في رحاب الشطيبي24

إدريس الزياتي
اليوم يوم عطلة رسمية للمحسوبين على القطاع العمومي ، أما الحاج ومن على شاكلته من أبناء المغرب المهمش فلا يعر فون للعطلة سبيلا إلا في العيدين . يكافحون من أجل لقمة عيشهم ، وقد عاد الحاج الى بيته لا ليأخذ قسطا من الراحة ويستعد ليوم الإثنين الذي يصادف يوم السوق الأسبوعي في بلدته المسماة حيط ليلة والتي تطل عليه من عل ، بل ليتم الأشغال التي تراكمت فى المعمل الصغير الذي يشغله أسفل البيت وقد جعل بابه الى الخارج كي يستقبل زبناء البلدة دون حرج ولا اطلاع على عورة او ما يخشى رؤيته ، تلك الأواني والأغراض التي تتطلب التسليم في الغد ، كان يسابق الزمن كي تبقى سمعته ناصعة في السوق ويفي بالوعود التي قطعها على نفسه ، وهو الذي ماعرف عنه إلا ذلك ، فالرجل يبدو في الظاهر صاحب سمت متورد الوجنتين ، تبدو على وجهه علامات الصلاح لحيته التي حفها وقد اشتعل الشيب فيها تزيده هيبة ، لا يمكن لكل من رآه الا أن يوقره ويحترمه ،محافظ على الصلوات يسعى الى الوفاء بالالتزامات مع زبنائه لكن السرائر لا يعلمها إلا الله ، وقد قيل أعلم الناس بالرجل أهل بيته ، ثم من ساهره أو سافر معه أو تاجر، فالحكم عادة ما يبنى على الظاهر والمولى عزوجل خبير ومطلع على السرائر يعلم ما خفي وما بطن ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
كانت المائدة في انتظار رجل البيت الأول صاحب الكلمة والقول الفصل ، لا يرد له أمر ولا يخالف له رأي، كلمته تقطع الحديد ،ويصغى إليها وليس فوقها مزيد ، إن شبع شبع أهله وإن روي رووا، جلس الى المائدة جلسة المشمر عن ساعد الجد ، مستعد ا للانقضاض على ما تشتهيه نفسه انقضاض الأسد على فرائسها ، بينما كان الاستحياء والحرج يظهر جليا على وجه ادريس الذي توردت وجنتيه خجلا أما مصطفى فلم يلق للأمر بالا. قد تعود على طبع ابيه ونظراته وشدته قد خبره وسار في ركابه ردحا من الزمن .
كان الوجبة دسمة جعلت الحاج لا يتوانى في التهام نصيب الأسد منها وهو لا ينبس ببنت شفة فالمعركة تقتضي التركيز واستعمال كل القوى لبلوغ المرام .
نادى بالماء ليغسل يديه التي أصابها المرق من كل جانب بعد ان مصمصها ولعقها بلسانه، اقتداء واتباعا . فهرع مصطفي الى الباب المؤدي الى غرفة الضيوف حيث يتناولون الغذاء ليجد الآنية قد قربت وقد جلبتها الحاجة التي تعودت على خدمة زوجها بنفسها.
ما أن انتهى حتى توجه الى غرفته طلبا لقيلولة يستعيد بها طاقته ويجدد من خلالها نشاطه بعد ان امتلأ و روي.
كانت الفرصة سانحة بعدها لليافعين أن يواصلا طعامهما دون حرج ولا وزر او مضايقة وقد تعودا في داخلية الإمام الشطيبي على تقاسم الطعام والحديث خلال الوجبات ومشاركة المستملحات والنوادر، للقضاء على الروتين اليومي وكسر شوكة الجوع ومقارعة طعم المشروب الساخن الذي لا يشبه الشوربة ولا الحريرة إلا في دفئه وملحه.