من مهارات الناقد  

 بقلم عبد الله جمعة
(الوعي بعلم الدلالة)
– و منه الوعي بدلالات الفعل في الجملة العربية
عجبتُ عجبًا شديدًا حين علمت أن أحد هؤلاء المتناقدين المتناقضين يقول في محاضرة تناقدية تناقضية في جمع من الشعراء : إن الشاعر الذي يُكْثِرُ من استعمال الجمل الفعلية في نصه الشعري إنما هو شاعر ضعيف في البنية التركيبية النصية وإن قوة الشاعر تقاس بقدرته على بناء المعاني والنسيج النصي من الجمل الاسمية …
ما هذا الهراء ! إن ذلك المتناقد المتناقض لم يعلم شيئًا عن “علم الدلالة” ودوره في إظهار العلاقات بين معاني الكلمات المختلفة , بل أكاد أجزم أن مصطلح “السيمانطيقا” لم يَمُرَّ بِأُذُنِ ذلك العابث غير المسؤول , فعلم الدلالة علم لغوي يبحث في الدلالة اللغوية والتي يلتزم فيها حدود النظام اللغوي والعلاقات اللغوية دون سواها ومجاله ؛ دراسة المعنى اللغوي على صعيد المفردات والتراكيب .
وينبئنا علم الدلالة بخطورة الأداء الدلالي للفعل ودوره في بناء النسيج الدرامي للحدث اللغوي عامة والشعري خاصة
فالدراسة الدلالية للفعل تؤكد لنا أن دلالة الفعل على الحدث تأتي من اشتراكه مع مصدره في مادة واحدة لأن المصدر اسم الحدث وتم تمييز الزمن الذي يجري فيه حدث الفعل بزمنين من زمن الصيغة الفعلية :
(1) الزمن الصرفي : وهو الزمن الذي تدل عليه الصيغة في مجال بنائها الإفرادي : (فعل للماضي – يفعل للمضارع – فعل للأمر)
(2) الزمن النحوي : وهو وظيفة الصيغة داخل التركيب في السياق اللغوي Linguistic Context , وهنا قد تتجرد الصيغة الفعلية عن الزمن الصرفي لها وتعطي داخل السياق زمنا آخر . ومن ذلك قوله تعالى “أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوْهُ” [النحل 1] , فالصيغة الفعلية “أتى” تَجَرَّدَتْ من الماضي لتدلَّ على المستقبل بسبب السياق ,
وقد تشارك الصيغة الفعلية مع أدوات أو كلمات أخرى لتكون صيغًا زمنية مُرَكَّبَةً مثل :
(كان يفعل) : للدلالة على وقوع الحدث في زمن ماض بعيد منقطع
(كاد يفعل) : للدلالة على الزمن الماضي المُقَارِب
(جعل يفعل) : للدلالة على الماضي الشروعي
(قد كان يفعل) : للدلالة على الماضي المتجدد والمؤكد
(سوف يفعل) : للدلالة على الزمن المستقبل
وغير ذلك ….
والفعل من حيث المبنى الصرفي ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر مع اختلاف هذه الأقسام فيما بينها شكلًا ومعنى فمن حيث الشكل الصرفي فإن لكل قسم من هذه الأقسام صيغته الخاصة به ومن حيث المعنى فإن كل صيغة تدل على زمن خاص بها
ومن أشهر الأفعال التي ستخدمنا في مجالنا هذا تلك الأفعال التي أطلق عليها اسم “أفعال الحركة” . فما هي أفعال الحركة إذن ؟
مفهوم الحركة Motion في أفعال الحركة
لقد حَدَّدَتِ المُعْجَمَاتُ العربيةُ دلالةَ هذه الكلمة بأنها ضد السكون , والحركة من الألفاظ واسعة الدلالة متشعبة المعنى وذلك لأنها لا تختص بكائن معين دون غيره من الكائنات , وإنما للحركة وجود ملحوظ مع كل الكائنات بل وتتعدد الحركات للكائن الواحد .
وللحركات المختلفة إيقاعًا ألفاظ مختلفة تعبر عن إيقاع الحركة من حيث الزمن الذي تستغرقه والمكان الذي تحدث فيه وقوة الفعل الذي تتبعه الحركة , ومصدر هذه الحركة وطبيعتها التي تتم فيها الحركة (هواء – ماء – سطح الأرض) … ولذلك تعددت الأفعال الدالة على الحركة بتعدد هذه الملامح والسمات وتفاوت درجاتها والحيز الواسع الذي تشغله في الحياة ؛ إذ الحركة هي الشكل الذي نتعرف من خلاله على (النشاط) أو (الفعل) , فالحركة هي التعبير الحقيقي عن الحياة … ومع النمو والزيادة في الحياة تزداد الأنماط الحركية خاصة تلك التي يسهم الإنسان في صنعها من الحركات التقنية الهادفة أو تلك الحركات العامة التي تتكرر بصورة يومية كنشاط حياتي تقليدي عن البشر يضاف إلى ذلك دور الحركة في التعبير اللغوي بشكل واضح
وهنا أتساءل ؛ كيف ندرك الحركة ؟
لو تصورت نفسك مسافرًا بالقطار فتذكر مرة وأنت تجلس في القطار الواقف بالمحطة في نفس الوقت الذي يغادر فيه قطار آخر نفس المحطة على الخط الموازي والمجاور للقطار الواقف الذي تجلس فيه , إنه يصعب عليك في الغالب إدراك أي القطارين يتحرك , وأيهما يقف ! إلا إذا نظرت إلى الرصيف مثلًا ! أو إلى شيء آخر ثابت أو لو كنت تركب أوتوبيسًا طويلًا مُمْتَدًّا بجوار الشباك في منتصف الأوتوبيس ونظر إلى الطريق فَسَيُخَيَّلُ إليك أن الطريق يجري … لماذا ؟
في الحقيقة يقرر العلماء أن كِلَا القطارين وكذلك الأوتوبيس والطريق في حركة بالنسبة للآخر , إلا أن أحد القطارين فقط في حركة بالنسبة للمحطة , ويستدل العلماء من خلال مثل هذه الأمثلة على أن مفهوم الحركة والسكون نسبيان حيث إنه لا يمكن الحكم بحركة أو سكون جسم إلا بالنسبة لجسم آخر
فليس هناك حركة مطلقة أو سكون مطلق . فيقال : إن الجسم في سكون حين يكون وضعه في الفضاء غير متغير بالنسبة لجسم آخر مع مرور الزمن , وفي المقابل يكون الجسم في حركة عندما يتغير وضعه بالنسبة لجسم آخر في أزمنة متعاقبة
فالقمر مثلًا في حركة بالنسبة للأرض , والأرض بدورها في حركة بالنسبة للشمس , والشمس في حركة بالنسبة لنجوم أخرى
ويظهر من هذا ارتباط مفهوم الحركة بالزمان والمكان وتقدير سرعة الحركة
وسؤال آخر يطرح نفسه : كيف تنقسم أفعال الحركة ؟
تنقسم أفعال الحركة إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي :
1- أفعال الحركة الانتقالية
2- أفعال الحركة التي تنتهي إلى ثبات واستقرار
3- أفعال الحركة غير الانتقالية (الموضعية)

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: