من رواية امسك … حمارًا… الفصل الثاني : قطار الوحدة

بقلم الدكتور مدحت عبد الجواد
ركبنا سفينة غريبة الصنع ونزلنا شاطئ على الأرجح أنه أحد الشواطئ المجهولة بأرض المغرب، ومن ثم ركبنا قطارًا ولا أدري إن كان قطارًا حقيقيًا أم أنه قطار من صنع الساحرة، وكأنه يسير دون قضبان كمجنحًا يطير في الهواء لسرعته مارًا بجميع دول العالم العربي ، ولا أدري متى صنعوا مثل هذا القطار ؟! وكيف اتفقوا على صنعه وهم الذين لايتفقون على شيء ؟! كنا نركب معًا ، فإذا ماجاء موضع نزول بعضنا عند قطر من الأقطار؛ لينفذوا مؤامرة الساحرة يتوقف القطار؛ ليفرغ بعضًا من حمولته ، كان علينا أن ننزل بأرض ( بنكين )، حيث تبدأ مهمتنا، لا أذكر كم كان عددنا ولا أذكر حجم المهام التي كلف بها كل منا لكثرتها، كما أني كنت دائم التفكير في مهمتنا أنا وأصدقائي الأربع ؛ لذا كانوا يدعونني أبا صابر، أما أصدقائي الأربع فهم ( العكموس والأخطب والصلصال والكباص )، كنا قد تعاهدنا على الصداقة وقت أن كنا حمير والحمار لايحنث بالعهد أبدًا ، وبينما كنا بالقطار تحدثنا حول أوامر الساحرة ، فقال الكعموس : إن الساحرة أرسلتني لدراسة أحوال التعليم وعليَّ أن أنقل كل شيء للساحرة ثم وبفضل قوتها السحرية سأتولى منصب وزير التعليم، فرد عليه الصلصال : أما أنا فمهمتي الإعلام، سأعلن ما تشاء الساحرة وأخفي عن أهل بنكين ما تشاء، فقاطعه الكباص قائلًا : أما أنا فمهمتي الاقتصاد وعلىَّ أن أدرس أحوال بنكين
الاقتصادية ومن ثم أختار من يعاوني من الجشعين في هدم اقتصادهم، قلت وماذا عنك يا أخطب ؟ أجدك صامتًا، فردَّ قائلًا : أما أنا فعلىَّ أن أنشر الفتن والمؤامرات بين أهل بنكين ، فصرخ الجميع يا لها من مهمة صعبة ، …فضحك قائلًا : يا أصحاب إذا كانوا متحدين فيما بينهم لكان الأمر صعبًا فأنتم تقيسون الأمر بمنطقكم معشر الحمير فما سُمع عنا يومًا أن حمارًا كذب أو خدع أو ظلم أخيه الحمار أو أخذ حقه أوسرق ماله، أما وقد أصبحنا في عالم البشر.. فما أعجب تنازعهم واختلافهم ! وما أشد طمعهم وتكالبهم ! إن الواحد منهم لا يتردد وهو يقتل أخيه من أجل حفنة مال أو منصب أوربما لأحقر الأمور.
دهش الجميع وقالوا : ما أفطنك بعالم البشر .وفجأة وجدت الجميع ينظرون إليَّ : وأنت يا أبا صابر
… ما مهمتك ؟
ضحكت وقلت : تعرفون ما للكلمة والقلم من أهمية في حياتنا ، فردَّ العكموس : معذرة يا أبا صابر فانت تعلم أننا بطيئو الفهم ولاعيب في ذلك ؛ ولذا مازلنا نجهل دورك ثم أليس ما تتحدث عنه هو مهمتي أنا حيث التعليم ؟!
لا ياعزيزي إنما أتحدث عن طبقة الكتاب والأدباء فإن مثل هؤلاء يمكن أن يغيروا كل الموازين ، فإذا ما وعي كل منهم دوره وأدرك قوة قلمه وأهمية كلمته صارت الكارثة ؛ ولذا علىَّ أن أثبط هممهم وأصرف أقلامهم إلى سفاسف الأمور ، فلا تصبح لهم أهمية .
قاطعني الأخطب : سمعنا أن هناك دين يجمعهم فماذا عن هذا الدين ؟!
ضحك الصلصال : دعوا هذا الأمر لوزير إعلامكم …فما أروع خفلاتي وما أجمل الفاتنات وأكثرهن !!! ….ضحكنا جميعًا ….يا لك من داهية.
لكنا تعاهدنا أن نبدأ من حيث أمرتنا الساحرة بالتنقل بين طبقات مجتمع بنكين حتى نفهم ثقافتهم ومن ثم تأتي قوة الساحرة فيتولى كل منا دوره .
كان القطار قد وصل أرض بنكين وجاءت محطة نزولنا ، حيث نزلنا وتحرك القطار لأرض أخرى يستقله من بني جنسنا من يستلقه في مهام تشبه مهامنا ، وكان علينا أن نتفرق كل في طريقه ، وفجأة قفزت فكرة رائعة إلى عقولنا لا أذكر من أين نبعت ؟ وما مصدرها ؟ فقررنا أن ننفذها …………