شق الجن!

شق الجن!

دكتور سيد شعبان

مؤكد أن هذا حدث في مكان ما، خلص تقرير أعدته جهة خضراء ممن تزين تلك الأوشحة ثيابهم الرسمية وما أكثرها في تلك البلاد التي يمد كل واحد فيها أصله إما إلى آل البيت أو من يتصلون بذوي الأملاك والألقاب؛ ضعيف منبوذ من لم يعرف أحدا من هؤلاء، الأشباح والأصوات التي تأتي من تلك الناحية لا نجد لها تفسيرا، حين يظلم الليل وفي شدة العتمة تتوالى تلك الحركات، آنية تنكسر؛ ضرب ونباح كلاب؛ سياط تشوي ظهورا، رجال يستغيون، يحتضنون عرائس لن يزفوا إليهن أبدا؛ يطلبون شربة ماء، نساء موشومات بسياط زرق، هل قامت القيامة ونحن لا ندري؟

يبدو أن هذا جزء منها، تتكرر نفس المشاهد والأحداث؛ فقط تتبدل أسماء وأصوات من يديرون المشهد، خرج الناس في ذعر يمسكون بمصابيح علهم يجدون أثرا؛ استدعوا من يتعاملون مع الجن ممن يزدهر موسمهم حين يتأوه الجوعى؛ فثمة أقاويل تتناثر أن هذا الشق مسكون، ربما هو مكان سري؛ وما أكثر الأقبية في تلك البلاد التي تتوارى خلف زاوية النسيان؛ فالملوك لا يسألون عن رعيتهم؛ وكذلك يفعلون.

تكف تلك الأصوات وتتلاشى مع بداية الصباح ومن ثم تعاود ليلا؛ ومن العجيب أنها تصمت أيضا حين يكتمل البدر في السماء.

لا ندري سببا لما حدث؛ يبدو أنهم يخافون النور؛ يعشقون أسداف الليل وستائره التي يتم فيها كل ما يخافون أن يراه الذين يسكنون الشق الأرضي؛ يحلو لهم أن يهزءوا بأناتهم، يعزفوا على وقعها الألحان الشجية.

هذه حالة مثيرة للتساؤل؛ ربما يتسلى أحد الذين يديرون تلك الأجهزة؛ يعرض شريطا مصورا؛ يتباهى به أمام نسائه؛ سمعنا بأنهم يتلذذون بتلك السادية التي تغلغت في شرايينهم، يحلو لهم مضاجعة النساء على وقع تلك الأنات. يتجرعون خمورا قيل في حلها ما يثير متبلد الحس.

يقال إن هتلر حين كان يضاجع ابنة أخته كان يفعل هذا؛ يبدو أن تلك النماذج ما تزال موجودة.

ومن يدري لعل في تلك البلاد التي تدعي الطهارة ومن ثم تضع تمائم تحت عمائمها وغتراتها البيضاء؛ لتعيذها من عيون أولئك القاطنين في شق الأرض.

فزع شيخ متصاب لما تبادر إليه من أن العالم الآخر ماثل هنا؛ أقسم بأن هذا وهم لا دليل عليه، إنه عهد حافل بالأمن والخير، انظروا وأخذ يعدد مآثره؛ كلاب تجري رخاء، سيارات فارهة، أسراب من غزال تتثنى في ميعة الصبا، صدور مشرعات، خصور نحيفة، لمى عذبة؛ شعور متهدلة، مطاعم وأطعمة لم ير مثلها الرشيد في عصره.

هذا حقد ﻷنهم يريدون أن تنتهي تلك الموائد التى جعلت السادة متخمين بما فيه الكفاية، كيف تذهب بغير رجعة؟

يبدو أن تفسير الآيات وتلاوة الكتاب يقتصر عليهم وحدهم؛ لقد احتكروا الألقاب والآبار؛ بل بهبون الفقراء أرغفة الخبز؛ تبا لهم لن يخرجوا أبدا من مدن الملح؛ لن يكفيها النيل ولا الفرات؛ لترتوي، من يجرؤ أن يلوك سيرتهم فمنشور أو ملقى به في شق الثعبان الأقرع، هذه أوامر ذي السلطان الأكبر، وراية خضراء وأوراد وتسابيح وحجيج يطوفون بالبيت ومن يخرج عن سياق النص فمرصود!

ترامى إلى الناس أن تلك المنطقة بها تجاويف تصدر تلك الأصوات؛ لا تهتموا بهذا، في ليلة مظلمة انطلقت سيارات تحمل ماكينات صوت؛ تصدر أغان مثيرة، شاشات عرض عملاقة؛ ستكون منطقة للصوت والضوء؛ يتناسى الناس تلك الأصوات التي أثارت فيهم التساؤل، تحت الأرض عالم آخر؛ ويبقى فوقها ذلك الطلاء!

بعض الآراء ذهبت إلى أن الذين يصدرون الأنين والصراخ هم قوم يأجوج ومأجوج، مولانا – صاحب فطنة- أقام بيننا وبينهم سدا؛ حتى لا نفكر فيهم أو أن تحدثنا نفسنا الأمارة بالغضب أن نقلدهم؛ دعاة السلطان يلتمسون ما يرضيه حتى ولو كان صك غفران أو افتاء بمحاكم تفتيش؛ فالتاريخ يعيد نفسه مرارا !

تلك أوامر من جهة لا نعلمها، أغان عن زرع يغمر الصحراء خضرة، عن نهر يمتليء أسماكا، عن أرصدة في مصارف لا يعلو على أرقامها شيء.

على أية حال خفت الصوت القادم من شق الأرض، يحدث الصخب أثره، الأرض تهتز بأنات لا تكف، الأقدام تتراقص تصدر الموسيقى لحنا شهيا؛ يلقون بأشلاء مبعثرة في عرض الطريق؛ لا أحد يهتم؛ جناية لم تدون في سجلات مزينة بأختام ذهبية تسر الناظرين.

لكن هناك دائما من يسيئون الظن، لا يرون فيما تفعله تلك الجهات فائدة، ينظرون دائما إلى نصف الكوب الفارغ، ثياب مثيرة، أدوات زينة زاعقة؛ كل هذا يلبي حاجات وغرائز يتكتمون عليها في ظلام الليل؛ هل لابد أن يتواجد الرغيف والثوب المخملي؛ إنه ترف لا يمكن تصوره.

استدعوا عرافا يلعب بالبيضة والحجر، هذا مكان تسكنه الجن، علينا أن ندعه كما هو؛ من يتحدث عنه تتخطفه الشياطين وتلقى به الريح في مكان سحيق.

ثمة أمر مفزع؛ يتناقص من تحدثوا عن هذا المكان، تأتي وجوه مقنعة ومن ثم تذهب به إلى شق بأرض الغرائب.

مضى زمن وراء آخر؛ صارت الموسيقى تصدر بتلك الأنات، .

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: