في رحاب الشطيبي ١٧

إدريس الزياتي – المغرب

الشمس تتجه رويدا رويدا إلى مستقرها ، رسمت على الناحية الغربية لوحة ساحرة ، تداخلت الألوان لتعبر عن لواعج اللحظة ، حيث تقفز القلوب من مكانها لتتابع نبضها في حضن ذلك الناموس الرباني الذي يوحي بحركة الكون الدؤ وبة دون تململ ولا كسل، كأن قوة خفية تدفعها دفعا إلى هدفها، تؤدي الرسالة نتجه في حبور نحو الغاية.
بخطوات من يتفقد المكان يمشي مصطفى بحذر ، يحدو إدريس حدوه ينظران تارة إلى موضع أقدامهما وتارة إلى البعيد البعيد ،حيث شموخ الجبال ، وأشجار الزيتون التى تطغى على المكان ، لتصبغها بتلك الألوان الباهتة ، يستمتعان بذلك الفضاء الساحر بعيدا عن النااس ، لا يسمع هنالك إلا همس الطبيعة ، مفرداتها البليغة كأنها تنبع من صفاء ونقاء، ترتدي الجهة المشتهاة لونها البرتقالي وقد استمدته من هالة الشفق الذي يسبح في دعة ، نسمات المساءات الهادئة تغري بالمسير تحت قبة السماء الزرقاء الصافية ، تحفز العقل على التفكر في كتاب الله المنظور .
تلك اللحظات العابرة عبور الرياح العارضة ، تنسكب في القلب كطفرة متوقعة أو ومضة مبعثرة ، كأنها تصف حالة الفرح ، حالة التحليق في شساعة الملكوت الباهر ، لكنها موصومة بالهروب المخاتل ذات نزق ، تتفلت بسرعة ، لا تستطيع الإمساك بها ، تود لو يتوقف الزمن عندها، لتمتح من جمالها قدر ما تشتهي ، لكن الشمس مأمورة ، ذلك تقدير العزيز العليم .
تغير سريع يتوافق مع حركتها ، الكون في حالة عودة ، كل يأوي إلى مسكنه ، والقطيع يتجه إلى حظيرته ، البنتان تمضيان في أثره، حل الظلام ، ألقى الليل بكل حمولته القابعة في حنادسه ، حجبت الشمس ، وبزغ الهلال من بعيد محتشما لا يكاد يبين ، بصوته الخافت يعرج في العلياء ليلقي بنوره على الورى وهو بحاور طوارق الليل البهيم .
عادا إلى الغرفة كان الضوء ينبعث منها ، لعل الحاج الوالد قد جاء ، يقول مصطفى ، لكن لم يريا بعد له أثرا، كان وميضه بمثابة استدعاء رمزي للدخول . الليل في بدايته ، لم يعد هناك بد من الخضوع لداعي العودة ، فالظلام دامس ولا أثر للنور إلا ذلك الذي يجود به قرص القمر المتكور في السماء ، ذلك هو حال البادية ، تحيله دوما على الفطرة، حية في النهار متحركة ، ساكنة في الليل ميتة ، كأنها خاضعة لأمر ربها في المعاش والسبات.
راح مصطفى يتفقد أخواته بينما بدأ إدريس يقلب نظره في الغرفة، كتاب مجلد يظهر جزء منه قد غطت السجادة تلثاه لا يكاد يراه إلا بعد نظرة متفحصة لتشابه لو نيهما ، أخذ الكتاب، عنوانه مثير، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام النووي، لم يكن ساعتها ليعرف فيمته وفضله ولا الإمام النووي وصيته ولم يكن ليعرف أن وجود هذا الكتاب في بيت المسلم واجب لا غنى عنه وتدارسه مع الأسرة مطلوب ومندوب .
ما أن بدأ بتصفحه حتى دخل مصطفى، وهو ينظر إلى صنيع صديقه قائلا، هذا هو رفيق الوالد الوحيد في خلوته ، كلما فرغ من شغله في مشغله الذي يقضي فيه معظم يومه ، توضأ وجلس في هذا الركن ، وواصل القراءة فيه دون كلل ولا ملل كأنه يكتشف عالما جديدا غريبا .
قال إدريس وهل قرأته أنت ؟
لم أتجاوز ما فعلته الآن، تصفحته وقرأت العنوان فقط ، لكن إذا أتيحت لي الفرصة في إجازة الصيف سيكون أول عمل أقوم به لا بد أن فيه ما يروي الظمأ و يقطع طول الأمل و يكسر سيف التسويف.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: