ومضات ..في ديوان في نصرة الرسول للشاعرة سكينة جوهر (2)

بقلم: إبراهيم حسّان

الموسيقا …
تغريك الشاعرة منذ أول وهلة بموسيقا لقصيدة على نغم البسيط حيث الموسيقا الخارجية
جاءت القصيدةُ الأولى التي جزَّأتها الشاعرة
على بحر البسيط..
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن وهي داليةٌ مضمومة
والثانية والثالثة على بحر الكامل
وبحر البسيط كما تعلمون أساتذتي بحرٌ مُركب مختلَطٌ من تفعيلتين تأتيان بالتناوب .. وهو نغمٌ هائجٌ بتفعيلتيه اللتين تعقب موجته أختها في صراع الأمواج وتلاطمها تماما كما تتلاطم مشاعر الغضب والحزن في صدر الشاعرة وقلبها المتأزم على طول خط النار في الديوان كله
وما تحدثة التفعيلة الرابعة من جرْس موسيقي في (فعِلن).. كأنها تطرق بعد ما قبلها على أذن السامع حتى لا يغفل عن القضية الخطيرة التي تبذل جهدها في إيصالها للأمة.. خبط بصوابعك فعلن
فقد جزأت الشاعرةُ القصيدة التي تحمل ١٧٩بيتا مائةً وتسعة وسبعين بيتا إلى عشرة مقاطع
أما من حيث الموسيقا الداخلية فشاعرتنا بارعة في التصريع وهو اتفاق شطري البيت الأول في الحرف
مما يصنع جرْسا موسيقيا منذ أول وهلة للمتلقي..
كما جاء في مطلع القصيدة الأولى ففي قصيدة لن تطفئوا شمسَه تقول:
يامن على ديننا الإسلامِ قد حقدوا
ملتم عن الحق( بل أعماكمُ الحسدُ)
ونجد التضادَ والمقابلةَ وقربَ المخارج يساعد القارئَ على الاستمتاع والاندماج في النص
فتبدأ بالنداء لكل من تجرا على الإساءة واصفة إياه بالحقد بأن الهجوم على نبي الإسلام هو هجوم على الدين بأكمله وكل من يعتنق هذا الذين:
وتنتصر له كما انتصر له الله عز وجل فتستخدم تكنيك الفلاش باك أو العودة للتاريخ في هذا البيت:
كسرى هوى عرشه والفرس نارهمُ
باتت رمادا به كهانهم خمدوا
والتصريع في مفتتح القصيدة يدل على وعيها بالشعر وعُمقِ التحربة لديها .

ومن أشكال الموسيقا الداخلية في النص:
الجناس الناقص في حقد..حسد/الأعداد والعدد)
التضاد في أشعل وأخمد / النور والظلام/رشدوا وجحدوا)
والمقابلة في(
فينا الهُداةُ هَدَينا في الدنا أمما
لكنْ ببغي لكم كم أمة فسدوا

وأيضا في:
مقدرا عاش فيهم مرسلا بشرا
ملايكيٌّ ولكن ضمه الجسدُ
إن الشعراء في الإسلام باختلاف مشاربهم وأفكارهم وأطروحاتهم وتطلُّعاتهم أجمعوا على شيء واحد هو
حب النبي ومدحُه والذودُ عنه وقد بدا حبلا مشتركًا بين الشعراء والأدباء، والشعر العربي حافلٌ بقصائدَ
عديدة حفلَت أبياتها الشعرية في حب النبي ومدحه وذكر مآثره وأثره في هداية العالمين
وتختار سكينة جوهر من اللغة وإيحاءاتِها ، وتُولِّدُ منها ما تستطيع على التوليد، من زوايا متفردةٍ
تدهشهم وتعيش إحساساتٍ جماليةً ً لا تنتهي،
وحجارة هذا البناء الموضوعيِّ هي الألفاظ، إلا أن الألفاظ َ
في الشعر تومئ إلى ما وراء المعاني، فتُضيف إليها أبعادًا جديدة، وبذاك تتجدد وتحيا، وبغير ذلك تذبل وتموت؛
إذ نجد ألفاظها تقدِّم صورا إنسانية ولوحات فنية مدهشة في براعة لتكوين مشهد ٍ جليٍّ للقارئ
لتؤثر بقوة على وجدان العقل الجمعي والنتيجة ُ تحفيزُه على أن يغارَ أكثر على النبي ص

 

 

التناص عند سكينة جوهر :
التناص هو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للإشارة للتشابه بين النصوص والعلاقات المتبادلة بينهما
في الديوان ولموسوعية الشاعرة التي من خلال قراءتك لعملها تجد مدى ثقافتها واتساع قراءاتها
فنجدها في صفحة ٩٦
في البيت الأول تقول:
والرادكاليون أنت إمامهم إن كنت قاصدنا بشرِ شعارِ
نجدها متأثرة بالتناص بيت الأمير شوقي
الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغُلَواءُ
في قصيدته العصماء لمدح النبي
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ وفم الزمان تبسم وثناءُ
مع اتفاق الأمير وخنساء العرب في الكامل
وأيضا في
بحر الكامل
إن الكواكبَ أنت شمسٌ بينهم

لولا سناكم ما بدوا للساري
نتلمس بيت الشاعر الحضري الذي عاش جل حياته في بلاط المنادة النابغة الذبياني في مدح النعمان بن المنذر
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ
إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكبُ
مع اختلاف النابغة بطويله عن كامل شاعرتنا
ونجدها تضمينا في قولها حفظها الله في صفحة ١٠٢
فعليك صلى الله ما طيرٌ شدا
أو فاح عطرٌ من شذا الأزهارِ
نرى التضمين لبيت القاضي العلامة عبدِ الرب يحي اليمني
وعليك صلى الله ما طيرٌ شدا
في الوكر أو في روضةٍ غناءِ
الاقتباس عند سكينة جوهر
الاقتباس يختص بالتأثر بمفردات وآيات القرآن وهذا نحده بكثافة في شعر الأستاذة سكينة جوهر فهي أزهرية ابنة عالم ازهري معجمها يضخ تعابير القرآن ومفرداته الرصينة الجزلة
فعلى سبيل المثلل وليس الحصر
في الصفحة ٨٢
إذ قال ( إلا تنصروه) ووعدُه
صفحة ٨٦
اصدع بما تؤمر
والديوان بين أيديكم تتجولون
لتروا حشدا عظيما من الاقتباس
وميضٌ خلال التجوال في نصرة الرسول :
كان هذا من الجوانب المشرقة وهي تتعدد وتتوالد أمام الماكث على جسور النصوص متأملا في قصائدها والتي تعم الأبيات بها ..
ولكن
أليس العمل الأدبي عملا إنسانيا يحتوي على نقاط تحتاج للتطوير؟ ألم يأخذ النقاد اللاحقون على شعراء ماقبل الإسلام حتى المتنبي والبحتري وصولا بشوقي؟
بلى..وهذا ما كان يومض لي مابين السطور. فمثلا:
شاعرتنا على قدر براعتها وقوتها وتملكها من أدواتها وهي التي تُخّرِّج لمن حولها مخارجَ لهم لهفواتهم وسهوهم..نراها مع سمو حرفها وجلال قلمها تصر على استخدام الضرورات الشعرية
نعم استخدمها غيرها من السابقين ولكن يُعاب عليهم ذلك باعتبار أنه كان بالإمكان عدم الوقوع فيها بصياغة أخرى تخرجهم من الضرورة لاسيما أننا أمام سكينة جوهر وتجلى ذلك على سبيل المثال في:
أول قصيدة لن تطفئوا شمسه صفحة ١٩
وفي نفس الصفحة نلاحظ(مَن) تكررت أربع مرات
في ثلاث أبيات متوالية في
ثم(مِن) في بيت واحد على اختلاف المدلول فتكرار الحروف نفسها تبعث للنفس قليلا من الصعوبة اللفظية التي تقف حائلا دون استيعاب المعنى..
نلاحظ هذا البيت
(مِن )يوم ميلاده في الكون ساطعةٌ
كم أيقظت (مِنْ )دجى البهتان (مَن) رقدوا
التسكين في صخْبا
ما كان في عمره( صخْبا) وما سمعتْ
والمفترض صخَبا
وعلى سبيل المثال في التسكين في معرض القصائد
خُشْبٌ..
نعم هو يجوز كضرورة شعرية
ولكن ما يجوز لا يجوز لسكينة جوهر بقيمتها الشعريك وعبقريتها اللغوية وامتلاكها للأدوات ربما نرجع ذلك لسرعة الكتابة خلف مشاعر الغضب العارم.
فمن يقول في نفس الديوان
كانوا (مصابيحَ) تمحو لي جهلِكُمُ
مازلنا في الضرورات الشعرية
والتنوين في اسم عمرو
يكفيك حمزةُ أو سعدٌ( وعمروُ) فهم
آيات مجد يعيها الفارس النجِدِ
فعُمرُ وهي الأعلم غير مصروفة نقول جاء عمرُ
وليس جاء عمرٌ
ولكن لا نقول جاء عمروُ لأنها مصروفة لا مانع لصرفها فنقول جاء عمروٌ وليس جاء عمروُ
الرعب هو قمة درجات الخوف فلا يُستساغ في
ذكر الرعب ثم بعده الخوف في نفس الحالة والسياق كما في
أم أنهم أُرعِبوا ؟ خافوا لكم حرما؟
أم خُوِّفوا تمنعوا وفدا لهم يفدُ
المضارع تمنعوا .. تم حذف النون منه بلا جازم ولا ناصب ولا جواب شرط يخول لها ذلك
ولعل هذا خطأ مطبعي فلا يمكن لرسام ماهر أن تختل ريشته في انهاء لوحته المتفردة ..
ومن الغريب والنادر نرى سهوا عروضيا ولكن من البداية سلَّمنا جميعا بأن الشعر هو عمل إنساني يحتمل الصواب والخطأ
والغريب نجد هنةً عروضية في صفحة٣٤
الحقد والحسد الأعمى بكم رفضا
منهاجَ إسلامنا( وغواكمُ) اللدَدُ
التفعيلة مستفعلن تحولت في وغواكمْ ال
///٠//٠ من مسْتفعلن إلى متفاعلن من بسيط لكامل..
فالقافية على تفعيلة فعِلن طوال النص كما في
احدُ شردوا صمد رشدوا إلخ
وبمن تفاجأنا في صفحة ٤٨ الرَّدُّ …فَعْلنْ وليست فعِلن والشاعرة التزمت بصورة البسيط منذ البداية
والتزامها الخبن بطول القصيدة واضح بصورته كلا العروض والضرب مخبون
ولكن هنا فقط تحولت إلى القطع لتحول فعِلن إلى فاعلْ
وهذا السهو الأول بعده
واجعل حرفي دكذي نورا يؤانسني
في دنيتي وإذا ما ضمني( اللحْدُ )
ومثلها في
ام لم يردوا لخوفٍ شل السنَهم
يا حسرةً دائما يُعيينهمُ الردُّ
سناد التأسيس في القصيدة الثانية الرائية المكسورة
سناد تأسيس في آزرا
٥٤ بيت الثاني
والقافيه مزهرا مدثرا
وهو متعدد ولكن هنا نجلب لها العذر فنفس شعري طويل يحاول أن يجعل اللغة تتوالد بالمفردات لإكمال العمل كما ينبغي
تكرار لفظ الخشية في بيت واحد مرتين تكرر في ثلاثة أبيات متوالية
انظر ٤٨ أعلاها
وأيا ما كان فإن الذي بين أيدينا من ملحمة شعرية يغفر لها شاعرة ذات نفس طويل قلما نجده في الساحة الشعرية في معاصرتنا ومهما كان نغفله أمام عظمة القضية وسمو المكتوب فيه والعاطفة الشاعرة الصادقة وهي نبل الغاية وبراعة الوسيلة…
السهو كلنا يقع فيه حتى الأمير وقبله المتنبي وغيره من عمالقة الشعر .
وتبقى الملاحظات نظريات وضعها البشر تحتمل الصحة والتأويل
ومن كان بلا سهو في قصيدته فليرمني بحجر ..!

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: