قيمة العدل كما يصورها الإمام الشافعي – بقلم: الدكتور عادل عبد القادر
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا

إن القیم التربویة النابعة من القرآن الكریم، تتعامـل مـع الإنـسان مـن جوانبـه المختلفـة ومـن هنا كانـتضرورة دراستها بالنسبة لجمیع المسئولین عن العملیة التربویة. ويمكن تعريف القيم التربوية أنهــا مبــادئ تحــث علــى الفــضیلة، وموجهــات للــسلوك الإنــساني لصالحه وصالح مجتمعه، وتشمل أصولها بالأمر والنهي من القرآن الكریم والسنة المشرفة . إنـه مـن المناسـب أن نـسلط الأضـواء علـى جوانـب مـن حیـاة الإمام الـشافعي: هو محمد بن ادریس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشـمي القرشـي المطلبـي، وكنیتـه أبـو عبـداالله، أحـد الأئمــة الأربعــة عنــد أهــل الــسنة والیــه نــسب الــشافعیة، ولـد فـي غـزة بفلـسطین، حمـل منهـا إلـى مكـة وهـو ابـن سـنتین، وزار بغـداد مـرتین، وفـي سـنة
١٩٩ هـ قصد مصر وتوفي فیها.مـات أبـوه صـغیرا، فنـشأ فــي أسـرة فقیـرة، وعـاش عیـشة الیتــامى والفقـراء، هـذه النـشأة الفقیـرة مــع النـسب الرفیـع أثـر فـي شخـصیته، إذ جعلتـه ینـشأ علـى خلـق قـویم، ومـسلك كـریم، كمـا أن نـسبه الرفیـع الذي ینتهي إلى النبي صـلي االله علیـه وسـلم جعلـه منـذ نعومـة أظفـاره یتجـه إلـى معـالي الأمـور ویترفـع عن الدنایا. حفظ القرآن وأحادیث الرسول، واستمع إلى المحدثین وأغرم بالعلم، وحبب إلیـه حـدیث النبـي
منـذ صـغره فـضلا عــن إتقانـه علـوم العربیــة فكانـت ثقافتـه دینیــة عربیـة، ومـن أقوالــه”مـن تعلـم القــرآن عظمت قیمته، ومن كتب الحدیث قویت حجته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر فـي اللغـة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأیه، ومن لم یصن نفسه لم ینفعه علمه. وقد كان له تأثیر على جیل عـصره إذ توجهـوا إلیـه وقـصدوه، كـم كـان الـشافعي شـا ًعرا إلا أنـه لـم یتقلب في فنون الشعر كغیره من الشعراء إذ أنه اتجه في شعره اتجاها ً خاصا، ركز فیـه علـى الأخـلاق، ودعا من خلاله إلى القیم واعـلاء شـأن الإیمـان
، فقـد حـرص علـى أن یكـون لـشعره قیمـة إیمانیـة، تمیـزفیه بالوضوح والسهولة والبعد عن الغموض والتعقید والسلاسة مـع كثـرة التأمـل والحكمـة والنـصائح فیـه.والعدل هو: ” الإرادة الراسخة والدائمة لاحترام كل الحقوق وأداء كل الواجبات. وقد اجتمعت كلمة البشرية على مكانة العدل ومنزلته، فهو قيمة محمودة، وضده وهو الظلم مرفوض مذموم، فبالعدل يعيش الإنسان ءامنا على دينه ونفسه وأهله وماله وعرضه.
العدل دستور الحياه وروحها حيثما وجد وجدت الحياة، وحيثما فقد فقدت ، من أجل ذلك أمر الإسلام بالعدل في كل شئ ومع كل شئ، وقد تعددت الآيات القرآنية التي حثت على قيمة العدل بمشتقاتها، فقد ورد لفظ العدل في ثمانٍ وعشرين آية منها” إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ “[النحل:90]، وهي كلمة التوحيد. وفي السنة النبوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن- عز وجل- وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)
العدل عند الإمام الشافعي: لقد كان للامام الشافعي له دور كبير في إبراز القيم العليا ومنها قيمة العدل فهو الذي ينظم حياتهم ويحفظ عليهم أحوالهم ويهذب لهم أخلاقهم فعرفه الإمام الشافعي
بأنه: هو العامل بطاعته، فمن رأوه عاملاً بها كان عدلاً، ومن عمل بخلافها كان خلاف العدل( ).وقال أيضا: (فأمرهم أن يشهدوا ذوي عدل، والعدل أن يعمل بطاعة الله، فكان لهم السبيل إلى علم العدل والذي يخالفه). (الرسالة: 25). وقال:(وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه، وإنما علامة صدقه بما يُختبر من حاله في نفسه). (الرسالة: 493).ومن ثم فإن العدل هو طاعة الله تعالي والإستقامة علي أمره فكانت الطاعة سبيلاً لإقامة العدل وتعليمه وتعلمه ، والذي ينحرف وينجرف عن طريق العلم فإنة متصف بضدده وهو الجور. لقد تناول الإمام الشافعي قيمة العدل في شعره تناولاً ضمنياً وذكر أن العدل كما يراد به القسط فإنه يطلق ويراد به الحق فمن المعاني الغائبة عن واقع الناس وهو عدم بيان الحق المنوط بهم فرأى أن الانسان الذي يقيم العدل تجده يشعر بالراحة والطمئانية وعندما يحد عن هذا الحق تجد ثقلاً وتعثراً له في حياته.
ومن العدل الإحسان إلي الأهل والأقارب وكذلك للجوار ولاننسي حق الأصحاب ومن يلتزم العدل قولاًوعملاً لا شك أنة يعيش حياة طيبةً يسعد الناس لمجرد ذكر اسمة فضلاً عن وجوده وحضوره بينهم ، وإن ألمت بة مصيبة أو نائبة ٌأزروة وأعانوه ووقفوا معه في شدتة جزاءً لعدلة وانصافة فقال:
أرى راحة للحق عند قضائه … ويثقل يوما إن تركت على عمد
ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه … وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعش سيدا يستعذب الناس ذكره … وإن نابه حق أتوه على قصد
وهذا إن دل فإنما يدل على أن الإمام الشافعي اهتم بتربية المجتمع وتكوين الشخصية المسلمة من جميع الجوانب الروحية والخلقية والاجتماعية والوجدانية والعقلية والجمالية .
١ يناير ٢٠٢٣