وفاء (قصة قصيرة)

وفاء (قصة قصيرة)

بقلم: علي أحمد

وقف الجميع مشدوهين، يكاد يقتلهم الذهول ، سهام أعينهم مصوبة نحوه، تدور في رؤوسهم مئات الأسئلة المتصارعة،ليس في محيط الأسرة أو في العائلة من لايعرف قدر عشقه لها، الصغير قبل الكبير يعرف أنهما لم يفترقا منذ خمسة وثمانين عاما،منذ درجا معا في نفس الحي، جمع الحب قلبيهما منذ الطفولة، ثم توج الزواج برباطه المقدس تلك العلاقة، ومنذ ذلك الوقت تتكحل عيناه برؤيتها،فلايملك البعد عنها، ولاتملك البعد، لقد محا الدهر نضارة وجهها، ولعبت عوامل الزمن بجسدها،واختفت عوامل الجذب من عينيها، لكن حبهما ظل غضا طريا، لم تلوثه الأيام ولا أحداث الأزمان، كأنه بدأ الآن، في كل مرة  تراهما تظن أن هذا العشق لم يمض عليه إلا أيام قلائل، فما زالت حرارته تلفح من يلتقيهما.

فما للصمت يلفه؟! أأصابه الخرس من هول الصدمة؟! ما الذي يدور برأسه الآن؟!

إنه لم يصرخ، لم يبك، دموعه لم تر النور، وجهه يبدو عاديا؛كأن شيئا لم يحدث، وأن الكارثة لم تقع، هل  كان ذلك متوقعا؟ لم يستطع أحدٌ  من الحضور تفسير تصرفاته، ولا توضيح ما تنطوي عليه نفسه، الآن..صمته القاتل أصاب الجميع بالذهول، استهجان، وحيرة قاتلة، وقلق مميت، تغنى بها في شعره طوال حياته، أفي تلك اللحظة يصمت هكذا؟!

أما هو فقد فقد العالم، فقد نفسه، لايدري أين هو، أهذه هي الدنيا التي يعرفها؟ أم انتقل لعالم آخر، بدا الظلام أمام عينيه يغزوه من كل اتجاه كأنه في جب مظلم ، هو لايرى أحدا من  الحضور، لا يسمع ضجيجهم، دارت الأرض  تحت قدميه، أين أنا؟ وأين هي؟ بل أين الحياة؟

الحياة! الحياة ماتت، ممددة على سريرها في غرفتنا!

يحدثه من حوله في الأمر وهو في عالم آخر، كأن لسانه لم يعد في مكانه، لم يستطع أن يجيبهم، شريط حياته معها يمر أمام عينيه.

وفجأه قام من على كرسيه الجالس عليه، متجها صوب غرفتها، بخطوات متثاقلة ويد مرتعشة، وعقل مشوش فتح باب الغرفة، كانت ممددة على ذات السرير الذي جمعهما فترة حياتهما الطويلة معا، فقد كانت متمسكة بأثاث حجرة نومها،لقد غيرت كل أثاث البيت أكثر من مرة إلا  أثاث هذه الحجرة، فهي تحتفظ بكل جزء فيها وتعتز به، لقد حاول  مرارا تغييره  إلا أنها كانت تأبى ذلك في كل مرة؛ فيرضخ هو لتمسكها.

ظن الحاضرون أنه يودعها الوداع الأخير،تركوه معها بعض الوقت، لكن انتظارهم طال كثيرا، طرق أحدهم الباب ليخبره بأن الوقت قد حان، فلم يسمع منه أي رد، انتظروا فترة آخرى، لكن الأمر طال! طرقوا الباب مرة أخرى طرقات متتالية، ضاعت طرقاتهم هباءً،ولما أعجزهم رده؛ حطموا باب الغرفة؛ ذهول ألجم الجميع، نظر بعضهم إلى بعض، إنه ينام بجوارها كعادته، اقتربوا منه، هزه بعضهم لكنه أبى أن يفترقا….

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: