كتاب تحت العدسة (حصن الزيدي) الرواية الحاصلة على جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع عام 2019

بقلم شريفة السيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغربي عمران كاتب جاد تشغله قضايا وطنه.
وعبير العطار كاتبة جادة تعرض الكتاب بثقة وعمق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلال ندوات صالون الشباب ولقاء الاجيال، وفي ندوة قرأت لك قدمت الأديبة عبير العطار عرضا موجزا لرواية (حصن الزيدي) للروائي الغربي عمران جاء فيه:
تعريف بالكاتب:
والغربي عمران من مواليد صنعاء
عضو اتحاد الأدباء والكتاب باليمن
رئيس نادي القصة
حصلت روايته (حصن الزيدي) على جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع عام 2019 .. وهي ثاني رواية صادرة عن دار نوفل.
وبدأت الأديبة عبير العطار بعنوان الرواية:
1) وقد عنونَ الكاتب روايته بـ (حصن الزيدي) رغم أن شيخ مشرق الوادي هو الشيخ مرداس – حكمُه بدأ ظاهريا بقوة حتى تمكن من التغلغل لأفكاره زيد الفاطمي مما يمثل (الحكم الديني الطائفي) وظل مُتسلقا خطوة بعد خطوة حتى صار متمكنا مُتجذرا وواصل دورَه حتى فصل الحاكم عن الرعية تماما، ولتقوية تلك السلطة زوج فاطم ابنته للعجوز مرداس.
وعن مضمون الرواية قالت:
2) ليس الدين هو المعضلة الحقيقية كما طرح (الغربي عمران) لمشاكل البشرية؛ ولكن المشكلة تكمن بداخلنا؛ حيث إننا لم نخلع يوما عنا رداء الجاهلية الأولى.
وعن الشكل الخارجي للرواية أضافت:
3) قسَّم الكاتب روايته إلى ثلاثة أقسام:
(حصن مرداس) معبرا عن الماضي.
(زهرة) معبرا به عن الحاضر وهما فصلان متساويان في السرد. ثم (قارون) معبرا به عن المستقبل. وفيه الصورة ذات نهاية ضبابية مفتوحة؛ رغم فهم القاريء أن غياب جمال في اليوم التالي ووالدته تتشح بالسواد يعني فقد الابن، وقد يكون بمعنى اغتيال الثورة في مهدها ويبقى الحال على ما هو عليه.
ويظل الانقسام هو الراية المرفرفة على جدار الوقت في اليمن
ليتركنا نتساءل:
هل في تسليم السلطة للمرأة أمل أكبر لنعود كعهد بلقيس.؟؟
وتطرح الأديبة عبير العطار رؤيتها عن آعمال وفكر المؤلف بشكل عآم فتقول:
للغربي عمران ثلاثة هياكل محورية في كل رواياته هي؛
1/ الصراع الديني الطائفي
2/ صراع السلطة
3/ الصراع الإنساني وهو صراع أزلي من عهد آدم ووجود طرفي نزاع دائما.. فكما كان الصراع بين قابيل وهابيل، وجدت تلك الصراعات داخل الرواية.. صراعات القربَى.
وعن مفهوم الحصن في الرواية تقول الأديبة عبير العطار:
(الحصن) في مفهومه العام مُصمَّم لتفادي أي هجوم خارجي وهو رمز للحماية..
وقد يخلط البعض بين القلعة والحصن، ولكن هناك فروقا جوهرية بينهما. لكن الكاتب اتخذه هنا ليعكس لنا حبس ذات مرداس الهشة وسجنها بعيدا عن الواقع المُر الذي لا يمكنه تفاديه، كما أراد حماية عجزه الذي يطل بتفاصيله لاحقا.
وعن تعددية الصراع في الرواية تقول الأديبة عبير العطار:
وزع الكاتب صراعات مرداس شيخ الوادي كالتالي:
1- صراع خارجي
ــــــــــــــــــــــــــــ
أي خارج الحصن ويمثل احتكاكه بالآخر حتى لو كانوا بني جلدته أو أهله وأقربائه فلا ثقة له بغيره.. وكأنه يخبرنا من الفعل نفسه لا رد الفعل، بدلالات مكتوبة داخل النص الروائي تؤكد ذلك
مثال:
كن ذئبا وإلا دهستك البهائم ص22
من حولكِ يفرضون عليكِ أن تقومي بفعل ما ينبغي فعله
لردعهم ص220
لوعاد الزمن إلى الوراء ماذا كنتَ ستصنع.. سأصنع ما صنعت وأكثر ص 219
فعلى مر أكثر من عقد لم يتغير شيء داخل اليمن من وجهة نظر الغربي عمران
فالقتل يقابله القتل والطمع يقابله الطمع والرجم والملاحقة يقابلها إحراق محاصيل الرعية.
2- صراع داخلي
ــــــــــــــــــــــــــــ
أي صراع الشيخ مرداس مع سكان حصنه، مع مشاعره، مع نفوذه، مع قوته، ومع ضعفه، وأيضا مع عجزه.
يقول:
لولا تلك النار لما مكثت في حصني بسلام ص220
والسؤال الدائر: لماذا ينتقم مرداس من شبرقة من بداية الرواية.؟
حين قالت “ماذا بقي لي في هذه الحياة ومرداس يواصل قتلي منذ حين وها هو اليوم يقتل ما بقي لي” ص8
وذكر أنها “تردد بصوت مسموع ما حاجته لزوجة جديدة” ص 20
ونتوقف عند الصراع الداخلي لتوضيح عجز الشيخ مرداس الذي أوحى لنا الكاتب بدايةً بقسوة قلبه، فحولته وزواجه ثلاث نساء ليكون لكل منهن دورها في حياته، لتصطدم برده على زهرة؛ ص 225
.”لا أحد من صلبي”
بهذا الرد تضمن المفاجأة الفاجعة بآنه كان عقيما…! وتفسر الصدمة التي افتتح بها الغربي روايته حين أطلق مرداس على عبد الجبار ((ابنه)) رصاصة رحمة.
ومن دلالات هذا العجز أيضا ما جاء في الرواية:
لم ينتظر مرداس حتى يبرأ جرح مقتل عنصيف في قلب شبرقة ليفاجئها بالزواج بصبية من قرية المنحدر ص 20
فكيف لا يحزن والد على ولده المقتول حديثا.؟!
ومن ذكاء الكاتب تدكيك التلميح إلى خيانة شبرقة سيدة الحصن
ففي ص 9 حين “أشارت عليها الشارعة إلى وسط دائرة لترى شابا قصير القامة تميز بإكليل من أغصان الريحان” إلى جملة “فتمس قلبها رعشة غامضة لم تألفها إحساس لذيذ يستقر في أعماقها”
ودلالة أخرى على خيانتها من النص الروائي:
أيضا زوجته الثانية خانته يقول:
“همست فاطم في أذن عيئة بأن مرداس لم يعني لها شيئا، وأن ما تقوم به هو من أجل إرضاء والدها ليس إلا، لتستر لها بما بدأ يتحرك في أحشائها” ص216
ثم بُقرت بطنُها وهي في حملها الأخير.
كذلك يقول:
“تذكر ما حدثته فاطم ذات مرة عن اكتشافها علاقة سرية بين ابنتَيْ مرداس وبعض الحراس”ص212
أما عن أحوال ابنتيه:
فمرداس لم يعرهما منذ ولادتهما أي اهتمام رافضا من تقدموا” للزواج بهما” ص 48
“ومقتل ابنتيه أيضا لم يكرر ذكرهما”ص219
وعدم اكتراثه بهن في حياته ليزوجهن فبقين حتى بعد الأربعين دون زواج ولا حتى بذكرهن بعد الممات.
دلالة أخرى من ألد أعدائه وهو شنهاص وهو شيخ غرب الوادي الذي يدور بينه وبين مرداس صراع بلا ذنب اقترفه سوى أنه آوى لديه قاتل عنصيف:
فقد كان يدرك عجز مرداس ومتأكدا من ذلك، لذا حين تستر تحت عباءة المداوية آية ودخل على فاطم ذكر لها العيب في مرداس وأن قضيبه مريض ص190
فهو على دراية بكل ما يدور داخل الحصن والدليل ص 144
فها هو شنهاص يلوم شادن ابنته (كنتُ مطمئنا إلى أن عيونك تترصد من داخل الحصن وأن كل همسة تهمسها إحداهن تصلك فلا تتنفس خادمة أو حرة إلا عرفتِ بها.)
دلالة جديدة تخص وصف الحفيدة فهو لم يصف أحدا بهذه الدقة سوى زهرة بنت عنصيف ابن شبرقة يقول:
دمعت عيناها وهي تنظر في عيني زهرتها متذكرة وجه عنصيف الذي ورثه عن أمه ليورثه الصغيرة.
لنتأكد من كل تلك الشواهد كيف كان مرداس يصارع عقمه بتقبله أولاد منسوبين له ليسوا بأولاده.؟ وأغرق نفسه في التصديق..! وهم في لحظات انتظار جمال طويلا، ليعود من مصر، لكنه لم يتمكن إلا أن يعترف للصبية زهرة بأن لا ولد له من صلبه..!
وتعود الأديبة عبير العطار للخيوط الكثيرة والمتشابكة التى تحرك عرائس النص الروائي ومنها الكلمة بمفعولها الساحر فتقول:
آولا: (الخرافة) بمدلولها الكبير، وهي مجرد كلمة. فماذا صنعت الخرافة في عقول الشعب؟ ونجدها في الرواية متمثلة في أكثر من شخصية مثل بناء المزار من قبل زيد الفاطمي، والمداوية آية (التى هي في الأصل رجل) وصدقوا كل خرافاتها وأكاذيبها من أجل تحقيق غايات أخرى لا علاقة لها بالمداواة.
ثانيا: (الشائعة..) وهي أيضا مجرد كلمة.. فماذا صنعت الشائعة في عقول الشعب؟.. أدت لمقتل الكثيرين مثل فاطم وابنتي مرداس وغيرهم وسجن وتشريد الكثيرين.
(التسخير..) عن طريق كلمة.. سواء استخدم فيها الخطاب الديني أو غيره لكنه تسخير من أجل رسم وتحقيق أهداف شخصية. كلمة تجعل السجين مسخرا من أجل المصلحة.
وتلاحظ عبير العطار إسقاط فكرة توافد الغرباء وعدم الاهتمام لوجودهم مما جعلهم أمرا واقعا لا يمكن التخلص منه رغم العنصرية الشديدة في التعامل معهم. وتضيف:
وهذا يعطينا فكرة عن أن تضخم مشكلاتنا ينع دائما من التغاضي عن استحداث كينونتها وإهمالها حتى نصل مرحلة التداعيات.
..
ثم فكرة (الوعود الزائفة) التى نتمناها كالحرية والرخاء وتراخي القضاء.. وهي وعود نائمة متعبة لا تصحو أبدا.
وكذلك فكرة (كل شيء قابل للشراء) كـ
الأصوات المناصرة مقابل تقسيم الوادي، والطمع في الأرض يفتح بوابة العطاء، بمعنى ألا وجود لعمل دون مقابل، وحتى الوطن/ الضحية حتى لو كان البشر يدا واحدة، فلابد وأن يأتي اليوم الذي يتفرقون فيه، لأن السلطة تجري في الإنسان مجرى الدم في العروق ما إن يجد لنفسه مكانة حتى يتشبث بها.
وتختتم:
الحديث عن الرواية يطول ويأخذنا إلى مشرق الوادي وغربه، على ارتفاعات جباله الكبيرة،
لنسقط مع الغربي عمران في فخ حبسنا داخل رواية (حصن الزيدي)
بكل صراعاتها المتنوعة والتى طغت على الأحداث الإنسانية
ليستوقفني في النهاية جملة من صفحة 82 :
يا أماه الحبس ليس جدارانا ولا بابا يغلق علينا.. الحبس أنين حكايات، كل حكاية تسير على قدمين
لأرد عليه بقولي:
ما أصعب أن تكون حُرا وأنت سجين نفسك وحزنك.
.
وبحسب معلوماتي كشريفة السيد فرواية حصن الزيدي أيضا وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ عام 2021 وتقع في 260 صفحة.
وتقع أحداثها في أواخر مرحلة الإمامة الزيديّة في صنعاء والاحتلال البريطاني في عدن، حيث يُفضي تحالفٌ معقود بين مشايخ القبائل اليمنيّة وبعض فقهاء الدين إلى تسلّؤ الطرفين على رعيّة مستضعفين، وشريحة أخرى من المهمَّشين يُطلق عليهم لقب أخدام أو عبيد.
ويحاول بعض هؤلاء التمرّد على واقعهم، فيجابَهون بالقمع وببطش شديد. يفرّ منهم من يفرّ إلى الغابات الكثيفة في الجبال المحيطة، ويبدأ من هناك فعل المقاومة. ينظّمون صفوفهم ويبدأون بشنّ هجمات ليليّة على مزارع المشايخ. تنجح تلك الهجمات بداية الأمر في زعزعة مكانة المشايخ وأعوانهم من الفقهاء، لكنّ الرهان صعب، فتحالف القبيلة والدين يشكّل حلقة يستحيل كسرها.
كما الحبّ الممنوع بين عدنيّ حرّ وفتاة من الأخدام.
..
ومن هذه المتابعة نرى أن الغربي عمران كاتب جاد تشغله قضايا وطنه المعاصرة والعلاقة بين الدين والسلطة وعموم شعب بلاده، الحروب الأهلية وغياب الديمقراطية.. ويهتم بنقد حاضر مرير تعاني منه البلاد، في محاولة لرصد بعض الأحداث والأحلام الأمجهضة التي لابد أن تُدرج في تواريخ الأوطـان. وبأسلوب روائي سلس ومتمكن.. مؤكدا قول نزار قباني:
يا امرأة قلبتْ تاريخي ..
إني مذبوح فيكِ من الشريان إلى الشريان
علمني حُبُكِ كيف الحب يُغيرُ خارطةَ الأزمان
علمني أني حين أحبُ تكف الأرض عن الدوران
….
…..
وحلمتُ بأن تتزوجني بنتُ السلطان
علمني حبُكِ يا سيدتي ما الهذيان
علمني كيف يمر العمر ولا تأتي بنت السلطان…!
.
تحية للغربي عمران وشكرا للأديبة عبير العطار.
وإلى لقاء جديد في كتاب تحت العدسة
شريفة السيد