الست
الست
أليس جابر
جاءنا صباح ثقيل ، استيقظتُ وهى بجواري ، الساعة قاربت التاسعة !
زوجتي شعلة نشاط ، تستيقظ مع الشمس أو ربما قبلها بقليل ، تمنح العصافير رشة حبوب وقليل من ماء فى وعاء لبني صغير بأرضية البلكونة الواسعة ، تسقى شجيرات الورد والريحان ، تطحن البن طازجا وتشيع فى المنزل رائحة القهوة ، ترتشفها مع قراءة بضع صفحات من رواية مائة عام من العزلة ، تلك الرواية التى ما أن تنتهي من قراءتها حتى تبدأها من جديد ، صارت تحلم ” برمديوس ” التى طارت الى الشمس .
عند التاسعة أستيقظ أنا وإذا بإفطار شهي فى نفس المكان حيث كانت العصافير ، نحتسي الشاي المحلى بكامل الرضا ، نقتسم الضحكات على نوادر الأحفاد ، أنهمك أنا فى قراءة الجريدة وتنهمك هى فى شراء الخضروات الشهية والفاكهة من الباعة الجائلين ، تقف بسلتها المربوطة بحبل صعوداً وهبوطاً ، كأنها خطاف يقطف من الحديقة فلفل وكوسة وبامية ، حبات البرقوق والخوخ ، بطاطا ، ما أجمل رائحة البطاطا المشوية في البيت .
قليلا وتنبعث كل روائح الطعام الزكية متضافرة مع صوت الست .
طرقات على الباب ، هو جارنا الأرمل يسألها عن طريقة عمل الكشك الماظية ، أحيانا يمر بنا أبن خالتى يجالسني ، نتبادل أطراف الحديث وعصير الليمون بالنعناع يقتسم معنا الوقت .
يتخلل اليوم عشرات المكالمات التليفونية من أبنائنا وأحفادنا .
– ياتيتة ماما ضربتنى .
-خليها تكلمنى .
قليلا ويتصل عادل
– جبت لك السمك اللى طلبتيه ياماما ، ساعة وأكون عندك .
– كتر خيرك ياحبيبي .
تهاتفنا نوال
– ياماما عايزة نمرة السباك .
تزداد الحركة فى منزلنا يوم الخميس ، تتعدد معها أصناف الطعام ، قائمة طويلة بما لذ وطاب أمر بها الأحفاد والأبناء طوال الأسبوع .
مازال لدى أولادي أسرار يودعونها قلب أمهم فى المكان المفضل للجميع .. المطبخ ، أموال تدسها عايدة فى جيوبهم وتُذيل عطائها قائلة :
يعنى أنا وأبوكم هنعمل بيها إيه !؟
مازالت بجواري فى السرير ، قلت :
– أول مرة تعمليها ، كل دا نوم ؟
العصافير مفطرتش .
لم تجبني ، وضعت يدى علي ذراعها اناغيها.
– عايدة .
طارت عايدة الى الشمس .
غابت العصافير ، ذبلت شجيرات الورد ، صمت التليفون وماتت الست .