمى لام جواب الشرط و هذا الاقتران جائز لا واجب كما نص على ذلك النحاة و كما تشير إليه شواهد العربية و إن كنا نلاحظ أن الاقتران أغلب و أكثر وقوعًا و بخاصة إذا كان الجواب مثبتًا و من أمثلة ذلك قوله تعالى لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَاْبِ لَكَانَ خَيْرًأ لَهُمْ فاللام في هذا المثال أداة ربط تربط ما يتلوها بما يسبقها فتبين أن الطرف الأول الشرط و إن أمكن إتباعه بسكتة خفيفة نطقًا لا يمكن الاكتفاء به لارتباطه الوثيق بالطرف الثاني الجواب و بهما معًا تتم صحة الكلام مبناه و معناه و معنى هذا أن اللام في حال ذكرها تؤدي وظيفة الفاصلة (،) في نظام الكتابة الحديث فهي أيضا فاصلة نطقًا واصلة بناءً
من كتابي (مكامن الإبداع) ص100
برقم إيداع 16116/2016