من إبداعات شباب كلية الألسن
الدكتورة نهى مختار
إبداعات الشباب كنوز ثمينة تشرق في ليل الواقع، أقدم لكم في هذا العدد السعيد من مجلة الديوان الجديد مقالا سرديا جميلا للطالب: عبد المقصود إبراهيم من قسم اللغة العربية، بكلية الألسن جامعة عين شمس، يكتب عبد المقصود مقاله بعين الراوي الخارجي الذي يحكي مشهدا مضيئا حدث في الكلية في مستهل العام الدراسي أمام ناظريه، في حين يشهد الواقع أنه كان مشاركا في هذا الحدث وكان أحد أبطاله الحقيقين، وهذه دراما الحياة التي تجسدها الكلمات حين تغادر نفسك وتنظر بعين الآخر فترى الصورة بأكثر من زاوية، ويصبح لحضورك أبعاد متعددة صنعها عقلك المبدع.. عبد المقصود الراوي كتب عن عبد المقصود البطل/ “الفتى الأول”، وعن زملائه: أحمد وسارة وميار ومحمد، الذين لم يصرح بأسمائهم داخل المقال كما لم يصرح بكونه أحد أبطال العرض المسرحي القصير الذي قدمه هذه النخبة من طلاب القسم، والذي يعاد تصويره الآن بالكلمات. د/ نهى مختار.
طالب عابر
“طلاب يتوافدون وآخرون يتهيئون؛ فتسللت إلى قاعة المؤتمرات في هدوء تام، وقعدت في زاوية وحدي أراقب ما يحدث؛ فوجدت دكاترة يتكلمون في أمور أكاديمية بحتة، فشاورت عقلي في الخروج؛ فإذا بطالب يظهر على المنصة، يرتدي نظارة وقميصا أبيض اللون وبنطالا أسود، وكان يتحدث في الهاتف، فأشار علي عقلي بالبقاء، فقعدت، وبدأت أفهم أن هذا الطالب يرتب لشيء ما، ثم تحدث بكلام صعب لم أفهم منه شيئا لكني أتذكر ما قال ( الحمد لله منطق البلغاء باللغى في البوادي، ومودع اللسان ألسن اللسن الهوادي، ومخصص عروق القيصوم وغضى القصيم بما لم ينله العبهر والهادي، ومفيض الأيادي بالروائح والغوادي) نعم هذا ما قاله بالضبط، أتذكر كل كلمة وكل حركة، أتذكر مشيته ونظرته وانفعالاته، وكأنه في عالم آخر غيرنا، وأتذكر نظرات الجمهور له، عذرا، أقصد الطلبة والدكاترة ثم حل الصمت.
وفجأة دخل زميل له قصير بعض الشيء، ذو ابتسامة رائعة ويرتدي الزي نفسه الذي يرتديه الأول، وبدأ يردد الكلمات التي كان يقولها، ويوبخه بأسلوب مهذب، ويشرك الجمهور في الأمر، وإذا بالجمهور يتفاعل معه بشدة، والأصوات تتعالى والنظرات تتغير، والأشواق تزداد، ووسط كل هذا تدخل فتاة معتدلة الطول، ترتدي نظارة ذات طراز خاص، وتملك ابتسامة غمرت المكان، وتجلس على أحد المكاتب، وكأنها في منزلها، ثم تشاركهم الحوار، وتتحدث بلغة عصرية، وتسألهم عن بعض الأشياء التي لا أعرف عنها شيئا، واستمر حديثهم، واستمرت متابعتي.
نظرات الشباب تغيرت، وبدأ قلبي يخفق حين رأيتها تدخل، فتاة يشبهها القمر، ويغمرها الحياء، ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، وتوجهت إلينا وتحدثت بالإنجليزية، وكان أسلوبها فريدا، وكنت حقيقة لا أهتم بما أسمع، فجمالها سيطر على قلبي، وتمنيت أن أكون ملازما لها على المنصة.
الأصوات تتعالى، والولد ذو النظارة يطيح في الجميع بكلمات موبخة، ونظرات مزدرية، التفت لصديقه ووبخه بكلمات شديدة، ونظر إلى ذات النظارة – وكانت لا تبالي- وبينما يلتفت إلى الأخيرة، دخل شاب أسمر الوجه، يبدو على وجهه الورع، وبدأ يهدأ بينهم، ويكلم الأول ويهدأ من روعه، وينصح ثلاثتهم… وخرجت.
بعد أن أجبت على هاتفي، دخلت فإذا بالفتى الأول ذي النظارة يتحدث بلغة سلسة، ويضحك مع الحضور، ويعرب عن حبه الشديد لطلبة الفرقة الأولى، ويتحدث عن حبه للغة العربية، ويقول أبياتا شعرية، ويطنب ويسترسل في الحديث؛ فعرفت أنه اليوم التعريفي لقسم اللغة العربية، وأن هؤلاء الطلبة كانوا يقدمون مسرحية للترحيب بزملائهم الجدد، مهتمين بإيصال فكرة أن قسم اللغة العربية – لا يجعلك تتحدث لغة التراث الصعبة النادرة، ولا يحرمك من تعلم لغة أجنبية، لكنه قدر الإمكان يقربك من العربية السلسة المعاصرة، ويجعل منك لغويا فريدا.
وعقب الانتهاء ذهبت إلى عميد الكلية؛ لأتقدم بطلب تحويل إلى قسم اللغة العربية، فلم أجدها، فذهبت إلى الوكيل فوافق، وأرسلني إلى رئيس القسم، وبت عربيا ألسنيا”.
عبد المقصود إبراهيم- الفرقة الثانية- قسم اللغة العربية.