لمَاذَا يُدَمِّرُونَ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ
بقلم الدكتور: أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمُ مَرْعُوه
لَا غَرَابَةَ أَيُّهَا العَرَبِيُّ أَنْ تُسَمَّى المِلْعَقَةَ «مَعْلَقَةً!» فِي زَمَنِ «الْقَلْبِ الْمَكَانِيِّ» لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: زَمَنَ الحَدَاثَةِ الَّذِي تَكَسَّرَتْ فِيهِ عِظَامُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ظُلْمًا وَقَهْرًا عَلَى أَيْدِي الدُّخَلَاءِ الَّذِينَ يَتَطَفَّلُونَ عَلَى كِتَابَةِ «اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ» الَّتِي هِي أكْبَرُ مِنْهُمْ شَأْنًا وَمَكَانَةً، وَذَلِكَ: «لِأَنَّهَا لُغَةُ الكِتَابِ المُعْجِزِ لِفَصَاحَةِ وَبَلَاغَةِ وَبَيَانِ العَرْبِ أيَّامَ كَانُوا فِي الْبَوَادي والنَّوادِي.
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ بهُتانًا وَزُورًا «بِالْأُدَبَاءِ وَالْكُتَّابِ وَالشُّعرَاءِ وَالنُّقَّادِ» تَطَفَّلُوا عَلَى لُغَةٍ هِي أكْبَرُ مِنْهُمْ شَأْنًا وَمَكَانَةً، فَكَتَبُوا وَكَتَبُوا حَتَّى انْتَشَرَ الْمَرَضُ اللُّغَوِيُّ، وَأَصْبَحْنَا نَرَى الَّتِي «تَتَأَوَّهُ وَلَا تَتَفَوَّهُ» وَهِي تُحَاوِلُ أَنْ تُقْنِعَنَا بِتَمَايُلِهَا وإِغْرَائِهَا أَنَّ مَا تُقَدِّمُهُ هُوَ «الشِّعْرُ العَرَبِيُّ» سَوَاءً رَضِينَا أَمْ لَمْ نَرَضَ، وَعَلَيْكَ أَيُّهَا المُسْتَمِعُ الْحَائِرُ أَنْ تَتَحَمَّلَ الظُّلْمَ الْجَائِرَ، وَلَا بَأْسَ! فَقَدْ كُنَّا نَحْتَسِيهِ مَعَ مَا تَبَقَّى فِي قَدْحِ الْقَهْوَةِ!
وَنَسِيَ المُدَّعُونَ أَنَّ لُغَةَ الْكِتَابِ المُعْجِزِ لِكُلِّ فَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ وَبَيَانٍ أَعْجَزَتْ أَصْحَابَ اللُّغَةِ الأَصْلِيِّينَ حَتَّى رَضَخُوا واسْتَسْلَمُوا، وَمَا قَاوَمُوا، إِلَى أَنْ وَجَدْنَا مَا يُسَمَّى «بالإِنْتَرْنِت» فَكَانَ مَغْرمَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ (يَنِتَّ ويَلِتَّ)، وَظَهَرَ عَجِينُ «جَمَاعَةَ اللَّتَّاتِينَ والعَجَّانِينَ» حَتَّى وَجَدْنَا مِنْ بَيْنِهِمْ مَنْ عَجَنُوا اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ بِغَيْرِ عَجِينٍ، وَخَبَزُوا خُبْزًا بِغَيْرِ خَبِيزٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ خَلَطُوا مَا يُسَمَّى (بِرَدَّةِ الدَّقِيقِ) بِرِدَّةٍ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَمَعْدِنِهَا الدَّقِيقِ!
فَأَيُّ لُغَةٍ يَكْتُبُ بِهَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُخْرِجُوا فِي جَامِعَاتٍ تُفَرِّخُ مَنْ لَا يَعْرِفُونَ اللُّغَةَ، وَلَا أُصُولَ الْكِتَابَةِ بِهَا، حَتَّى انْتَشَرَتِ الْكَلِمَاتُ الْعَشْوَائِيَّةُ الْمَخْلُوطَةُ بِالرَّدَى، وَالَّتِي أَصْبَحَتْ حِمْلًا عَسِيرًا عَلَى اللُّغَةِ!
الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الَّتِي تُعْرَضُ يَوْمِيًّا عَلَى مَسْرَحِ الإنْتَرْنِت تَكُونُ فِي: مَسْرَحِيَّةِ أُمِّيَّةِ الْمُتَعَلِّمِ الْفَاقِدِ لِلتَّكَلُّمِ، وَالَّتِي إِنْ زَادَتِ الْجَاهِلَ فَلَنْ تَزِيدَهُ إِلَّا جَهْلًا، بِجَانِبِ افْتِضَاحِ أُمِّيَّةِ الْمُتَعَلِّمِ، وَفَضْحِ تَخَلُّفِ الْقَابِعِينَ مَا بَيْنَ الْمُثَقَّفِينَ وَأَنْصَافِ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَكَشْفِ عَوْرَاتِ الثَّقَافَةِ الْمُتَدَنِّيَةِ، أَوْ قُلْ إِنْ شِئْتَ الخُوَاءَ الثَّقَافِيَّ وَالفِكْرِيَّ، وَالسُّقُوطَ اللَّا إِرَادِيَّ فِي مُسْتَنْقَعِ الْجَهْلِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُجِيدُ التَّحَدُّثَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَأَنَّهَا تَرُفُّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَهَذَا مَا نَعْرِفُهُ مِنْ طَرِيقَةِ كِتَابَتِهِ بِالْعَامِيَّةِ الْمَمْزُوجَةِ بِبَعْضِ أَحْرُفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ المُهَجَّنَةِ أَوِ الْغَرِيبَةِ فِي بَيْتِها.. وَلَا حَرَجَ، لِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْتُبُ لَكَ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّكَ تَفْهَمُ مَقْصِدَهُ إِلِ إِلِ، وَكَأَنَّهُ يُكَلِّمُكَ وَتُكَلِّمُهُ!
هَذَا غَيْرُ الأَخْطَاءِ الإِمْلَائِيَّةِ الْكَثِيرَةِ بِخِلَافِ الأَخْطَاءِ النَّحْوِيَّةِ الَّتِي إِنْ جَلَسْتَ لِتُحْصِيهَا عَدَدًا أَحْصَتْكَ وَخَلَاَيَاَكَ العَصَبِيَّةَ قَبْلَ أَنْ تُحْصِيهَا. أَمَّا الْأَخْطَاءُ اللُّغَوِيَّةُ، فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ، رَغْمَ أَنَّهَا اللُّغَةُ الَّتِي تُمَكِّنُ صَاحِبَهَا مِنَ التَّعْبِيرِ عَمَّا يَكُنْ بِدَاخِلِهِ، وَلِأَنَّهَا الَّتِي تُمَكِّنُهُ مِنَ الوُصُولِ إِلَى لُبِّ المَوْضُوعِ مِنْ أقْرَبِ الطُّرُقِ وَأقْصَرِهَا، كَيْ تَصِلَ إِلَى قَلْبِ القَارِئِ قَبْلَ عَقْلِهِ، وَهِي الَّتِي يَجِبُ لَهَا أَنْ تُكْتَبَ بِطَرِيقَةٍ بَلَاغِيَّةٍ سليمةٍ حَتَّى تُضِيفَ إِلَى الكَلَاَمِ رَوْنَقًا وَجَمَالًا.
أَيْنَ رُوَّادُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْسِجُونَ الكَلِمَاتِ الجَمِيلَةِ عَلَى مِنْوَالِ الحَيَاةِ قَرِيبًا مِنْ أَشْرِعَةِ المَرَاكِبِ البَيْضَاءِ وَالحَمَائِمِ المُخْتَبِئَةِ بَيْنَ أَوْرَاقِ الشَّجِرِ، تِلْكَ الحَمَائِمُ الجَمِيلَةُ الَّتِي كَانَتْ تُنْسِجُ قَصَائِدَ الفَجْرِ الْجَمِيلِ، هُنَاكَ عِنْدَ شَوَاطِيْ البَحْرِ الأَحْمَرِ، وَالخَلِيجِ العَرَبِيِّ، وَبَاقِي الأَمَاكِنِ العَرَبِيَّةِ فِي حِمْيَرَ، وَقَحْطَانَ، وَعَدَنَ، وكِندَةَ، وَالحِجَازَ وَاليَمَنَ، وعَسِيرَ، وَبِلَادَ الشَّامِ، «وَمِصْرَ العَرَبِيَّةَ الَّتِي أَنْجَبَتْ حُرَّاسًا لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ» كالمُفَكِّرِ الْكَبِيرِ: عَبَّاسٍ مَحْمُودٍ العَقَّادِ، وَعَمِيدِ الأدَبِ العَرَبِيِّ الدُّكْتورِ: طهَ حُسِينَ، وَأَمِيرِ الشُّعرَاءِ: أَحَمْدَ شَوْقِيٍّ، وَشَاعِرِ النِّيلِ: حَافِظٍ إِبْرَاهِيمَ، وَشَاعِرِ الرُّومَانْسِيَّةِ الخَلَّابَةِ الدُّكْتورِ: إِبْرَاهِيمَ نَاجِي «صَاحِبُ رَائِعَةِ الْإِطْلَالِ» وَالْمَازِنِيِّ، والمَنْفَلُوطِيِّ، وَأَحْمَدَ أَمينَ، وَأَحْمَدَ زَكِيَّ أَبُو شَادِّي، وَعَبْدِ الحَمِيدِ جَوْدَةَ السَّحَّارِ، وَنَجِيبِ مَحْفُوظٍ، وَمُحَمَّدِ حُسِينَ هَيْكَلَ، وَأَحْمَدَ لُطْفِيِّ السَّيِّدِ، وَعَلِيٍّ مَحْمُودٍ طَهَ، وَأَحْمَدَ حَسَنَ الزِّيَّاتِ، وَزَكِي نَجِيبٍ مَحْمُودٍ، وَمَحْمُودٍ أَبُو الْوَفَا، وَنَجِيبٍ سُرُورٍ، وَنُعْمَانَ عَاشُورُ، وَفَارُوقَ شُوشَةَ، وَأَبِي العَيْنَيْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْعَيْنَيْنِ، ابْنِ بَلْدَتَي: «البَسَاتِينِ» الْجَمِيلَةِ!