سائق التوكتوك

سائق التوكتوك

دكتور عبد الفتاح أحمد

 

أذن المؤذن إيذانا بحلول وقت الظهر؛ حيث ارتفعت الشمس في كبد السماء، ترسل لهيب أشعتها على أهل الأرض ..يوم قائظ شديد الحراة.. لا يكاد المارة يجدون نسمة هواء ..يسترقون أنفاسهم ولا يكاد يوجد أوكسجين في الجو.. الازدحام شديد في الطرقات .. كل منشغل بحاله ، كل امرئ من الناس له شأن يغنيه ، هذا خارج من عمله ، وذاك عائد من السوق ، وأخر ذاهب لزيارة أقاربه .. كل يبحث عما يناسبه من وسيلة تنقله إلى هدفه المنشود.. وبينما أنتظر مرور تاكسي ، وقف توكتوك  أمامي.. بداخله شاب في ريعان شبابه ..تقريبا في الثلاثين من عمره .. يرافقه طفلان طفل عن يمينه في الثامنة من عمره ، يكسو جسده العاري ثوب الفقر.. ثياب رثة .. وطفلة عن يساره.. لاتختلف عن أخيها في ملامحها ولا ثيابها ،  لفت انتباهي صمته الرهيب طول الطريق.. يكسو وجهه الحزن .. وتبرق عيناه اللامعتان بريقًا يحمل في طياته خوفا مشوبا بالبؤس واليأس ، وكأن يومه لا يمر إلا بشق الأنفس .. يرتدي جلبابا قديمًا مرقعًا..وكأنه ظله ملازم له ليل نهار لا يفارقه ، ويبدو ذلك في ياقته المتسخة  .. يتأرجح التوكتوك منه عند قيادته يمنة ويسرة وكأنه لا يتحكم في قيادته ..لفت نظري أن الطفل الصغير يمسك بيده مِقوَد التوكتوك من ناحية اليمين .. ويحاول بيديه الدقيقتين الضغط بكل قوته في لحظة إمساك والده من جهة اليسار .. قلت له سائلًا متبرمًا : لماذا تترك المقود للطفل الصغير ؟ هل القيادة أمست عمل الأطفال الصغار ؟! فالتفت إلي صامتاً وكاد الدمع يتفلت من مقلتيه .. ثم عاود القيادة  بذراعه الضعيف   الذي يعانده ولا يطاوعه في الضغط بقوة على المقود من جهة اليسار ، أما ذراعه الآخر فهو في إجازة طويلة ، أو قل : مستقيلا  عن العمل ، بل هو ليس جزءًا منه فهو عاجز عن الحركة تمامًا ،ردت الصغيرة بصوت يملؤه الحزن ، إنه مصاب بجلطة في المخ ..وأنا وأخي نساعد معه في عمل التوكتوك.. رجعت لنفسي التي أنبتني عن سؤالي المؤلم له وقلت : يالله لهذا العاجز المكافح ! يحفر في الصخر ويعرض نفسه وصغاره للخطر من أجل التعفف عن سؤال الناس ، قلت : والله لو يعلم حال هذا العاجز – المكابد من أجل لقمة العيش – كل متسول يستجدي الناس ، وهو بكامل صحته لسقط لحم وجهه خجلًا من تواكله على الآخرين واستسهاله جمع الأموال بسيف الحياة .. ابتسمت له ابتسامة استحسان وتشجيع ..مربتًا على كتفه .. فابتسم ابتسامة رضا .. ومسحت على شعور صغيريه..نزلت ، ومضى الرجل في طريقه ليكمل رسالته في الحياة ..غاب عن الأنظار ..كأنما ابتلعته الأرض ..أو تبخر في الهواء

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: