قراءة في رواية الأخيذة لنهلة الهبيان

إبراهيم أحمد
ترى أي السلطات يكون لها حق الخضوع؟ وما المؤهلات التي تجعلنا نخضع لها؟ وهل الخضوع لها ينبغي أن يكون خضوعًا كليًا؟
هل هو خضوع تام أم يحتوي قدرًا من المحاورة والمراوغة، المواجهة أحيانًا والمداهنة أحايين؟.
هل السلطة تكون للكاتب؟
أم للناقد؟
أم للنص؟
أم للقارئ العادي؟
هل السلطة تكون للكاتب الذي يجتهد ويسهر الليال لكتابة عمل إبداعي يليق به وبمن يتلقى النص؟
أم السلطة للناقد، الذي يجتهد في قراءة العمل ويقدم رؤيته حوله بحسب ما يمتلكه من أدوات؟
أم للنص كما يقول البنيويون القدامى، هذا النص الذي له لذته الخاصة بحسب التعبير (البارتي)، أو كونه فسيفساء من نصوص أخرى حسب التعبير (الكرستيفي).
ربما تكون السلطة للقارئ العادي، الذي يبتاع النص من (حُر ماله) ويجبر دور النشر على اختيار أدباء بعينهم يلاقون رواجًا عند القراء وبالتالي تنزوي السلطات الأخرى.
الآن أنا أمام سلطتين!
سلطة النص وسلطة الناقد؛ فأنا كناقد يحاول أن يظهر سلطته، ليس تعافيًا على النص أو محاكمته، بل إجباره –أحيانًا- على إخراج جوانبه المضمرة، لكن أحيانًا يقع الناقد أمام نص تكون إمكاناته أعلى أدوات الناقد، لكن على الناقد أن يطوع سلطته لمحاورة النص.
إن نص الأخيذة (لنهلة الهبيان) من النصوص التي تفوق إمكاناته أدوات الكثيرين.
هذا النص الذي أحتار لكثرة مداخل قراءته:
هل أدخل مدخلًا موضوعيًا ثقافيًا دلاليًا، فأتناول قضايا النص؛ فقد عالجت فكرة النص ثلاث قضايا أساسية هي:
1-الزواج من الأجانب بطرق غير مشروعة تتحايل على القانون والشريعة.
2-حرمان الفتيات من التعليم.
3-العنف ضد المرأة.
أو أدخل مدخلًا فنيًا بنائيًا بلاغيًا؛ حيث اللغة العالية التي لم أجد مثيلها في روايات الشباب من جيلها إلى الآن، وما أتمناه أن يكون بقية الروائيين الشباب على هذا المستوى أو أعلى وهذا ما أرجوه من الجيل الجديد.
إن الرواية متأثرة تأثرًا كبيرًا بلغة الرافعي، حيث تتقارب الرواية معه في بناء العبارة ورونقها.
أما المجازات فتأخذك لعالم رحب تتفتح فيه أبواب البلاغة على مصرعيها.
برع النص في الاقتباس من القرآن الكريم وكذلك التناص معه وثمة فرق بين الاقتباس مع القرآن الكريم والتناص؛ فالأول تُكتب فيه الآيات الكريمات كما هي في المصحف الشريف، بينما النمط الثاني فيلاحظه المتلقي وقد تكون دلالة التناص مختلفة في الرواية عن دلالة النص القرآني العظيم ولا أريد أن أُدخل القارئ في اصطلاحات نقدية وأيضًا تقوم الرواية بتوظيف المثل الشعبي بحرفية.
كذلك تعتمد الراوية على الحجاج وآليات الاقناع وإثبات وجهات النظر عن طريق البناء الحواري داخل الراوية.
أما ما تميزت فيه الرواية عن كثير من الروايات الأخرى فنيًا فهو صوغ المونولوج والبراعة في استخدام ضمير المخاطب.
ولا نغفل الرموز التي تدعم آفاق التأويل وتزيد من رحابتها
من المميزات المحمودة تداخل الأجناس الأدبية، حيث نجد القصة القصيرة ونجد الشعر ونجد اليوميات والرسائل، لما لا والراوية تعد نصًا جامعًا ولن أتحدث على الفنيات الأخرى كالاسترجاع مثلا؛ لأن هذه الأشياء من الأمور التي تعتمد عليها أي رواية.
وبعد: إنني لأول مرة أتحرر في تقديم قراءة رواية من سلطة النقد الأكاديمي ومن سلطة النقد الصحفي، بل من سلطة النقد كليا.
لم أستدع نصوصًا لأحللها؛ لأن محاورة نص واحد من نصوص الراوية قد يأخذ من محاورتي الكثير من الوقت والجهد والأدوات بسبب ثراءه، أما تعقيباتي على الراوية فهي قليلة وغير جديرة بأن تذكر طالما تحررت –أخيرًا- من سلطة الناقد.
لكن أقول للكاتبة قد أختلف معك في بعض ما جاء في هذه الراوية ورؤيتك السلبية لبعض الفئات التي قد تكون أكثر خيرية مما ظهرت عليه في الرواية وبالتالي أنا أختلف مع منظورك الأيديولوجي أحيانا كثيرة وأتفق قليلًا حيث أرفض أن تهان المرأة وأن تحرم من التعليم وأن تعامل بقسوة من زوجها، وأرفض أن تتهم بعض الفئات في المجتمع بالفساد إلا في المتخيل السردي الذي لا ينطبق على الواقع بالضرورة وحسبك أنك قدمت في هذه الراوية تجربة فتية قوية جديرة بالدراسة الفنية والثقافية وأنصح دارسي الأدب ومتذوقيه بها.
إن نهلة الهيبان روائية -على المستوى الفني- قد ولدت كبيرة وأتمنى لها مزيدًا من الأعمال التي تستحق أن تسجل في تاريخ أدبنا العربي والعالمي.
الهوامش:
الأخيذة (قضية رأي عام)، نهلة الهبيان، دار غراب للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 2019.