لفتة فنية مميزة: من حواري عن أحد العروض المسرحية مع الأستاذ محمود الحديني والأستاذة سلوى محمد
بقلم: الدكتور أحمد رمضان العيسوي: مدرس مساعد بكلية الألسن- جامعة عين شمس
اتضح لي فعلًا أن نظرة الأديب لما حوله في المجتمع تختلف عن نظرة الإنسان العادي، فهو يرى الأمور بعين تحليلية ناقدة، وترد في ذهنه أفكار وروايات لا ترد للإنسان العادي. هذا ما رأيته في أفكار وآراء النقاد الأدبيين لمختلف الأعمال التي حضرت مناقشتها. كان العرض المسرحي لمسرحية “المحطة” أحد العروض التي حضرت مناقشتها وتحكيمها. تجربة مميزة لكن ليست جديدة. مجموعة رائعة من الشباب قدموا عرضًا دراميًا ممزوجًا بنكهة كوميدية خفيفة، رأيت فيهم الإتقان الفني في تجسيد الشخصيات. بالنسبة لي، من بداية العرض حتى نهايته كنت منسجمًا مع القصة وتناقل الأحداث فيما بينهم. أدركت حينها مفهوم “استحضار مكنون الشخصية”، وهذا ما نجحوا فيه. لكن هذه النظرة الإيجابية مني تجاه هذا العمل الفني لم تكن الزاوية الوحيدة لرؤيته، فبالنسبة لي كمشاهد لم يأسرني إلا براعة الأداء وسلاسة الحدث، لكن هناك رؤية فنية أخرى تناولت ذلك العمل من زوايا أخرى لم أنتبه لها ولم تشغل بالي فعلًا. هذا ما قصدته عن رؤية الأديب والناقد الفني، فبعد انتهاء العرض ذهبت لغرفة الاستراحة بجوار المسرح فوجدت الممثل القدير والناقد الفني، الأستاذ محمود الحديني، يتحدث مع الممثلة صاحبة الظهور المتميز، الأستاذة سلوى محمد علي، حيث كانا محكمين لبعض الأعمال المسرحية ذلك اليوم على مسرح وزارة الشباب والرياضة.
جلست جوار الأستاذ محمود، فنظر لي وابتسم ورحب بي بشدة كأنه يعرفني جدًا، ومد يده وصافحني ومال تجاهي ليسألني أن أعرفه بنفسي. كنت سعيدًا جدًا بهذا التواضع وحسن الترحاب. سألته أن أحاوره في بعض الأمور المتعلقة بالمسرحية، فرحب بشدة وقال لي “ما رأيك فيها؟”. أعربت عن مدى اقتناعي بها، وكيف أنهم نجحوا في أن أتعايش معهم في باطن الحكاية. ثم سألني: “وما رأيك في القصة؟”، فقلت إنها قصة واقعية تحاكي نمطًا شائعًا في مجتمعنا ونجحوا في تجسيدها. نظر لي وهو يقول: “هذه المسرحية واهية!”، فتعجبت مما قال، وكان ذلك ردًا مفاجئًا لأنني توقعت أن يكون الرد إيجابيًا. ولم يترك لي فرصة السؤال عن سبب ذلك، وقاطع دهشتي قائلًا: “كيف تقوم القصة بأكملها على فكرة استغلال التعويض المالي بسبب دهس القطار لتلك السيدة، وهي أصلًا لن تحصل على أي تعويض لأن القطار في مساره الطبيعي ولم ينحرف عنه، لذلك أحداث القصة كلها مبنية على سراب!”. تجدر الإشارة إلى أن أحداث المسرحية تدور حول استغلال زوج وزوجته بمشورة من محام ما لواقعة انتحار والدة الزوجة برفع قضية يطالبون فيها هيئة السكة الحديد بالتعويض المادي عن ذلك الحادث. هنا ظهر الفرق الواضح بين الرؤية الناقدة للعمل الفني والرؤية السطحية للأداء التمثيلي، وتبين لي كيف أن النتاج الأدبي القيم الذي يمدحه الأدباء هو فعلًا على درجة عالية من الحبكة والإحكام، وليس مجرد أداء تمثيلي مبهر. بدأ الأستاذ محمود يشرح لي بعض أسس العمل المسرحي، وما يجب أن يتوفر فيه، وكيف ننظر إليه بعين ناقدة، وماذا يعكس النقد الأدبي في مرآة أفقنا الفني.
من ناحية أخرى، كانت تستمع الأستاذة سلوى لما يقوله الأستاذ محمود، وشاركت الحديث برؤيتها الفنية تجاه العمل ولفت انتباهي أنها تناولت جانبًا مختلفًا في تعليقها. كان مصب حديثها تجاه حالة الجمهور، وذكرت أن للمسرح آداب وأصول؛ منها احترام الجمهور للحالة السائدة في المسرح وخاصة الممثلين. فلا يجوز أن يصفق الجمهور مرارًا وتكرارًا دون داع لذلك، فالتصفيق له وقته وأدبه ويدرك ذلك الجمهور الواعي المثقف. عند سماعي لتلك الجملة حضر في ذهني كم الهزل الذي نراه في مسرح اليوم. فعلًا المسرح له قيمة كبيرة، وله أسس وآداب يجب مراعاتها. المسرح فضاء فني في لوحة أدبية مرسومة بقلم المجتمع، له رسالة معينة يهدف بها للتوعية والتطهير وتهذيب النفس. فقد أشار الأستاذ محمد صبحي من قبل أنه يجب أن نحترم ونقدر قيمة المسرح ولا نقلل من مكانته بضياع مبادئه وفنياته.