مقدمة الكتاب كتاب ( بين حبيبين )

بقلم: منى مصطفى

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهمّ وأستمنحك السداد والفتح على قلبي ولساني بما يرضيك وينفع عبادك، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، من أوتي جوامع الكلم فمدت عليه الفصاحة ظلالها، وشدت به البلاغة نطاقها، فما نطق عن هوى، وما ضلّ وما غوى، وبعث بدين قويم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
كان ﷺ خير أبٍ، وألطف زوجٍ، وأوفى صديقٍ، وأنقى العباد سريرة وأحفظهم لفرجه وسمعه وبصره ﷺ
الحمد لله الذي لم يكتب علينا رهبانية ابتدعوها، والحمد لله الذي يثيبُنا على التزام الحلال ونبذ الحرام، والحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى وجعل بينهما مودة ورحمة، والحمد لله الذي شرّع لنا الزواج وحرّم الزنا، والحمد لله الذي جعل الأولاد حرزا لآبائهم من النار إذا صلحوا، والحمد لله الذي جعل الرحم معلقة بعرشه، يصل من وصلها ويقطع من قطعها، ثم الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد، والحمد لله الذي جعل غريزة الإنسان مقرونة بالحب والرغبة لا لمجرد حفظ النوع كالحيوان، والحمد لله الذي خلق الإنسان كل إنسان على فطرة الإسلام …
الحمد لله الذي ذرأ الحَب ليقيم البدن، وأحل الحُبَ لصلاح القلب، الحمد لله الذي أعاننا على كبد الدنيا بأن جعل الألفة والمودة سرَّ وميض السعادة في أيامها، وجعل كسب الحبّ الدافع لتعميرها
ثم أما بعد
الأسرة في زمننا كصيد غرير أنهكت جسده أسهم الصيادين، فنجدها متردية بين التفكك والسقوط، وينتهي أمرها للطلاق الفعلي وتشرد الأولاد، أو للطلاق الصوري، أي أن الوالدين يعيشان معا بعقد شرعي حفاظًا على الأولاد ولكن الجليد يغزو قلوبهم وفراشهم بدلا من الدفء، والمنافرة تملأ ضلوعهم بدلا من المودة، وأنفاسهم الحارة تحمل البغض ولا تعرف الشوق … نعم، لا تتعجب، هذا حال غالب بيوت شبابنا، إلا قلة قليلة علمت حال الدنيا فقنعت ورضت بالمتاح وسقت براعم حبها صبرا ورضا فأينعت سكينة وأمانا، وهؤلاء أيضا محاربون!
محاربون لأجل بنيهم الذين يتخطفهم المجتمع وما يطغى عليه من فساد في الذوق والفطرة والمفاهيم، وحتى شِرعة الله سبحانه وتعالى غدت غير واضحة ناصعة للشاب يستعصم بها عندما تعصف به الأهواء وتطعنه سهام التشكيك، فقد أصبح تحريف مفاهيم الدين والطعن في صحة نصوص السنة غاية كل من أراد الشهرة وطمع في حفنة من دراهم عفنة تُلقى عليه، أو غلبته نفسه لجذب الأضواء حوله مهما كلفه ذلك حتى لو باع آخرته!
كل ذلك جعل حياتنا البسيطة واضحة الغاية محددة الهدف ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أعقد من قوانين فيزياء الكوكب، (مع اعتبار المفهوم الواسع للعبادة )
هذا هو حال أسرتنا اليوم إما شقي بنفسه أو بولده أو بكليهما!
والأعجب أننا إذا بغينا الفرار بديننا تحقيقا لسنة التدافع وعملا بالمبدأ الرباني ((أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا )) وجدنا أن دخول القبر أيسر من دخول بلد آخر تتوسم النجاة فيه بدينك وولدك، وكأن البلاد غدت سجنا واسعا ضُربت علينا أسواره؛ لنعيش فيه بين مجاهدة إصلاح النفس وكبح جماحها وبين عثرة حفظ الأولاد من الفتن والأخذ بحجزهم إلى طريق النجاة!
هذا هو حال بلادنا العربية بكل أسف وبلاد الغرب أشد وطأة وأعظم خطرا!
وأكثر ما يؤرقني تراجع بعض المفاهيم الفطرية، حتى أننا نجد دورات تُعقد ومحاضرات تُلقى ورسائل ماجستير تُبحث فيما كان يعلمه المسلم بفطرته دون اللجوء لأحد، ولا أعلم سببا للانتكاس الفطري الذي أصاب كثيرًا من شبابنا إلا تغير اهتمامات الوالدين، فأصبحا يلهثان وراء الكسب المادي لتوفير حاجات البدن وبالتالي ندر الحوار، وقلّ النصح وطغت المادة، وغدا ( اليوتيوب ) بأدرانه وأرجاسه هو المربي الفاضل بدلا من حضن الأم وزند الأب! فجفت الروح وصارت حاجات الشباب من الجنسين شهوانية ومرهونة بما يراه في مواقع الانترنت الذي مزج الثقافات تقريبا، فانزاح البرزخ الفاصل بين الفضيلة والرزيلة وصارت أخلاق ومبادئ الأسرة ماسخة لاهي ملح ولا فرات!
أحدث ذلك كله ربكة في العقل والعاطفة، العقل يقول ديني وفطرتي، والعاطفة تقول جرّب وعش حياتك، وكثرة انتشار الخبث تجعله يؤلف بل ويُشرعن له!
تأتي بعد ذلك تجربة الزواج فنكتشف أن هذا الموروث ولّد لدى كل طرف أنانية مفرطة، هي تريده يمجدها ويعظمها ولا يصلي إلا في محرابها ويبالغ في إكرامها بما لا يملك ولا يطيق، فيقدم لها الورد جاثيا على قدميه ليشبع الأنانية والفردانية التي ولدّها الترف أو العوز وفساد الإعلام والثقافة، ويعيّشها كأبطال المسلسلات المترفين بأموال البؤساء منّا …… وهو يريدها تمثالا منحوت القوام، بهي الطلعة، ناعم الجلد شجي الصوت يتحدث بغنج ويسير بدلٍ … وكأنه خلق نفسه كما يتشهّى وكما يقرر خبراء التجميل وتجار الجنس لا كما خلقها الله الجميل الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى …
وبالتالي يغفل عن مكامن الروح والقلب فيها ولا يريد إلا مفاتن الجسد، – لأن هذه مفاهيمه التي استقاها من مربيه الفاضل ( اليوتيوب ) – فتنهار كل أحلامه وآماله بمجرد التعود أو بعد إنجاب الطفل الأول … وهكذا تتوالى أمواج الانهيار فيحدث الشقاق، وتتحول الأسرة آباء وأبناء لعش دبابير يغرس كل منهم ذبانه في لحم الآخر بدلا من أن تكون خلية نحل تنتج عسلا يداوي آلام الصاحب!
ولا يثبت في هذا الخضمّ المضطرب إلا من ثبته الله بالدين، وسلامة الفطرة، ووالدين يعلمان غاية وجودهما في الحياة فيتخذان من الاعتدال نهجا، ومن سنة نبيهم نبراسا، ومن تغذية الروح والعقل لا الكرش والفرج غاية!، ثم يتخذا من القرآن زادا تزكو به نفوسهم، ومن السنة ضياء يقيل عثراتهم … وهؤلاء – بفضل الله – موجودون بيننا غير أن شياطين الإنس لا يصدّرون إلا الفشلة ليسود الفساد …
ومن المؤلم حقا أنّ من احتفظ بفطرته سليمة في زمننا هذا يوشك أن يعيش غريبا؛ إما أن يداهن ويرضى بالمتاح، وإما يشعر أنه من كوكب آخر غير كوكبنا، أو من ديار غير ديارنا فيعيش بوجدان مضطرب وينعكس ذلك بلا شك على أسرته…
ومع فتنة الانبهار بالأقوى وإعلائه في نفوسنا ـ بسبب فساد الإعلام وتدهور الحال ـ لم نعد نُخضع فكرنا لمعايير الدين والعرف، وأصاب المجتمع غنيه وفقيره مرض المغالاة التي تفوق الخيال حتى تفشى العزوف عن الزواج بين شبابنا من الجنسين، ثم ظهر بيننا عقوق الآباء لأولادهم، وهذا أمر مخالف للفطرة تماما، فالأصل تشديد الوصية للأبناء بكثرة البر، والترهيب من العقوق، ولم يرد ذلك التشديد للآباء؛ لأن الفطرة الأصيلة بقلبهم هي حب الأولاد والاستكثار منهم، بل جعل المولى عزّ وجل كثرة الأولاد والأموال من زينة الدنيا، ومن علامات السعادة.
ولن نخرج من مأزق التفكك الأسري واندثار قيمنا العربية والإسلامية إلا بأن نزكي أنفسنا، ونحافظ على فطرتنا سليمة تأنف من الحرام وتقبل على الحلال، تسعد بالطاعة وتشقى بالمعصية، تقبل على ما يرضي مولاها راغبة راهبة، وتنفر مما يغضبه عازفة آنفة، توّسع الجنة التي تسكن صدرها، قبل أن توّسع دارها!
وقد أيقنتُ بعد تأمل أن استقامة المرء النفسية والعقلية والعقدية منبعها الأول بيئته، وأن أقوى مراحل العمر تأثيرا في النفس هي مرحلة الطفولة، وأن الحاضنة الأولى لهذه المرحلة هي ( البيت) لذاعمدت لتناول بعض العوامل التي تعين الزوجين على مواجهة الحياة بعقل متزن وعاطفة رزينة مقتدين بمعلم البشرية الأول سيدنا رسول الله ﷺ
وقد بدأت الكتابة منذ عقد من الزمن تقريبا، وكلما أنجزت عملًا صغيرًا كان أو كبيرًا، لقي استحسانا أم لقي استهجانا، نبذته وراء ظهري وقلت ليس هذا ما أريده، نعم نجحت في معالجة فكرة أو ظاهرة بطريقة ما، ودسست ما أصبو إليه من وعي أرجو ترسيخه في نفس القارئ سواء كان ظاهرا يفهمه كل قارئ، أو خفيًا يحتاج إلى قارئ نابه يتلقف ما وراء الحرف ولا يكتفي بظاهره، ومع ذلك ورغم حرصي الشديد أن يكون كل ما أكتبه في ميزان حسناتي بفضل الله ورحمته، إلا أنني لم أرضَ، ليس لاستهانتي بالعمل، ولا لأني ادخرت جهدا في تقديمه، بل هناك هاتف في نفسي يردد دوما: لم تجدي طريقك بعد!
ورغم أن ذاك الهاتف مازال في عقلي، إلا أنني أكتب هذه المرة بشغف مطمئنة النفس إلى هذا العمل بإذن الله؛ لأني أبتغي من ورائه التبليغ عن نبينا محمد ﷺ، حيث رصّعت الكتاب بعدد لا بأس به من أحاديث الرسول الكريم بين الصحيح والحسن والنادر من الضعيف الذي يُستأنس به
فكل حديث من حبيبنا ﷺ يغني عن دورات ومحاضرات كثيرة في فن التعامل الناجح بين الزوجين خاصة ومعاملة الناس عامة، كيف لا وقد علمه شديد القوى، فكان حديثه ﷺ من جوامع الكلم، فأسأل الله أن ينفعنا بها جميعا
وأرجو من الله أن يكتب لهذا العمل القبول؛ أملا في إرضائه سبحانه وتعالى، ورغبة صادقة تحدوها مشاعر أشد صدقًا في نفع شباب المسلمين من الجنسين؛ بإحياء الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها والتي يجتهد العالم كله الآن لتنكيسها.
– تسير المعالجة في الكتاب بهذه الطريقة:
ـ 1- همسة في أذن الرجال والنساء
ـ 2- عرض أهم المشاكل الاجتماعية مع تحليل أسبابها وبعض المقترحات لعلاجها من خلال تناول ما يقرب من أربعين حديثا شريفا في أصول التعامل بين الزوجين خاصة وعموم الناس، ورد بعض الأحاديث منفردا بالتحليل ومقصودا لذاته وبعضها في ثنايا الموضوعات …
3- خلف النوافذ المغلقة ( عرض بعض رسائل من القراء التي تعبر عن الواقع ومرفق بها تحليل ومعالجة.)

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: