من نوادر الأصمعي مع الأعراب

بقلم الكاتب الباحث د.عبد الفتاح أحمد
مما يدل على فصاحة الأعراب والبدو؛ حيث هم أهل اللغة والبلاغة ، ومنهم جمعت قواعداللغة والأدب في عصر التدوين ، هذا الحوار بين الأصمعي من أئمة اللغة والبلاغة والأدب في العصر العباسي، وبين أعرابي أراد الأصمعي تعجيزه باختيار قوافي صعبة ليسير عليها الأعرابي ، وهذا من طرائفَ الأصمعي مع الأعراب ، تعالوا معي أصدقائي واستمتعوا بالحوار :
قالَ الأصمعيُّ:
دعاني بعضُ العربِ الكرامِ إلى الطعام فخرجتُ معهم إلى الباديةِ فأتوا بإناء أو جرّة وكانت ممتلئةً بالسمنِ وجلسنا للأكل ، فجاءَ أعرابيُّ يقطعُ غمارَ الأرضِ قطعًا ووراءهُ غبارٌ حتى وصلَ فجلسَ على المائدةِ من غير دعوة، ثم مدَّ يَدَهُ في السمن ، وكانَ يرفعَ يديه ؛ فيسيلُ السمنُ من بين أصابعهِ، فيسيلُ على الغبارِ الذي على يديهِ فيصنعُ خطوطًا ، فأردتُ أن أُضحِكَ القومَ عليهِ فقلتُ لهُ يا أعرابي :
كأنَّكَ أثلةٌ في أرضِ هشِ ..
أصابَها وابلٌ من بعدِ رشِّ
فالتفتَ إليَّ الأعرابيُّ وعينهُ محمرةً وقالَ :
كأنَّكَ بعرةٍ في إستِ كبشِ …
مدلّاةٍ وذاكَ الكبشِ يمشي .
قال الأصمعيُّ : فضحِكَ عليَّ القومُ جميعُهم ، فشعرتُ بالحرجِ فنظرتُ إليهِ ، وقلتُ لهُ : يا أعرابيُّ هل تعرفُ الشّعرَ أو ترويه ؟
فقال الأعرابيُّ : كيفَ لا أقولُ الشّعرَ وأنا أبوهُ وأمُّهُ .
فقلتُ لهُ : عندي قافيةٌ تريدُ عطاءً .
فقالَ الأعرابيُّ : هات ما عندك
قال الأصمعيُّ : فغصتُ في بحارِ العربيةِ فما وجدتُ أصعبَ مِن قافيةِ الواوِ الساكنةِ المفتوحِ ما قبلها ، فقلتُ لهُ يا أعرابيُّ :
قومٌ بِنجدٍ عهدناهم …
سقاهم اللهُ مِن النوْ .
أتدري ما النوْ يا أعرابي ؟
فالتفتَ الأعرابيُّ إليَّ وقالَ :
نوْ تلألأَ في دُجى ليلةِ ..
حالكةٍ مظلمةٍ لوْ .
فقلتُ لهُ : لوْ ماذا ، فقالَ :
لو سارَ فيها فارسٌ لانثنى …
على بساطِ الأرضِ منطوْ .
فقلتُ لهُ : منطوْ ماذا ، فقالَ :
منطوي الكشحِ هضيمِ الحشا …
كالبازِ ينقضُ مِن الجَوْ
( وكانَ الأصمعيُّ يزيدُ الأسئلةَ على الأعرابي حتى يصعبَ عليهِ )
قال الأصمعيُّ : فقلتُ : جوْ ماذا ، فقالَ :
جوْ السما والريحِ تعلو بهِ …
اشتمَ ريحِ الأرضِ فاعلَوْ
فقلتُ لهُ : اعلوْ ماذا ، فقالَ :
فاعلوْ لما عيلَ مِن صبرهِ …
فصارَ نحوَ القومِ ينعَوْ
فقلتُ لهُ : ينعَوْ ماذا ، فقالَ :
ينعوْ رجالًا للفنى شرعتْ …
كفيتُ بما لاقوا و يلقوْا
قال الأصمعيُّ فعلمتُ أنَّهُ لا شيءَ بعد الفناءِ ولكن أردتُ أن أُثقلَ عليهِ
فقلتُ لهُ : ويلقوا ماذا ، فقالَ :
إن كنتَ لا تفهمُ ما قلتهُ …
فأنتَ عندي رجلٌ بَوْ
فقلتُ لهُ : بَوْ ماذا ، فقالَ :
البوُّ سلخٌ قد حشا جلدهُ …
بأظلفِ قرنينِ تقمُ أَوْ
فقلتُ : أو ماذا ، فقالَ :
أو أضربَ الرأسَ بصوانةٍ …
تقولُ في ضربتِها قَوْ ( صوتُ الضربة )
قال الأصمعيُّ : فخشيتُ أن أقولَ لهُ قَوْ ماذا فيأخذُ العصا ويضربني ويكملُ البيت

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: