في رحاب الشطيبي25
بقلم: إدريس الزياتي
لم يكن وقت الغذاء طويلا، حسمت المعركة بسرعة لصالحهما، فقد كان الحاج يحتاج إلى قيلولة قصيرة قد لا تتعدى الساعة أو تزيد قليلا فبين الصلاتين وقت قصير ، ليقوم إلى مشغله الذي لا يزال يعج بالأواني والأغراض التي عليه إصلاحها ليقدمها في الغد إلى أصحابها فباله مشغول بإنهاء العمل .
خرجا بعد أن أجهزا على ما تبقى على المائدة فانحدرا صوب بيت خاله قصد إلقاء التحية لكنه للأسف الشديد لم يكن هناك فقد شوق مصطفى صديقة للجلوس معه والتعرف عليه عن قرب ، تابعا طريقهما تحت الأشجار العالية والأحجار العاتية التي يميل لونها إلى السواد كأنها شهدت على أحداث شنيعة وسمتها بتلك الجهامة ، يطل المكان على تبوذة والوادي الذي يظهر منسابا غير مكترث بمن حوله ، ينظران الى المحيط من مكان عال حيث يشعر الإنسان بالشموخ والإباء.
لم يعد هناك وقت كبير يقظيانه معا ففي الغد على إدريس أن يغادر حيط ليلة ، فقد زاد عن الوقت الذي حدد له ، لكنه سيتحجج بغياب وسائل النقل وزيارة العائلة كمستجد لم يتوقع حدوثه ، لذلك آثر أن يرجئ عودته إلى اليوم الذي يصادف السوق الأسبوعي حيث تكثر وسائل النقل غير القانونية بحيث يخطفون مالك وجسدك وإنسانيتك فتصبح أرخص من بضاعة لكن الأمر في رمته وكل حيثياته يعود إلى إهمال الدولة وتهميشها السافر واعتبار تلك المناطق ومن عليها غير ذات جدوى و لا فائدة ترجى منها ولا نفع يعود بها عليها .
يتجول إدريس بنظراته في المكان بينما أفكاره تسافر به بعيدا في غياهب المجهول ، حول تلك الجبال المحيطة التي أينما يممت وجهك صافحتك بنظرتها المتأسفة ، كانها تعتذر لك من خشونتها وقسوتها ، تلك المداشر المتفرقة على القمم والسفوح ، يقول في نفسه لعل أمرهم أنكى وأطم ، حيث انعدام الطرق والمياه الصالحة للشرب والكهرباء وقساوة الجغرافيا وقهر التاريخ .
على هامش الحياة ، يواجهون شظف العيش ، في صمود وتحمل منقطع النظير ، يحدوهم الأمل إلى غد أفضل ، ينتظرونه بفارغ الصبر لكنه يأبى أن يطل بوجهه، يجد في طريقه دوما تلك الأعشاب الطفيلية التي تفسد الحرث والزرع فتأخر المحصول أو تسلمه للديدان التي تقضي على الأخضر واليابس.
لكن التاريخ يعيد نفسه ، والإنسان هنالك ذاكرته قصيرة ، فمجرد ما تمر سنوات أربع حتى يعود إلى نفس السلوك الذي تعود عليه متلبسا بالخنوع والنفعية منتظرا نتائج أفضل ، رغم طول لسانه وسلاطته في كل شيء عدا الحق.
من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة إلى الشيخوخة هكذا يمر العمر بالتمني ولكن لا شيء يلوح في الأفق وصدق شوقي إذ قال وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.