قراءة لغوية في قول الحق- سبحانه وتعالى -: ﴿ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ﴾ [ الأعلى: 9]

دكتور مراد إمام
نجد أن اللفظ القرآني المعجز اصطفى من الألفاظ ما يسمح له باتساع دائرة التأويل لدى المتلقي، الأمر الذي يمكِّن النظم القرآني من توصيل رسالته لكل فئةٍ على حدة، بحيث يشعر كل متلقٍ للذكر الحكيم أنه المقصود والمشار إليه في الرسالة الإلهية.
فالآية القرآنية تنطلق من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن سار على هديه إلى التذكير بالله وما ينفع المؤمنين، وحينما أراد النظم القرآني الربط بين الدعوة للتذكير والاستجابة لها استخدم لفظة (إن) التي تشرف على نوافذ لغوية متعددة ومعانٍ متباينة؛ خدمة للرسالة القرآنية؛فتُستخدم بمعنى (إذا) الدالة على يقين النفع من التذكير، وكأن المراد: ذكِّرهم إذا كنت على يقين من الانتفاع بتذكيرك لهم، وفي ذلك إشارة ضمنية مفادها أن أمر الانتفاع متعلق باطمئنان المذكر إلى استجابة من يذكرهم ويدعوهم.
وكذلك تأتي بمعنى (ما)، أي: ذكِّر ما نفعت الذكرى، وهنا يتعلق الأمر بزمن التذكير، وكأن الحق -سبحانه وتعالى- أراد من المذكِّر أن يكون على بصيرة من أمره في التذكير وبأحوال من يذكرهم، فمدة التذكير تستمر ما دام نفعها مستمرا.
وتأتي (إن) -أيضا- بمعنى (قد)، أي: فذكر قد نفعت الذكرى، وفي ذلك بشارة للمذكر أن جهده وتذكيره لم يذهب سدى وإنما هو منتفع بعمله، وكذلك فيه بشارة أخرى مفادها أن تذكيره له مردود إيجابي في نفوس المذكرين إما عاجلا أو آجلا، وهي بشارات تحمل في جوفها معاني المسؤولية؛ مسؤولية المذكر تجاه من يذكرهم.
وتؤول الآية الكريمة بالحذف، ويكون المراد فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع، وفي ذلك إشارة إلى عظيم المسؤولية الملقاة على عاتق المذكر، فعليه أن يذكر سواء نفعت الذكرى أو لم تنفع.
فتأمل كيف أدت اللفظة القرآنية المفردة دورا فريدا في توصيل رسالة النظم المعجز، حيث حوت دلالة(إن) وحدها الإشارة إلى دور المرسِل ومسؤوليته، وكذلك الإشارة إلى المتلقي، وبيان عاقبة أمره إن أعرض عن المرسل. أضف إلى ذلك دور (إن) في التأكيد على عظم الرسالة وبيان أهميتها.
من هنا نجد أن اللفظ القرآني صعد بالرسالة من المرسل إلى المتلقي، الأمر الذي أفضى إلى التلاحم النصي بين العناصر الثلاث (المرسل، المتلقي، الرسالة)؛ خدمةً للهدف الأكبر للرسالة القرآنية.